يا لها من مفارقة محزنة، ان تقرقر بفعل الجوع والخواء الذي يحتله الهواء بطون الكثير من تلاميذ المدارس الذين لا يجدون حتى «طرقة كسرة» بايتة أو فتات خبز جاف يفطرون به ويضطرون لقضاء يومهم الدراسي عابسين حزينين وجوعانين وما فاهمين على حد تعبير الراحل محمد طه محمد احمد شهيد الصحافة ونصير الفقراء، بينما في المقابل هناك كروش كبيرة ممتلئة بما لذ وطاب من المحليات والمستوردات وأشداق ضخمة تقهقه بالضحك، انها والله مأساة وعار وشتار لا يليق بالانسانية وبالضرورة هو على أمة محمد غير أليق، أن يكون بيننا تلاميذ صغار يبيتون «القوى» وعندما يقوون على الذهاب إلى المدارس في الصباح لا يجدون ما يتقوتون به ولو سندويتش طعمية من النوع الردئ الذي يباع على الارصفة وبين الازقة وليس من محلات «لذيذ»، فأي بؤس وأي تعاسة وأي شقاء هذا الذي يكابده هؤلاء الايفاع، وكيف لهم وهم بهذه الحالة ان يتابعوا سير الدروس دعك من ان يفهموها، انهم بالحق «جوعانين وما فاهمين»، وأنّى لجائع ان يفهم لو تفهم الحكومة، وهل قلت الحكومة، آسف دعونا منها، فقد خيّبت كل رجاء فيها منذ أن كان حمدي وزيرا للمالية، ولذكر حمدي هنا أهمية، فرغم انه كان دائب القول ان الحكومة ليست «تكية» ولم يكن يرحم في سبيل تطبيق سياسات الخصخصة والتحرير التي لا ترحم، الا ان قلبه رقّ لحال هؤلاء التلاميذ عندما هيأ له القدر ان يقف على حال بعضهم بالصدفة المحضة، فأعلن عن توفير وجبة افطار مجانية لتلاميذ المدارس لم تجد طريقها إلى البطون الصغيرة الجائعة حتى اللحظة، ولا ندري السبب، فسبب حمدي لا زال «حمدو في بطنو»، ومن يومها وعلى كثرة تعاقب الوزراء وتعدد التشكيلات الوزارية إلى ان بلغنا اليوم التشكيلة أم «77»، الا انه وبعد كل هذا الحراك الوزاري لم تحرك هذه القضية الانسانية ذرة مسؤولية في ايما مسؤول وكأن الأمر لا يعنيهم، وبقيت المشكلة بلا حل، التلاميذ يكابدون الجوع وأولياء الامور يكابدون الرسوم، ولا حل في النهاية سوى الشارع مشرع الذراع لاحتضان الفاقد التربوي الذي تقذف به الرسوم والذي يرمي به الجوع، لقد كتبنا وكتب غيرنا وطرقنا على القضية حتى كلّت اقلامنا وعندما كلّت اقلامنا للاسف لم تكلمنا الحكومة ولو بوعد على طريقة حمدي.. الآن فتحت المدارس ومعها انفتحت سيرة الوجع مجددا، فماذا يا ترى نحن فاعلون، حكومة واهالي ومجتمع، لا بد من فعل شئ حتى لا يشقق الله علينا بشقاء هؤلاء الصغار، وفي هذا الاطار كاتبنا القارئ الكريم طالب الدراسات العليا بجامعة الخرطوم عثمان احمد محمد يقول: استاذ المكاشفي، بعد التحية: من الاشياء التي لا يمكنني ان انساها في حياتي احدى مقالاتك التي تناولت فيها معاناة بعض طلاب الاساس في عدم تناولهم وجبة الفطور نسبة لفقر اهلهم المدقع والذي لا ذنب لهم فيه «الله المستعان». رغم ما مرّ من زمن طويل على هذا المقال وقد كنت أريد التعليق عليه في حينه لولا انشغالنا بالدنيا، ولكن رغم مرور هذا الزمن الا انه ظل يؤرقني ويحرمني من النوم كلما آويت إلى فراشي، وذلك نسبة لانك طرحت المشكلة بصورة تتفطر لها الاكباد وتخفق لها القلوب بشدة، ولكن يا استاذ حيدر كنا ننتظر منك بمثل ما طرحت المشكلة باسلوبك الاخاذ، ان تطرح بعض الحلول لهذه الفاجعة، رغم علمنا انك لست وزيرا، أو مسؤولا تنفيذيا، ولكنك تستطيع بقلمك واقلام كثير من اقرانك ان تتبنوا مبادرات وحلول لهذه المشكلة، ولتكن في شكل تصورات واضحة تطرح على المسؤولين لتنفيذها لمساعدة هؤلاء الزغب، وان لم يقتنع بها المسؤولون ولم يعيروها اي اهتمام نطرحها على اهل الخير والمنظمات الخيرية ليقوموا بواجبهم في اطعام هؤلاء الصغار الذين لا ذنب لهم كون ان اهلهم فقراء ويدرسون في المدارس الحكومية البائسة الطاردة، بينما اقرانهم في المدارس الخاصة الجاذبة يفطرون بما يحلو لهم ويحلون بالشكلاتة والايسكريم «اللهم لا حسد». هذه مسؤولية جسيمة تقع على عاتقنا جميعا، فالطالب الذي لا يأكل شيئا منذ الثامنة صباحا وحتى الواحدة أو الثانية ظهرا «حقو في رقبتنا جميعا إلى يوم القيامة» عار على أمة تريد النهوض وقادة المستقبل فيها يتلوون من الجوع في أماكن تحصيل أسباب النهوض. هذا على مستوى وجبة الافطار فقط، اما اذا عرجنا على الزي المدرسي والحقيبة المدرسية والكراسات وتهيئة الجو الدراسي في المنزل، فذلك أمر يندى له جبين كل ذي قلب معافى. عموما هذا دلونا ألقينا به ونتمنى أن يجود علينا أصحاب العقول النيرة بمبادرات مبتكرة للإسهام في توفير وجبة «إفطار مجانية» لكل الطلاب الفقراء بمدارس ولاية الخرطوم، فهل يمكننا ان نحلم بيوم يتناول فيه كل الطلاب وجبة الفطور؟. عثمان أحمد محمد طالب دراسات عليا جامعة الخرطوم