كشف تقرير حكومي عن تورط منظمة الامل والمأوى البريطانية في اعمال انتهاكات ضد الاطفال مجهولي الوالدين، ولم يقتصر التقرير الصادر في عام 2009م على فضح عورات وانتهاكات وتجاوزات المنظمة، وانما فتح الباب على مصراعيه بشأن ما يتم من صراعات في كواليس ملف الاطفال مجهولي النسب. وعلى الرغم من نفي الجهات المختصة علمها بما ورد في التقرير، الا ان جهات مطلعة أكدت أن التقرير محل التحقيق قد تم تسريبه من وزارة الشؤون الاجتماعية بولاية الخرطوم «التنمية الاجتماعية بعد التشكيل الوزاري الجديد» إبان تفاقم الصراع بين الوزارة ومنظمة «أنا السودان» المنظمة المسؤولة عن الخدمات الصحية والغذائية بالدار، علما بأن اللجنة التي اصدرت التقرير والتي سميت بلجنة تقصي الحقائق تم تكوينها بواسطة المفوض العام للعون الانسانى الاسبق حسبو عبد الرحمن، وضمت في عضويتها ثمانية اشخاص يشغلون مواقع وظيفية حكومية مختلفة بموجب قرار اداري حمل الرقم «7» بتاريخ 27/6 /2009م الموافق 3 رجب -1430 هجرية، بهدف مراجعة برامج الاطفال والقيام بزيارات ميدانية لمراجعة اداء المنظمة المالي والاداري. واتهم التقرير المنشور على موقع سودانيز اولاين المنظمة باخفاء الحقائق والمعلومات عن وضع الاطفال والتعتيم وعدم الشفافية، وتزامن تسريب التقرير مع اقتحام المباحث المركزية لدار المايقوما بعد أن وضعت يدها على الملفات والمعلومات الخاصة بالدار بغرض تحليلها، وتفاقم الصراع بين وزارة الشؤون الاجتماعية بولاية الخرطوم ومنظمة «أنا السودان» بعد وصول معلومات تفيد باختفاء أكثر من «300» طفل من الدار دون معرفة مصيرهم خلال السنوات الماضية، برغم نفي مدير الادارة العامة للمباحث والتحقيقات اللواء شرطة عابدين الطاهر لواقعة الاختفاء، الا ان احاديث قد رشحت بإن جزءاً من هؤلاء الأطفال المختفين تم تسفيرهم لخارج السودان، بغرض الاستفادة من أعضائهم الجسدية أو تمليكهم لما يُسمى بالأُسر البديلة بالخارج. واضافت ذات المصادر إنه تم حصر الأسر البديلة بالداخل التي تسلَّمت أطفالاً من الدار في الفترة الماضية، حيث ثبت أن ذلك الإجراء قد اتسم بالفوضى وعدم الدِّقة، وهي ذات المعلومات التي كشف عنها التقرير الذي اكد أن من جملة «140» طفلاً التحقوا بالبيوت «وجد واحد منها بلا وثائق ملكية ذكر انه تابع لمنظمة تدعي support لا تعرف عنها اية معلومة». ومنذ بداية المشروع تم العثور على اطفال في أسر غير مناسبة من ناحية العرق والدين والثقافة والهوية، كما تم العثور على اطفال في اسر ذات اوضاع معيشية وصفها التقرير بالصعبة، هذا الى جانب وجود اطفال في أسر سيئة السلوك والسمعة، وآخرون في الشوارع مع «ستات» الشاي، فضلا عن اهمال البعض الآخر ومعاناته من حالات مرضية ادت الى وفاتهم. وكشف تقصي اللجنة بقاء عدد من الاطفال لدى الاسر المؤقتة لمدة قاربت الخمس سنوات، رغم ان اللائحة حددت المدة بثلاثة اشهر كحد اقصى، الامر الذي قاد الى اصابة عدد منهم بصدمة نفسية بعد اخذهم من هذه الاسر، علما بأن بعضهم ورغم الخمس سنوات إلا أنه لم يتم الحاقه بالتعليم المدرسي. واكد التقرير ان عملية اخراج الاطفال من المايقوما تتم بقوائم واوراق مكتبية عادية دون إذن وموافقة الجهات القانونية من نيابة وشرطة، ودون متابعة لما سيحدث بعد خروجهم وضمان وصولهم للكفالة الدائمة بالاجراءات القانونية، مما ادى الى تسرب الاطفال، فقد شهد نهاية عام 2006م اخراج «52» طفلا من دار المايقوما لقضاء عطلة العيد ولم يتم ارجاعهم الى الدار مرة اخرى، قبل ان يؤكد تلقي عدد من الاطفال لدروس تبشيرية في بعض البيوت، مما جعل عددا منهم يغير دينه من الاسلام الي المسيحية، مثل حالة محمد عيسى 16 عاما، و3 أطفال آخرين لم تتمكن اللجنة من مقابلتهم بسبب منعها من دخول منازلهم، وهم محمد ابكر 15 عاما، وعامر عبد الله كابيلا واحمد الشيخ. ولفت التقرير الى تعرض عدد من الاطفال الى الاساءة والتمييز كعمر واني وطارق مصطفى الذين اختفوا من المنزل، والطفل سانتينو الذي طرد من قبل الاب البديل. وانتقد التقرير عدم اتخاذ اجراء لصالح الطفلين، مبينا تعرض طفلين آخرين للتجنيد وهما ابرم جوليسيا 15 عاما واحمد عباس 16 عاما. ونبه التقرير الى تعرض فتاتين «أمهات» للتهديد عندما أبدتا رغبتهما في استرجاع ابنيهما، كاشفا عن عمليات منظمة لتسليم اطفال لجماعة من جنوب السودان تعمل بالتنسيق مع اجانب عبر اجتماعات دورية مع عدد من الافراد منذ عام 2004م، حيث تعمل منظمة الامل والمأوى على اختيار اسر بديلة مؤقتة من تلك الجماعات في مناطق طرفية كجبل اولياء والحاج يوسف ومايو. ويقول التقرير ان زيارات تمت لهذه الاسر خلال عاملين من المشروع في منظمة الامل والمأوى، وتم تدريب هذه الاسر على المطلوب منها تجاه هؤلاء الاطفال، وبعدها تسلمت وبصورة منظمة اطفال ذوي سحنات عربية خلال الفترة من 2004-2009م، واتهمت اللجنة المنظمة بالبرود تجاه ملف اختفاء الاطفال الذين بلغوا العشرات، مؤكدة عدم تمكنها من رصدهم بسبب قلة المعلومات وعدم وجود وثائق دقيقة عن عمليات تسليم الاطفال، الا انها عادت واكدت معلوماتها عن اختفاء الطفلة دار السلام عجبنا وعبد الله يوسف وخميس وآمنة وعمر واني وطارق مصطفى واحمد عباس وابرم جوليسيا. هذا وقد كشفت اللجنة النقاب عن شروع المنظمة في برنامج عمل في ولاية القضارف دون علم الجهات المعنية بذلك سواء على المستوى الولائي او الاتحادي. وقد قامت اللجنة حسب التقرير بزيارات تمهيدية اولاً ثم زيارة بمرافقة اجانب تمت فيها مقابلة والي الولاية وامين عام مجلس الطفولة ووزير الرعاية ومقابلات اخرى في الولاية، للترتيب لعمل برنامج للاسر البديلة المؤقتة والطارئة للاطفال مجهولي الوالدين. ووفقا للتقرير فقد عقدت اللجنة المذكورة 12 اجتماعا، 11 منها بمفوضية العون الانساني مقابل واحد بمجلس رعاية الطفولة في الفترة من 2 يوليو -24 اغسطس 2009م تم خلالها عمل مسح ميداني لكل مواقع الايواء بواسطة أعضاء اللجنة التي استعانت بستة باحثين اجتماعيين تم تدريبهم في محاضرتين على اجراء المقابلات مع الاطفال والاسر، مع كيفية جمع البيانات والمعلومات اللازمة واستخدام الاستمارات، كما قامت اللجنة بجولة للتقصي عن اداء المنظمة والجمعيتين المالية والادارية. وفي ما يتعلق بالموقف الرسمي فقد نفت وزارة الشؤون الاجتماعية بولاية الخرطوم علاقتها بالتقرير ووصفته بالمفبرك، بينما رفضت الأمين العام لمجلس رعاية الطفولة قمر هباني ومدير دار رعاية الطفل «المايقوما» التعليق على التقرير تأكيدا او نفيا. وبالمقابل دافعت منظمة الاممالمتحدة للطفولة «يونسيف» عن مشروع الاسر البديلة الذي نبع كمشروع في منتصف 2003م بعد الارتفاع الملحوظ في معدل وفيات الاطفال بالدار التي وصلت الى 82%. ويقول مسؤول ملف الحماية بالمنظمة عثمان ابو شيبة: «تكونت مجموعة عمل للمشروع من الوزارة ومجلس رعاية الطفولة وصندوق الاممالمتحدة للطفولة «يونسيف» ومنظمة الامل المأوى ومنظمة اطباء بلا حدود الفرنسية والمنظمة السودانية لرعاية الاسرة «مسرة» ومنظمة زملاء الاغاثة الافريقية بجانب شرطة أمن المجتمع وديوان الزكاة، وذلك بهدف خلق مجتمع لرعاية الاطفال المتخلي عنهم بدلا من الدار والمؤسسات الايوائية وتقليل الوصمة الاجتماعية التي تلحقهم طيلة حياتهم، وتوفير بيئة اسرية، وتحقيق دمجهم في المجتمع». وتؤكد مدير الوحدة الفنية لمشروع الأسر البديلة بالوزارة منى عبد الله في ورقة عمل حول عرض تجربة الوزارة، أن للرعاية الدائمة والمعروفة فقهيا بالكفالة شروط ومعايير للاختيار، تتم بدراسة اجتماعية ميدانية واجراءات وقضايا تدريبية، لتمكن الامهات والاسر من القيام بدورها في رعاية الاطفال. واكدت ان للاسر البديلة نظام رقابة ومتابعة، اضافة الى تحوطات ضرورية لمعالجة حالات فشل الايداع وتهيئة الاطفال للانتقال عند الضرورة، بجانب نظام للتعامل في التبليغ عن اساءة المعاملة والتحقق من اجراءات حماية الطفل المتعارف عليها. واوضحت ان النتائج المباشرة التي ظهرت من آثار المشروع كانت تقليل نسبة الوفيات بين الاطفال لدى الاسر البديلة الى اقل من 1% عكس الحال بدار المايقوما التي واصلت فيها الوفيات الارتفاع الي 24%. ومنظمة اليونسيف التي اكدت عدم توفر معلومات مؤكدة لديها عن عمليات بيع وتهريب الاطفال خارج السودان، رفض مسؤول ملف الحماية بها المعلومات الواردة في التقرير، واعتبره خادما للتيار المناوئ للاسر البديلة. وقال إن اليونسيف غير معنية بالتعليق على تقرير مصدره «بوست» في موقع الكتروني على الانترنت. واضاف هذه الاتهامات لا اساس لها من الصحة، وقال ان اليونسيف تدعم تيار الاسر البديلة لانه نظام قائم على اساس الاسرة، مشيرا الى صعوبة نشوء الاطفال في دور الرعاية. واضاف ان لديهم نظاما للمراقبة والمتابعة، ويساعدون الحكومة في بناء الانظمة المختلفة لحماية الأطفال عبر الطابع العدلي او الاجتماعي كمساعدة الاجهزة وتطوير واصلاح القوانين، مشيرا الى ان نظام الاسر البديلة بالسودان يعد الاقوى مقارنة بدول المنطقة. وبعيدا عن نفي الجهات المختصة، فقد اثار هذا التقرير جدلا متناميا واعاد الى الاذهان حادثة اختطاف «103» من اطفال دارفور بواسطة منظمة «آرش دو زوي» الفرنسية التي كانت تعمل تحت شعار العمل الانساني، وكانت الشرطة التشادية قد اعتقلت في نهاية اكتوبر2007م تسعة فرنسيين منهم ستة أعضاء من منظمة «آرش دو زوي» غير الحكومية وثلاثة صحافيين- عندما كانوا يستعدون لنقل «103» أطفال تتراوح أعمارهم بين عام واحد وثمانية أعوام من مدينة أبيشي بشرق تشاد، على متن طائرة مؤجرة من شركة طيران إسبانية. وزعمت المنظمة انها ارادت انقاذ ايتام من الاقليم بايوائهم مع عائلات فرنسية قبلت استضافتهم بعدما طلبت مبلغ 2400 يورو لتأمين احتياجاتهم واستئجار طائرات لنقلهم، غير أن مفوض العون الانساني وقتها حسبو عبد الرحمن اتهم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة اليونيسيف بالتستر على جريمة اختطاف أطفال دارفور بعلم الحكومة الفرنسية. ورغم محاولاتنا في نبش خفايا هذه القضية للوصول الى حقيقة ما جاء في التقرير، الا ان إعراض المسؤولين وحرصهم على عدم الإدلاء بأي تصريح أو الكشف عن أية معلومة جعل القضية اكثر تعقيدا وغموضاً. وبغض النظر عن صحة ما ورد في التقرير فإن الأطفال المتشردين واطفال دور ومؤسسات الرعاية يظلون بيئة خصبة وفريسة سهلة لعمليات البيع والتهريب.