وزير الخارجية يستقبل مدير عام المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة    منع قناة تلفزيونية شهيرة في السودان    ماذا قال ياسر العطا لجنود المدرعات ومتحركات العمليات؟! شاهد الفيديو    تم مراجعة حسابات (398) وحدة حكومية، و (18) بنكاً.. رئيس مجلس السيادة يلتقي المراجع العام    انطلاق مناورات التمرين البحري المختلط «الموج الأحمر 8» في قاعدة الملك فيصل البحرية بالأسطول الغربي    شاهد بالصور.. ما هي حقيقة ظهور المذيعة تسابيح خاطر في أحضان إعلامي الدعم السريع "ود ملاح".. تعرف على القصة كاملة!!    تقارير صادمة عن أوضاع المدنيين المحتجزين داخل الفاشر بعد سيطرة الدعم السريع    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    د.ابراهيم الصديق على يكتب:اللقاء: انتقالات جديدة..    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الولايات المتحدة أكبر المهددات الأمنية لشمال السودان
في ندوة تقرير المصير .. الحق والواجب 2 - 2
نشر في الصحافة يوم 01 - 07 - 2010

اجتمع نفر من الخبراء لمناقشة حق تقرير المصير لجنوب السودان بين الحق والواجب، أدلوا بدلوهم عبر اوراق علمية جرى التداول حولها برعاية من مركز السودان للبحوث والدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع جامعة افريقيا العالمية الثلاثاء الماضية، ولاهمية الأوراق تدفع (الصحافة) الى قرائها باهم ما جاء فيها من أفكار:
المخاطر على الأمن الوطني
في ورقة (الانفصال والمخاطر على الأمن الوطني السوداني) يتحدث الفريق الفاتح الجيلي مصباح عن المعضلات الكبيرة المتوقع الخلاف حولها في حال انفصال الجنوب وأولها، الحدود بين البلدين، ويقول انه رغم أن الاتفاقية والدستور قد حسمت الأمر بحدود (56) عند الاستقلال وهي حدود المديريات (بحر الغزال أعالي النيل) مع المديريات الشمالية المحاددة لها في ذلك الوقت (دارفور كردفان النيل الأزرق) إلا أن العلاقات المحددة كذلك قد طال عليها العهد والخلاف حولها وارد خصوصاً وأن المناطق المعنية أصبحت مصادر لثروات نفطية غنية وزراعية ومرعى للثروة الحيوانية. كما أن الحدود القديمة في البلد الواحد لم تمنع القبائل المتجاورة من التداخل في المرعى والتجارة وغيرها، ولابد أن الوضع بعد الانفصال سيكون مختلفاً وأدعى لحدوث الاحتكاك.
وثانيها البترول اذ ان معظم آبار البترول الآن في الجنوب أو المناطق الحدودية غير المحسوبة التبعية أو الوارد الاختلاف حولها، كما أن الاتفاقات مع الدول المستثمرة من الوارد أن تخضع للمراجعة من جانب المالكين الجدد كما أن خطوط النقل والتصدير الحالية كلها في الشمال وهو أمر يحتاج لتفاوض طويل للوصول إلى اتفاق يرضى عنه الطرفان ويكون قابلاً للاستمرارية لفترات طويلة. ولابد من وضع الاعتبار لتأثير الدول الكبرى الغربية على الدولة الجديدة وعلاقتها بالمستثمرين في البترول مثل الصين وماليزيا وغيرها إذ أنها كانت ترى أصلاً أنها الأولى بذلك لنفسها.
ويتحدث الفريق مصباح عن الانفصال وأثرة على المناطق الثلاث ويقول ان الأوضاع الخاصة التي حصلت عليها المناطق الثلاث (النيل الأزرق جنوب كردفان أبيي) في اتفاقية نيفاشا تجعل مآلات هذه المناطق عند اختيار الانفصال مناطق نزاعات وتوترات وشد وجذب وربما تتأثر بالأوضاع عن جيرانها الجدد وتسعى للتداخل معهم الأمر الذي قد يؤدي إلى هشاشة في الأوضاع الحدودية سيما وأن هذه المناطق قد ارتبطت بالجنوب عسكرياً لوجود عناصر كبيرة العدد من أبنائها ضمن الجيش الشعبي لتحرير السودان، مشيرا الى ان هؤلاء يمكن أن يصبحوا نواة لإحداث توتر في هذه المناطق بعد انتهاء أي علاقة شرعية بالجنوب وانتقالهم كعبء على شمال السودان الذي ينتمون إليه أصلاً.
وعن أوضاع الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب بعد الانفصال يقول الفريق مصباح بضرورة ترتيب اوضاع العدد الكبير من الجنوبيين المنتشرين في الشمال كونهم سيصبحون رعايا دولة أجنبية وفقاً لقوانين الدولة المحلية منبها الى انه أمر يحتاج لوقت ومال وترتيبات إدارية وقانونية قد تأخذ وقتاً طويلاً وتداعيات غير مأمونة العواقب.
اما عن الانفصال والديون الخارجية وأصول الدولة فيشير الى الاختلافات التي برزت حول التزامات السودان من ديون خارجية وأصول وممتلكات خاصة وأنصبة لكل طرف وكيفية حسمها ويقول ان الاتفاق على هذه المسائل يكاد يكون مستحيلاً ومعلقاً إلى ما لا نهاية، متوقعا ان تكون محل نزاع مستمر وضغط من الدولة الجديدة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب.
وعن الانفصال وأثره في الدولة الوليدة بالجنوب يشير الى ان الخلافات القبلية والسياسية في الجنوب بدأت منذ فترة بسيطرة الحركة الشعبية على الأوضاع في الجنوب ومنعها لدعاة الوحدة والمسلمين من القيام بأي نشاطات تضمن لهم موطئ قدم في مستقبل الجنوب. ويقول انه بعد الانتخابات الأخيرة لم يسمح لأي طرف غير الحركة الشعبية بالتحرك السياسي أو المنافسة الأمر الذي ينبئ بما يمكن أن تكون عليه الأوضاع إذا حدث الانفصال وبرزت النزاعات إلى العلن أكثر مما هو عليه الحال الآن وتداعيات ذلك على الأمن السوداني بهجرة ولجوء الجنوبيين إلى الشمال كلاجئين هذه المرة والأعباء على ذلك أمنياً واقتصادياً وسياسياً... الخ.
ويجمل الفريق الفاتح مصباح المخاطر الأمنية على البلاد من جراء اختيار الانفصال في: الخلاف حول الحدود، البترول وطرق نقله وتصديره... الخ، الخلاف حول أنصبة مياه النيل، الخلاف حول العلاقات مع الدول المجاورة، الأثر على المناطق الثلاثة، الأثر على أوضاع الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب، الأثر على الالتزامات الخارجية وأصول الدولة، الانعكاسات على الأوضاع في الجنوب أمنياً، الانعكاسات على الأوضاع الاقتصادية في الجنوب، موصيا بتحديد مناطق العبور ومراقبة الحدود تحسباً للجوء والتهريب والتجارة غير المشروعة، والتوسع في مصادر المياه والمراعي درءاً للاحتكاكات في مناطق التماس، وزيادة الاهتمام بتجارة الحدود بين الجانبين وتنظيمها، وبوضع خطط وبرامج تستهدف المناطق الثلاث في التنمية والخدمات، والربط بالطرق والاتصالات والمعاملات.
تقرير المصير وتقاطع الإستراتيجيات
مستهدفا توصيف حالة الأمن الراهنة الداخلية والخارجية ولمدى أربعة سنوات قادمة يقول الفريق الركن السر محمد أحمد عبد النور في ورقته الموسومة (تقرير المصير وتقاطع الإستراتيجيات) ان اتفاقية السلام الشامل أطلقت قوى متنافسة عديدة من داخل وخارج البلاد من عقالها بحيث لم يعد باستطاعة أحد السيطرة عليها، مناديا بالاعتراف بحقيقة أساسية في الحياة الدولية هي أن المعاهدات تستطيع أن تُغير من سلوك الدول لكنها لا تستطيع تغيير قلوب الشعوب ومشاعرها، ويقول (لقد وقعنا اتفاق سلام مع أبناء الجنوب ولقد منح الاتفاق أبناء الجنوب أكثر مما عجزوا عن تحقيقه بالحرب، وتبادلنا الكراهية وعدم الثقة أكثر من خمسين عاماً وخضنا حرباً طويلة ومضنية، والسلام لا يعني أن ننسى أحقادنا ونُحب بعضنا البعض بل يعني أن نعيش بسلام مع خلافاتنا السياسية والعرقية والدينية).
ويمضي الفريق السر الى القول ان التسوية التامة لمسألة جنوب البلاد بعد أن جربنا العيش مع بعضنا لفترة زمنية تزيد عن نصف قرن تقتضي أن نكون منفصلين! (إنهم يتطلعون للانفصال ويرون أن مصلحتهم في أن يكونوا دولة منفصلة عن الشمال، وواقع الحال يوحي أن أبناء الشمال والجنوب والمجتمع الدولي كلهم سيُرحبون بنتائج الاستفتاء والتي ستقودنا نحو الانفصال)، مشيرا الى ان لحظة إعلان خيار الانفصال ستكون قاسية على الجميع وبعدها سيعرف أبناء الجنوب ومن خلفهم الولايات المتحدة الأمريكية أى منقلبٍ سينقلبون. مؤكدا ان مصالح الجنوب بالشمال ستكون أقوى مما كانت عليه قبل الانفصال ولن تُحل مشاكل الدولة الوليدة إلا في الشمال، (وهذه حقيقة يجب الانتباه والتحضير لها جيداً).
ويتساءل عن (إلى أين سيذهب الجنوب في حالة الانفصال ؟) ويقول ان قيام دولة في الجنوب سيعرضها لحروب داخلية ولانقسامات سياسية بسبب الصراع القبلي المتجذر في الجنوب فالقبائل الاستوائية لا تقبل بحكم وسيطرة الدينكا ولها حدود وتداخل مع القبائل في يوغندا وكينيا وسيكون ارتباطها مع بطونها أقوى من علاقاتها بالدينكا. وفي أعالي النيل وبالأخص شرق النوير حيث ترتبط قبائل النوير والأنواك والمورلي مع بطونها في إثيوبيا، وفي بحر الغزال تختلف قبائل الدينكا مع قبائل غرب بحر الغزال وللأخيرة حدود مع أفريقيا الوسطى وجنوب دارفور. كل هذه القبائل مع اختلافاتها العرقية منها قبائل مسلحة مقاتلة من الدرجة الأولى، وقد يقود ذلك إلى ردة فعل عنيفة تُضعف قوى الدولة.
ويقرر الفريق السر ان عملية الانفصال ستمضي بدون اعتراض عليها كتجربة دولية شهدناها من قبل في الهند وباكستان وفي (تيمور) ويوغسلافيا وغيرها كثيراً. ولكن قد تؤدي عملية الانفصال خاصةً في الصدمة الأولى إلى قدر كبير من العنف والعداوات، وقد تحدث كارثة سياسية وإنسانية أكبر مما يشهده الجنوب حالياً، وقد يشتعل القتال في المناطق المتنازع عليها، وفي مناطق التداخل القبلي، ويقول ان الأمر الأشد خطورة هو أن تقود الى عملية تفكيك المجتمع من منطلق سياسي. منبها الى ان الانفصال يهدد الوحدة الوطنية للسودان ككل وربما يُغري أقاليم أخرى أو دول أخرى بالمطالبة بالمثل.
ويقول إن الولايات المتحدة الأمريكية هي العدو الأول للشمال وهي أكبر تهديد لأمنه وسوف تغدو أشد عداوة بعد الانفصال، قائلا انه من المهم أن نبدأ الآن في البحث عن حلول سياسية لمشكلاتنا المعلقة سواء أكان ذلك في التماسك السياسي الداخلي أو في أزمة دارفور أو في ترسيخ علاقاتنا مع الجارة الجديدة في الجنوب أو في علاقاتنا مع أمريكا، مشيرا الى ان أزمة دارفور ستظل تمثل نقطة الضعف الكبرى في أمننا الوطني ومن خلالها ستوزع ذرائع العداء ضدنا دولياً وإقليمياً حتى لا يستقر لنا حال من الأمن والاستقرار لمهام ما بعد الانفصال وحتى نقدم أقصى التنازلات تجاه وعود زائفة (ولا يُلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين) صدق رسول الله.
وحتى نتفرغ إلى مرحلة ما بعد الانفصال يقول الفريق السر ان علينا أن نحد من حركة وتدخلات واختراقات مناديب الدول والمنظمات الدولية والإقليمية ومن الوساطات الفارغة داعيا الى تذكر دور المفتشين في العراق.
ويتناول الفريق السر ما يسميه (طريق السلام الدائري) الذي صممته امريكا ويقول ان الولايات المتحدة صممت عملية السلام كبداية لتفكيك السودان، وكتجربة أولى وضعت لهذا الطريق مخرجان: الأول هو فكرة السودان الجديد والذي من المفترض أن يكتمل بناءه على مدى ست سنوات (الفترة الانتقالية)، وأخفقت أن تُخرج السودان هذا المخرج لنقص المعرفة وسوء التقديرات الإجرائية والزمنية، عندها سلكت طريقها نحو المخرج الثاني وهو مخرج الانفصال، وهي تعلم جيداً أن هذا المخرج محفوف بالعقبات والتحديات الجسام وولوجه قد يؤدي إلى سقوط تام. ويقول (لقد شهدنا تراجعها الحاد في العملية الانتخابية لذلك نتوقع ونضع في حساباتنا أن الولايات المتحدة الأمريكية قد ترتد عن هذا الطريق وتطلب التأجيل، تأجيل عملية الاستفتاء، وفي ذلك بلاءٌ شديد علينا لأنها سنستغل هذا الزمن لتوسيع (الاتفاق) على أمننا القومي). محذرا من ان عدم الإدراك المبكر والوعي الدقيق بكل أبعاد وأركان المخطط الأمريكي، قد يُضعف قدراتنا على الردع والدفاع، ويُعرضنا إلى صدمات إضافية (وهكذا نعجز حتى عن تقديم ردة الفعل الايجابي).
ويدعو الفريق السر لإستراتيجية امنية لمواجهة المهددات ويقول ان الموقف الراهن والمستقبلي قصير المدى والمتغيرات المتوقعة تتطلب إستراتيجية أمنية تتماشى مع واقعنا الجديد تتغير فيها المفاهيم والعناوين (والأهم هو الجاهزية والاستعداد لتنفيذ هذه الإستراتيجية).
قاعدة الكسب المشترك
في ورقته (أثر انفصال الجنوب على علاقات السودان الخارجية) يجيب الاستاذ بجامعة الخرطوم الدكتور صفوت فانوس على السؤال (هل سيغير إنفصال الجنوب ? فى حال وقوعه ? على المشهد العام الحالي لعلاقات السودان الخارجية؟)، ويقول ان الإجابة على هذا السؤال تعتمد إلى حد كبير على ما إذا كان إنفصال الجنوب سيكون سلمياً أم عنيفاً، مشيرا الى ان إحتمالات الإنفصال العدائي ستكون واردة إذا ما حدثت إتهامات متبادلة من قبل الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني بخصوص عدم قيام الإستفتاء حول حق تقرير المصير فى يناير 2011م أو إتهام كل طرف للطرف الآخر بتزوير الإستفتاء. مؤشرا الى ان التعقيدات التى تكتنف عملية الإستفتاء بالإضافة إلى عدم الثقة بين الشريكين وإلى المواقف المتعارضة من الشريكين حيال قضية الوحدة أو الإنفصال، ترجح إحتمالات أن يتم الإنفصال بشكل عدائي. (المؤتمر الوطني يريد ان يستمر السودان موحداً فى حين ان أغلب قيادات الحركة الشعبية تسعى لإنفصال الجنوب).
وبقول الدكتور فانوس انه إذا ماتم إنفصال الجنوب سلمياً وبتراضي الطرفين وتوافقهم حول إستحقاقات وترتيبات الإنفصال، فإن العالم الخارجي سيكون له موقف موحد حيال دعم قيام دولة جنوب السودان، وعليه لن تتاثر علاقات السودان الخارجية سلباً، بل وعلى العكس، قد يدفع الإنفصال السلمي الدول الغربية لرفع كل أو بعض العقوبات المفروضة على حكومة المؤتمر الوطني خاصة إذا ماتم حل مشكلة دارفور. أما فى حال تم الإنفصال بشكل عدائي وترتبت عليه مواجهات عسكرية، فإن هذا سيكون له إنعكاسات كبيرة على سياسة السودان الخارجيه.
ففي العلاقات مع إفريقيا سيشكل إنفصال جنوب السودان العدائي مؤشراً سالباً لإشكالية «البناء الوطني» فى شمال ووسط إفريقيا القائم على التعددية العرقية والدينيه والثقافية، ويقول ان الإنفصال العدائي لجنوب السودان سيقود إلى تعاطف وتأييد الجماعات غير العربية وغير الإسلامية لدولة الجنوب، فى حين ستدعم الجماعات العربية والإسلامية دولة الشمال. ولا يستبعد ان يمتد هذا الإنقسام داخل الدول الإفريقية نفسها مثل كينيا، يوغندا، اثيوبيا، نيجيريا، وتشاد، وتبدأ ظهور حركات تدعو إلى إنفصال الجماعات الإسلامية عن الجماعات المسيحية فى هذه البلاد مما سيخلق توتراً يمتد ليشمل عدد كبير من دول القارة الإفريقية، مرجحا ان تقود مثل هذه الاوضاع إلى تعميق أزمة العلاقات العربية ? الإفريقية ويعود السودان ليمثل نموذجاً سيئاً لفشل العرب والافارقة فى العيش المشترك، متوقعا ان تدعم الدول الافريقية دولة جنوب السودان على كافة المستويات السياسية والعسكرية والإقتصادية والدبلوماسية مما سيقود إلى تدهور علاقات السودان مع الدول الافريقية، مشيرا الى إحتمالات إنسحاب السودان من الإتحاد الإفريقي مما تترتب عليه المطالبة بإنهاء مهمة قوات الإتحاد الإفريقي فى دارفور وتحويل قوات اليونميد إلى قوات أممية فقط أو إنسحاب هذه القوات بالكامل.
اما العلاقات مع الدول الغربية فيتوقع فانوس ان تدعم الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الإمريكية لدولة جنوب السودان لعدة اسباب. أولاً، بسبب عداء هذه الدول لنظام الحكم فى الشمال بسبب توجهه الحضاري ومواقفه المعادية للسياسات الغربية فى المنطقة العربية والاسلامية. ثانياً، بسبب وجود جماعات الضغط (الصهيونية، اليمين المسيحي، الاصول الأفريقية) التى تتعاطف مع جنوب السودان والحركة الشعبية. ثالثاً، بسبب أطماع الشركات الغربية فى إستنزاف موارد الجنوب الطبيعية وعلى رأسها النفط. وأخيراً، بسبب نفوذ وسائل الإعلام الغربية التى ستدعم « تحرير المسيحين والافارقة من هيمنة وإستغلال العرب والمسلمين»، مشيرا الى ان هذه الصورة النمطية لاسباب الحرب الاهلية فى السودان فى الإعلام الغربي ستعود مرة أخرى أشد قوة وأعلى صوتاً. ويقول فانوس ان أكبر المتضررين من الإنفصال العدائي لجنوب السودان هي دول الصين وماليزيا والهند، التى لها إستثمارات ضخمة فى صناعة النفط فى السودان. متوقعا ان تسعى هذه الدول إلى تبني موقف محايد بين دولتي شمال وجنوب السودان حفاظاً على مصالحها الإقتصادية، وان تواصل هذه الدول مساندتها لشمال السودان على المستوي الدبلوماسي والسياسي. اما على المستوي الإقتصادي، فمن المرجح ان تتراجع إستثمارات هذه الدول فى السودان بسبب الإضطرابات السياسية والآمنية والتى قد تنتج عن الإنفصال العدائي.
اما العلاقات مع الدول العربية والإسلامية فيتوقع ان يجد شمال السودان دعماً وتأييداً من الرأي العام ووسائل الإعلام العربية والإسلامية بإعتبار ان الدوله الجديدة فى جنوب السودان ستكون دولة علمانية مدعومة من الدول والجماعات السياسية الغربية المعادية للعرب وللمسلمين.
ويقول فانوس ان الورقة تشير إلى أوضاع قاتمة وأثار سالبة على سياسة السودان الخارجية فى حال الإنفصال العدائي لجنوب السودان من باب التحوط لاسوأ الإحتمالات، داعيا الى ان يكون الإنفصال ? فى حالة وقوعه ? سلمياً، حتى لا يذكر التاريخ ان إتفاق نيفاشا لم يكن إتفاقاً للسلام الشامل، بل كان هدنة من القتال يستعد خلالها الطرفان للعودة للحرب مرة أخرى. مؤكدا ان إستدامة السلام والوصول إلى إنفصال سلمي يتحقق من خلال قناعة كافة النخب السياسية فى الشمال بإن زمن فرض الوحدة بالقوة قد ولى إلى غير رجعة وعليه لابد من إحترام إرادة شعب جنوب السودان فى قيام دولتة المستقلة، مشترطا التفاوض الشامل بين القوى السياسية فى الشمال والجنوب للوصول إلى إتفاق تراضي حول القضايا والترتيبات المطلوبة فى حال الإنفصال والتى ورد ذكرها فى المادة (.67.2.3) من قانون إستفتاء جنوب السودان وهي، الجنسية، العملة، الخدمة العامة، وضع الوحدات المشتركة المدمجة والآمن الوطني والمخابرات، الإتفاقيات والمعاهدات الدولية، الأصول والديون، حقول النفط وإنتاجه وترحيله وتصديره، العقود والبيئة فى حقول النفط، المياه، حقوق الملكية.
ويشدد فانوس على ضرورة التفاوض حول هذه القضايا من منطلق (قاعدة الكسب المشترك)، أي ان يحصل كل طرف على قدر من المكاسب كما يتحمل جزءً من الخسائر، منبهاً الى ان فترة الستة أشهر من يناير إلى يوليو 2011م قد لا تكون كافية للوصول لإتفاقات للقضايا المشار إليها، مقترحاً ان تمتد فترة الستة أشهر إلى عام أو عامين يتم خلالها ترتيب وتوفيق أوضاع العلاقة بين الدولتين الجارتين.
ويخلص فانوس الى ان خيار الإنفصال السلس هو الخيار الوحيد لإستقرار الاوضاع فى السودان وفى المنطقة باكملها، مؤكدا ان الإنفصال العنيف يعني عودة الحرب، والتشرد والنزوح لاعداد كبيرة من المواطنين خاصة على الحدود بين الشمال والجنوب وهى منطقة ماهُولة بالسكان، مشددا على ان إنتشار العنف والفوضى داخل الشمال وداخل الجنوب يعني أزمة إقتصادية تتمثل فى هروب روؤس الأموال وتراجع الناتج القومي وتدهور قيمة العملة السودانية، وأخيراً، زيادة حجم التدخل الاجنبي ? المباشر وغير المباشر ? والفقدان الكامل للسيادة الوطنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.