يبدو ان همة الشريكين في أحسن حالاتها للعمل المشترك، فما ان انفضت اجتماعاتهما الأخيرة وعاد كل وفد الى قواعده حتى بان للناس ان هناك ما تم الاتفاق عليه، والعنوان الأبرز للاتفاق هو تهدئة الأوضاع الى اقصى حد والعمل في صمت وبجدية. وللاتفاقيات من هذا النوع تاريخ، أي الاتفاقات التي تسبقها زيارة لنائب رئيس الجمهورية لعاصمة الجنوب لا تعود الأمور كما كانت عليه، ومن نماذج ذلك، الزيارة الخاطفة في مارس من العام الماضي والتي استمرت لثلاث ساعات اجتمع فيها على عثمان بالفريق سلفا كير قبل صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية وجرى فيها توحيد الموقف بين الشريكين تجاه المحكمة الجنائية الدولية للدرجة التي باتت فيها الحركة الشعبية على المستوى الرسمي تتجاهل المحكمة ولكأنها من هوان الفقد ما وجدت، ولم يشذ عن هذا الموقف حتى اشد القيادات عداوة للمؤتمر الوطني. ومن نماذجها ايضاً، زيارة نائب الرئيس لجوبا في العشرين من ابريل الماضي بعيد الانتخابات وقبيل اعلان النتيجة النهائية لها، التي راج بعدها حديث عن تجاوز نتيجة الانتخابات أو الاتفاق عليها ومن ثم الاتفاق الكامل على تكوين الحكومة المركزية، حيث صرح على عثمان في خواتيمها بمطار جوبا بأن اللقاء مع النائب الأول سلفاكير كان ناجحاً جداً، مشيراً إلى أنها كانت في إطار تفاهمات الشريكين. أما الآن، وفي الزيارة الأخيرة التي استغرقت سبع ساعات من نهار الخميس الماضي، يبدو ان الاتفاق أخذ شكلا مختلفا، فقد كان عربونه الابتدائي توقيع عقود لتنفيذ مشروعات بقيمة مائتي مليون دولار تسهم فيها الحكومة الاتحادية بنسبة 89% فيما تسهم حكومة الجنوب بنسبة 11%، بينما تساهم الولايات المنتجة للبترول بنسب مقدرة، ومع وجود هذه النسبة العالية لمساهمة المركز تقرأ الشمال، ورغم الحديث عن تفعيل صندوق دعم الوحدة وانتقاله الى محور البرامج والمشروعات بعد الانتهاء من إعداد الدراسات الفنية لإقامة مشروعات التنمية في المناطق التي تأثرت بالحرب لتنفيذ واستكمال مستحقات السلام حتى نهاية الفترة الانتقالية. رغم هذه وهذا، الا بعض المراقبين يشير الى صفقة جرت في الخفاء، وتم التأمين عليها بيقين كامل من الطرفين، ولكن التكهنات حول هذه الصفقة ذهبت في اتجاهين متضادين، فهناك من يقول انها من أجل انفاذ وحدة جاذبة يتم دفع استحقاقتها فورا وفي ما تبقى من وقت، ومن يقول ان الاتفاق كان على تجنب انفصال صدامي مهما استدعى ذلك من تنازلات يقع عبئها الأكبر على الحكومة المركزية. اصحاب الرأي الأول يدعمون حججهم بالقول ان من الممكن اللحاق بالوحدة، فقط الأمر يتطلب بذل مزيد من الجهود، ففي حوار اجريته معه قبل ثلاثة اسابيع يقول مدير مركز السودان للبحوث والدراسات الاستراتيجية الدكتور خالد حسين ان ادراك الوحدة غير مستحيل ولكنه يحتاج لجهود خارقة ذهنية وفكرية ومادية واجتماعية، ويحدد حسين مطلوبات هذه المرحلة وعلى رأسها انه غير مطلوب من الحركة اي تنازل وعلى أي مستوى والتنازل مطلوب من المؤتمر الوطني بسبب انه مسؤول بعد التفويض الانتخابي الأخير عن وحدة البلد وثانيا بسبب ان كل الموارد المالية في يد الوطني، مشددا على ان المرجعية في كل شئ قبل تقديم التنازلات برنامج للوحدة يقره الجميع. ومن جهته يقر الامام الصادق المهدي بامكانية الوحدة ولكن عبر طريق ثالث ويقول في حوار اجريته معه في يونيو المنصرم انهم يطرحون مشروع وحدة عادلة فيها المعاني الآتية: اولا، تأكيد قاطع ان الدولة هي دولة مدنية ودولة مواطنة لا نطلق عليها اي الفاظ او القاب اخرى. ثانيا، ان هناك حرية دينية وتعددية ثقافية تحترم. ثالثا، انه مهما طبقنا من احكام او قوانين فالقوانين المراد لها ان تكون عامة للسودان يجب ان تخلو من اي محتوى ديني والتي فيها محتوى ديني تكون مخصصة لاتباع ذلك الدين. رابعا، ان نقول »نسبة لظروف التنمية« بترول الجنوب للجنوب. خامسا، نقول ايضا العاصمة القومية يجب ان تعامل كعاصمة قومية ولا تكون كأنها جزء من الشمال. سادسا، بالنسبة لمشاكل الماضي كلها ومرارات الماضي ان تكون هناك آلية حقانية متقف عليها لكشف الحقائق والانصاف. بينما الرأي الثاني يدعمه ذووه بحيثيات فحواها: أولا، وقوف الامريكان مع انفصال سلس طالما تحدث عنه المبعوث الامريكي سكوت غرايشن. وثانيا، تدعمه قرائن الأحوال وتصريحات متواترة لقياديين في الحركة الشعبية، وثالثا عدم قدرة الشريكين على ادارة ما انقضى من المرحلة الانتقالية بما يحقق الوحدة المرجوة، وبالتالي هما غير قادرين على ادارة ما تبقى من زمنها، ويعبر الامام الصادق المهدي عن ذلك بالقول (اذا ترك ملف مستقبل العلاقة بين الشمال والجنوب للمؤتمر الوطني »الله قال بي قولنا« او »واطاتنا اصبحت«، لماذا؟ لان المؤتمر الوطني في ست سنوات خلق بينه وبين الحركة الشعبية ما صنع الحداد، عداء،) ويقول (غالبا عندما يصوت الجنوبي في الاستفتاء سيصوت لعلاقته بالمؤتمر الوطني مش للوحدة او الانفصال وستكون الفكرة تحديد موقف من المؤتمر الوطني) مشيرا الى ان الحال ينطبق على الحركة الشعبية واشاعتها لغة ستخلق انفصالا عدائيا. وفي منتدى السفير جمال محمد أحمد الذي أعدته وزارة الخارجية منتصف يونيو الماضي، يقول البروفيسور حسين أبوصالح: إن هناك إصراراً شديداً من شركاء الحكم على إقامة الاستفتاء في مواعيده بجانب دول أخرى في مقدمتها أمريكا، مشيرا الى انه إذا تم في الظروف الراهنة سيؤدي لانفصال الجنوب، وربما إلى عنف و انهيار، ويقول ( المشكلة الأساسية التي وصل فيها الناس لحل بتوقيع اتفاق سلام هي ان يدار السودان بنظامين وكان يفترض تطوير هذه الصيغة وهذا لم يتحقق). اذن ربما يكون الاتفاق جرى على تحقيق انفصال سلس، وما علامات التهدئة التي بانت الا أول خطوة في طريق شاق يعرفه العالمون ببواطن الأمور ودارسيها، حيث يشير مراقبون الى ان مطلوبات هذا الخيار ليست سهلة كما يتوقعها البعض، منبهين الى ان الرئيس البشير كان قد تحدث منذ وقت مبكر عن انفصال بسلام وكونه افضل من وحدة مع وجود حرب، وفي هذا يقول الاستاذ بجامعة الخرطوم الدكتور صفوت فانوس في ورقة قدمها في ندوة (حق تقرير المصير لجنوب السودان بين الحق والواجب) الاسبوع قبل الماضي، بان إستدامة السلام والوصول إلى إنفصال سلمي يتحقق من خلال قناعة كافة النخب السياسية فى الشمال بإن زمن فرض الوحدة بالقوة قد ولى إلى غير رجعة ويقول (لابد من إحترام إرادة شعب جنوب السودان فى قيام دولتة المستقلة)، مشترطا التفاوض الشامل بين القوى السياسية فى الشمال والجنوب للوصول إلى إتفاق تراضي حول القضايا والترتيبات المطلوبة فى حال الإنفصال والتى ورد ذكرها فى المادة (.67.2.3) من قانون إستفتاء جنوب السودان وهي، الجنسية، العملة، الخدمة العامة، وضع الوحدات المشتركة المدمجة والأمن الوطني والمخابرات، الإتفاقيات والمعاهدات الدولية، الأصول والديون، حقول النفط وإنتاجه وترحيله وتصديره، العقود والبيئة فى حقول النفط، المياه، حقوق الملكية. ويشدد فانوس على ضرورة التفاوض حول هذه القضايا من منطلق (قاعدة الكسب المشترك)، أي ان يحصل كل طرف على قدر من المكاسب كما يتحمل جزءً من الخسائر، منبهاً الى ان فترة الستة أشهر من يناير إلى يوليو 2011م قد لا تكون كافية للوصول لإتفاقات للقضايا المشار إليها، مقترحاً ان تمتد فترة الستة أشهر إلى عام أو عامين يتم خلالها ترتيب وتوفيق أوضاع العلاقة بين الدولتين الجارتين. ويخلص فانوس الى ان خيار الإنفصال السلس هو الخيار الوحيد لإستقرار الاوضاع فى السودان وفى المنطقة باكملها، مؤكدا ان الإنفصال العنيف يعني عودة الحرب، والتشرد والنزوح لاعداد كبيرة من المواطنين خاصة على الحدود بين الشمال والجنوب وهى منطقة ماهُولة بالسكان، مشددا على ان إنتشار العنف والفوضى داخل الشمال وداخل الجنوب يعني أزمة إقتصادية تتمثل فى هروب روؤس الأموال وتراجع الناتج القومي وتدهور قيمة العملة السودانية، وأخيراً، زيادة حجم التدخل الاجنبي ? المباشر وغير المباشر ? والفقدان الكامل للسيادة الوطنية. ومع كل، وسواء رجح الشريكان خيارا على آخر، وشرعا في التنفيذ، يبدو ان اهم ما تم الاتفاق عليه هو التأكيد على اجراء الاستفتاء في مواعيده، والقبول بنتائجه، حيث كان علي عثمان قال عقب زيارته لجوبا إن الشريكين اتفقا على العمل على تنفيذ جميع بنود اتفاق السلام وتسهيل الطريق للوصول إلى للاستفتاء وقال « اتفقنا على تنفيذ جميع ما تبقى من اتفاق السلام الشامل حتى نصل إلى الاستفتاء وأن نجري استفتاء نزيهاً وحقيقياً يعبر عن تطلعات شعب جنوب السودان.