مدير الإدارة العامة للمرور يوجه باستمرار تفويج البصات السفرية يومياً للحد من الحوادث المرورية    لحظة فارقة    «غوغل» توقف تطبيق بودكاستس 23 يونيو    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    حزب الأمة القومي: يجب الإسراع في تنفيذ ما اتفق عليه بين كباشي والحلو    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    الفنانة نانسي عجاج صاحبة المبادئ سقطت في تناقض أخلاقي فظيع    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    جبريل ومناوي واردول في القاهرة    وزيرالخارجية يقدم خطاب السودان امام مؤتمر القمة الإسلامية ببانجول    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المصري سبل تمتين علاقات البلدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعليق علي السلطوية المركزية لترشيحات حزب الأمة القومي
ثنائية الشاويش والدرويش
نشر في الصحافة يوم 13 - 02 - 2010

انفعلت احدى السيدات اللائي حضرن الجرتك « جرتك العروس» بالرقصات واللبسات الي حد الانبهار فقالت، هكذا ودونما أدني استشعار لواقع التحول الاجتماعي «كونها حبوبة» والجسدي «اذ لم يتبق من الهيكل الا َّ ظله ومن الشكل الاَّ مثله» « أنا قررت أرجع وأرقص رقيص العروس من جديد.» لم تدم هذه البحبوحة المعنوية طويلاً، فقد استيقظت علي قهقهة الصحبات. وقبل أن تجرؤ علي استفسارهن قلن لها «وماذا ستفعلين في أبو فلان؟» فاستفاقت ولم تألو وذلك جزاء المتنكرين. ونحن نقول ماذا سيفعل السيد «الامام» في ارثه المترع بالفشل وقد أعلن ترشحه علي استحياء أمام مجموعة من الوجهاء الخرطوميين والوجيهات؟ أي نصح يملك أن يقدمه هؤلاء وقد لبوَّا الدعوة من باب اللياقة والأدب وليس من دافع المرافعة والكسب؟ أم أنه أغفل واقع التحدي الميداني فاستحال الي نجم اعلامي؟ أي رجح يرجوه زعيما تصدعت الارض من تحت قدميه حتي بات كالراقص بلا ساق؟ هل مازال متوهماً أن الاشكاليات التي أثيرت بشأن المؤتمر السابع لم تكن الاَّ «زوبعة في فنجان» او كما قال؟ علماً بأن اللجنة التي كونت رغم قسمتها الضيزي »التيار العام/جناح «الامام»: 2/6« قد فشلت مرتين في تقريب الشقة ناهيك أن تكون قد أفلحت في حل الاشكاليات حلاً مبدئياً يمهد لتقنين مبدأ المؤسسية ويُفسح المجال لمنهجية تكون هي الديدن في حل المشاكل المستقبلية بعيداً عن الغوغائية، الالتوائية والطبطبة شبه الأبوية».
«1»
لقد كان المقصود من محاولات التسويف، الاستعباط وأفانين التنقل الانتقائي بين دستوري 2003 و 2009م كسب الوقت حتي تتمكن مجموعة «الامام» من ملء القوائم ومن ثم اضاعة الفرصة في الترشيحات للتيار العام. استدركت جماعة التيار العام هذه المكيدة فأودعت طعنها في مؤسسات الحزب لدي مجلس الأحزاب، الذي تعامل معها بمهنية لا تخلو من روح سودانية تُفَضِل - قدر الامكان- حل الامور بالحُسني، اذ قد طلب منها السيد «الامام» اعطائه فرصة للتوصل الي حل مُرضي. الغريب في الأمر أن مفهوم «الحل المرضي» قد شمل المساومة، الابتزاز او التهديد المباشر، كل شئ غير الآلية ولا حتي الموضوعية التي تؤطر لحل المشاكل ، تفاقمت علي أسس حضرية. لم يزل هذا الأمر مُستمراً حتي تلبسنا بعنجهية الروايعية التي تقول «ياتشربي يا أكسر قرنكي!»
كل هذا يحدث في طائفة لم يعرف عنها حتي حين التدني الي درك التنافس الدنيوي القح ومع جماعة كانت الأكثر التزاماً بموجهاته كراعِ «بل هي حتي الأن لم تزل محترفة بقوامته». هل فعل «الامام» ما من شأنه أن يحافظ علي اللُحمة القومية، الرابطة الدينية والنفرة الجهادية أم أنه أثر العاجلة فقرر الرقص علي أنغام الاستبداد، الشمولية والنرجسية؟ ان أناساً كانوا علي مستوي التضحية بأرواحهم يكتبون اليوم غرافيت علي الحائط ينددون بامامهم «الامام سليط لسان قليل احسان» وغيرها من العبارات التي لا تليق وشأو الائمة «ان يك وأحداً منهم» الذين امتدحهم الله في كتابه بقوله «وجعلهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا اليهم فعل الخيرات واقام الصلاة وكانوا لنا عابدين». هل لأنهم جهلوا قدره، أم أنهم أحسوا استخفافاً منه بأقدارهم؟ كيف استحالت قلعة الصمود والوطنية الي مغارة للسماسرة، البهلونات وأشباه الجنرالات؟ أبمثل هؤلاء يريد «الامام» اصلاح ما تهدم من بنيان؟ أخاله يتخير «الأخلاء»، وقد كان السيد عبدالرحمن ينتقي النجباء: المحجوب، ابراهيم أحمد، نقدالله، امين التوم، عبدالله خليل الي آخره. لمصلحة من يتم تشويه الشخصية الانصارية التي عُرفت بالزهد، التُقي، التجرد، الورع والصدق؟
ان الخصائص التي يرفضها «الامام»: الآنفة، الكبرياء، العِزة، الي آخره، هي ذات الخصائص التي هيأت لقيام المهدية، والاَّ لكنا في انتظارها حتي اليوم، وقد أدركها أناس بعد انتصارها «هم الوحيدون ودون استغراب يتم تصدير النواب اليهم»؟ ولينظر «الامام» من اي الابواب تؤتي قلعة الصمود. كيف تتنزل المُثل الي هذا الدرك وقد كان حرئُّ بها أن تترفع الي أفق بهي؟ هل يكتفي «الامام» بالاحتفاء بالليبرالية ولا يعمل علي تفعيلها؟ أم أنه اكتفي منها باليسير: النجومية، الزخرفية والاحتفال بأعياد الميلاد؟ أي حمد يرجوه رجل يجهز علي ارثه بهذه الطريقة؟
«2»
لا أعجب من مثقفين يحتفلون بعيد ميلاد «الامام» فسنوية الميلاد امر يستحق التبجيل، لكني أعجب من قناعتهم بموافقة هذا التاريخ لميلاد عيسي بن مريم، لقد زعموا أن تاريخ ميلاد «الامام» قد وافق ميلاد عيسي بن مريم. ماذا لو علموا أن ميلاد المسيح هو في 12/7؟ «راجع محمد في الانجيل، قيس الكلبي». بمعني أنهم يضفون قدسية علي العمل العام، اذ يوقنون بدلالات ميتافزيقية ماورائية لمولد شخص معين. لنا أن نتساءل كيف يتظاهر أناس بالليبرالية ويتحصنون بقلعة التقليدانية؟ أمنَّ سوء فهم لليبرالية التي أجلَّ ما تقيم الحرية الفردية، أم برغماتية الجأتهم اليها مجتمعاتهم التي تُعاني من حالة احتقان أُبأس تجلياته النفاق؟ متي كان هؤلاء يؤمنون بالقوامة الدينية أصلاً حتي يؤمنوا بالامامية. أغلب ظني أنهم يندهون هُبل «يطلبونه في الشدائد» ليست قناعة به ولكن رب اله يفي بحاجاتهم النفسية أدعي من أخر يؤرقهم، اذ يطالبهم مغالبة الازدواجية الأخلاقية التي يعيشونها للامتثال بقيم طالما طالبوا الأخرين الامتثال بها: - ألاَّ تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان. انهم، أي نخب المركز، تخشي أشد ما تخشي زحف قوي الريف السوداني ولذا فقد آثرت الاصطفاف الطائفي علي المد الشعبي الذي سيكونون أول ضحاياه لأن الطوفان يقضي أول ما يقضي علي الغثاء. انهم يتملقونه لذات الأسباب التي يظن القارئ أنهم سيمقتونه من أجلها -- التنكب علي القيم المؤسسية والاستهزاء بالمرجعيات الدستورية.
ليت شوقي كان حيَّا فينشد:
والعلمانيون أنت أمامهم
لولاء دعاء القوم والغلواء
أنصفت أهل الجهالة من أهل النُهي
فالكل في حق الحياة سواء
«3»
بالرغم عن أنني غير مؤمن بجدوي الانتخابات، اذ أننا نعيش محنة انسانية لا يمكن تجاوزها لعقد صفقة سياسية الاَّ من خلال اصلاحات مؤسسية وبنيوية، الاَّ أنني سأتخذها مثالاً لابراز عجز النخبة وافلاسها الأخلاقي «كمشكل سلوكي» وتبيان أن هنالك خللا بنيويا في قانون الانتخابات «الذي وصفه واحدُُ من حكماء السياسة السودانية، د. الطيب زين العابدين بأنه أفضل قانون للانتخابات اذ جمع بين النسبية والجغرافية» «صحيفة الصحافة - العدد 5946». لو أن غيرك قالها يا أبا سوسن!
أ-. ان هذا القانون لم يُصمم وفق رؤي فلسفية، ناهيك عن أن تكون هنالك منهجية، انما الكيد المُستبطن/ المُعلن للالتفاف حول ارادة الريف السوداني. كل السودان يتنافس علي «60%» «وهم» قد ضمنوا مقاعدهم في النسبة النسوية «25%» والعامة «15%» «علماً بأن النسبية هي وسيلة من وسائل التمثيل الايجابي الذي من المفترض أن تستفيد منه النسوة اللائي عانين تاريخياً من ظروف التهميش الاقتصادي والاقصاء السياسي - الاجتماعي». لقد حسمت النتيجة سلفاً لصالح المركز والاَّ فمن يحدد الترتيب في القائمة، وعلي أي أسس يُبني؟ ان الوزيرة الجديرة والباحثة المقتدرة، السيدة/ حياة يحي المهدي، تدرج رقم 10، في حين أن السيدة/ رباح الصادق تدرج رقم 3 في القائمة النسوية علماً بأن الاخيرة ليس لها بلاء ولا عطاء انما انتماء للمكتب السياسي الذي ولجت اليه من كلية «الامام» أو كلية المبدعين «لا ندري كم عدد المبدعين في حزب الأمة، انما الغلبة للمجاهدين الذين أتوا في الهجرتين من غرب السودان، هؤلاء يتم استدعاؤهم في الضراء ويؤثر غيرهم في السراء». ان ظروف الأستاذة/ سارة نقد الله المهنية منعتها في الأغلب من الترشح لكنها رشحت شقيقتها السيدة/ فاطمة عبدالله عبدالرحمن نقدالله ، والاَّ لكانت في المرتبة الرابعة، فكيف تفهم محاولات الاحلال والابدال بسيدات مغتربات وفي الوطن من هنَّ مُصطفات، صابرات ومرابطات؟
ان تميز البروفسير/ الشيخ محجوب جعفر الأخلاقي والمهني يؤهله لأن يكون علي رأس القائمة «فقد أُدرج رقم 1»، لكن بلاءه السياسي يتقاصر به قليلاً «اذ أنه يتغيب فترات التمحيص ويظهر في لحظات الانفراج». أمَّا اذا أعتمد السجل الانتخابي فهو حتماً سيتراجع لأنه كان الأخير «رقم 20» الذي أغلق الباب بعده في منحي السباق للمكتب السياسي السابق. المُلاحظ أن القائمة القومية تقدم من تقدم فيها بحكم قرابته من «الامام» وقد كان من المفترض ان يدرج فيها أيضاً أصحاب التميز العلمي، والتفرد الفكري من ابناء الانصار ومناضلي حزب الأمة. أين ابراهيم البدوي، التجاني سيسه، بشير عمر، حامد البشير، الصادق أبو نفيسه اذا سلمنا بضرورة استبعاد «المشاغبين»؟ من يكون عبدالرحمن الغالي هذا بالنسبة لهؤلاء حتي يُدرج رقم 2 في القائمة القومية؟ ان من كان حظه في هذا الحزب «طار» يتطاول علي من سَعِيتُهم في القدم رجال. فاللهم نسأل الصبر والسلوان.
ب-. في غياب المؤسسية، كون القوائم حزبية لايعني الجماهيرية أو الشعوبية انما الاصطفائية المركزية «واذا شئت السلطوية». ذلك أن القوائم تُحدد اتحادياً. واذ ذاك هو الحل فهل النخبة النسوية قيمة علي شرائح المجتمع بأسره؟ تحت أي سقف يمكن أن تتبلور هذه الرؤي؟ هل هذه جماعة ضغط ام مجموعة معنية بتصميم سياسات، تنفيذها ومتابعتها؟.
ج. استبعاد المستقلات من القوائم فيه احتكار، والزام الناخبين بالتصويت الأحادي «تِك علي القائمة وليست علي الأفراد»، كما فيه ابتسار لمفهوم التمثيلية. قد يحتج المرء بالتفعيلية «قضايا المرأة لا تنعزل عن قضايا المجتمع»، كيف اذن أصبحت القائمة منفصلة؟ كيف تسمي نسبية اذ هي مغلقة؟ لماذا لا نفسح المجال للناخبين للاختيار ما بين المرشحين/المرشحات؟ علماً بأنه ليس هنالك حزب له تصور عن امكانية النهوض بالمرأة، ولذا فالكل يعول علي الأشخاص، خاصة أن النساء صاحبات المشاريع الفكرية الحقيقية غير منظمات سياسياً مما يخلق اشكالية في ملء المقاعد «ليست لأنهن غير مقتدرات بل لانهن مُغَيَّبات» واقحامهن بطريقة توفيقية/تلفيقية يكون فيه تضحية بالموضوعية. ان تأرجح المثقفة وازدواجيتها تجعلها تتهيب الخوض في ميدان التنوير الذي لا يمكن أن يكون شأناً ديوانياً. فهل النسوة اللائي ضُمَّن ضُمَّن لحرصهن علي قضايا المرأة أم اذعانهن للنظام البطريقي الذي استبقي المرأة في خانة المتاع؟
«4»
بعد أن تعرضنا للخلل البنيوي فيلزمنا أن نتعرض للشائهة المسلكية والتي يمثل حزب الأمة القومي احدي تمثلاتها. لم يجد مجلس الأحزاب بدًا من اعطاء قيادة حزب الأمة «جناح الامام» اجلا محددا في الرد علي مذكرة الطعن بعد أن كثرت المماطلة ونفد صبر التيار العام مما جعله يستحث الجهات الرسمية التي تعاملت معه بمهنية عالية واحترافية أشبه باحترافية الجيل الأول من كوادر الخدمة المدنية. سنحت فرصة لقيادة الحزب في هذه الأثناء لاستخدام لجنة الانتخابات المركزية في ممارسة الضغط علي المكاتب الولائية وذلك بالحصول علي اعتماد انتخابي مقابل احتراف العضو بالمؤسسة المطعون في شرعيتها والتعهد بسحب التوقيع الذي أسنده ثمانية وعشرون شخصاً لدي سجل الأحزاب. وهذا في حد ذاته خرق، ليس فقط لدستور الحزب، لكنه أيضاً استهزاء بقواعد اللعبة العامة وتندر بقانون الانتخابات الذي يمنح فرصة التقاضي للخصمين حتي من داخل الحزب الواحد. ثانياً، ان محاولات الابتزاز هذه تُعتبر سابقة ومسلك غير سليم تنتهجه قيادة الحزب وقد كان الأحري أن تشجع كافة المنتمين التمسك بالقيمة الحضارية في فض النزاعات الفردية والجماعية. «انظر حالنا وحال الأمريكان الذين أرغموا رئيساً لهم، ريتشارد نيكسون، بالاستقالة لمجرد اتهامهم له بمحاولة التدخل للتأثير في مجريات العدالة».
ان رجالات حزب الأمة الذين قدموا اليه من الباب، شيدوا بنيانه بأموالهم وعززوا عرموصة بدمائهم لم يساوموا في أعز من ذلك، بل آثروا الصبر علي البلواء، فما الذي أغري بهم الأمين العام حتي ظن أنهم يساومون علي مبادئهم مقابل دوائر انتخابية ارتسمت تضاريسها منهجاً في وجدانهم قبل أن تستحيل الي حدود في خارطة جغرافية. ان تصرف قيادات المكاتب السياسية الولائية أكبر دليل علي أن قلعة الصمود تظل صامدة رغم اجتياحها بالخفافيش، القنافذ والجرذان. ولنأخذ الأمثلة الآتية: -
ولاية النيل الأبيض: رغم اختيار المكتب السياسي السابق له بالاجماع، رفض مولانا/ حامد محمد حامد أن يعطي هذه المؤسسات الباطلة حق التفضل عليه برمز استقر بمنحنياته في سويداء قلبه قبل أن يستحيل الي رسم ينقشه الفنانون ويتاجر به المنافقون. أنظر لرجال مثل مولانا/ حامد محمد حامد «الحائز علي أعلي أصوات في انتخابات 3002م ورئيس المكتب السياسي السابق»، بذلوا شبابهم وشيبتهم في خدمة هذا الحزب يجدون أنفسهم مُضطرين للترشح مُستقلين لأن «الامام» قد استخدم «وضع اليد» لاقصائهم لا لشئ الاَّ لانهم قالوا لا، لا لن نورث، واذا ورثنا فلن يورث أبناؤنا. فقد مضي عهد الانقياد الأعمي والاذعان المطلق. ان العقل الانساني قد تروحن واذا لم، فقد تعلمن. وفي الحالتين فلن يتخذ شخصاً مرشداً له الاَّ وهو علي مستوي عال من النقاء الروحي أو النفاذ الفكري. الحقيقة التي يجب أن يدركها كافة المُرشحين أن 80% من الناخبين أعمارهم دون الأربعين. فليكونوا مستعدين للتعامل معهم بأساليب غير التي اعتمدوا من قبل. وليذهبوا فليجربوا شعاراتهم القديمة وليروا اذا لم يُرجموا بالحجارة، وليركزوا اذا لم يُلجموا بالعبارة.
شمال كردفان: واذ أحس المكتب السياسي استهدافاً لرموزه ومحاولة لاقصائهم قسرياً، فقد اختاروا المناضل الجسور بكري عديل مُرشحهم لمنصب الوالي. اعتبر المركز هذا الاختيار تحدياً له لأن بكري عديل يُعد من المناؤيين الذين يصرحون دوماً بقناعتهم في أن رئيس الحزب هو أكبر عائق للمؤسسية والتقدمية، وأن أي محاولة للالتفاف حول هذه الحقيقة تُعتبر هدراً للطاقة واضاعة للوقت. حاول «الامام» في لقاء خاص اثناء المرشح عن عزمته، فتمسك الأخير مُحترماً رغبة الجماهير. مما دفع الأول لاستخدام ا-ڤيتو ورشح مولانا/ محمد المهدي حسن مكانه «وليشرب أهل الولاية من أي الرهود شاءوا!!».
ولاية الشمالية: اختارت مؤسسات الحزب الشرعية السيد/ عبدالله الزبير الملك، رئيس الحزب في الولاية، مُرشحاً لمنصب الوالي. رفض المركز اعتماده، واعتمد مكانه السيد/ عبدالحميد فضل، مغترب لأكثر من ثلاثين عاماً بالسعودية، بحجة أن الأول غير ملتزم بمؤسسات الحزب الحالية، فقرر الملك أن يترشح مستقلاً. أنظر، أبن الملك الزبير، أحد المؤسسين الخمسة والممولين للحزب قبل أن يتعرف قادته علي الجيوب الأجنبية، يترشح مُستقلاً. فأيُّ مستقبل يُرجي لحزب يتعمد تهديم ركائزه يهذه الطريقة؟ «أي حزب يقبل وشاية المخبرين في المناضلين؟».
جنوب كردفان: احتدم التنافس قاعدياً بين السيد/ الظاهر خليل «رئيس المكتب السياسي في ولاية الخرطوم» والسيد/ حبيب سرنوب «مغترب أكثر من عشرين عاماً» فحاز الأول علي 24 صوتاً، وحاز الأخر علي صوتين. طلب المركز من الظاهر التنازل فأكد الأخير التزامه بقرارات الولاية ورفض التنازل. لله درهم هؤلاء الرجال الذين يرفضوا الاستكانة والخنوع ولو أن تُصاغ لهم في شكل لقمة روحية وجلسة مع «سيدي الامام!» باعتذاره، أخرج حبيب سرنوب الجميع من هذا الحرج فلم يجد المركز بُداً من اعتماد الظاهر في القائمة التي أُسندت لدي المفوضية. لكن المجموعة أياها نكصت علي عقبيها، اذ صعب عليها تحمل أحد أهم قادة «التيار العام» في قائمتها فقررت التقدم بعريضة لازالته وأخرين هما يحي ساتي وزين العابدين قادم بعد قفل باب الترشيح، مما يعني ضياع الولاية علي حزب الأمة بشقيه. أي غصة هذه التي تجعل القائد يضحي بالجهاز الاداري «الذي قُيض له الفوز في الانتخابات السابقة وبغيابه سيكون الفشل حتماً حليفه» لينقض علي مجموعة، جُل جُرمها أنها عملت علي تصويبه في شأن اجرائي؟ أي محنة هذه التي نحن فيها؟ أي فتنة هذه بالله عليكم؟ صدق خلف الأحمر اذ أنشد:
لنا صَاحبُ مُولَعُ بالخلافْ كَثيرُ الخطاء قَلِيلُ الصَّوُابْ
ألَجَّ لجاجاً مِن الخُنْفُسَاءْ وَأزْهي اذَا ما مَشَي مِنْ غُرَابْ
«شرح ديوان أبي الطيب المتنبئ «ص11»- لأبي البقاء العكبري»
جنوب دارفور: تقدم المكتب السياسي الولائي باسم المهندس/ حسين ابراهيم صالح مُرشحاً لمنصب الوالي فاعتمده المركز شريطة أن يعترف بشرعية المؤسسات القائمة. اعتذر حسين ابراهيم صالح وقرر خوض الانتخابات مُستقلاً اذا ما أصر الحزب علي موقفه. استدعته الرئاسة وهيئت له شرف اللقاء بالرئيس «الذي هو رئيس أو «امام» حسب ما تدعيه الضرورة ويقتضيه الموقف» الذي طالبه بالتنازل لرجل يَفْضُله من الناحية المالية هو السيد/ مهدي موسي صالح. قد يبطل عجب القارئ اذا علم أن الأخير هو صهر العقيد/ صديق محمد اسماعيل الذي ما زال يعتمده «الامام» أميناً عاما ًللحزب. وأنا أتساءل هل كان المحجوب وأمين التوم يقومان بدور الياور أو الملازم فيفتحان الطريق للامام؟ ان لم يكن أحدهما ملكاً فليتصرف كالملوك «هكذا تقول الحكمة البريطانية»! هكذا تقول الحكمة البريطانية. اذن فالأمين العام يفضل القرابة الرحمية علي تلكم الروحية لأنه يديرها كشأن عائلي وليست كمرفق عام يتمايز الناس فيه علي قدر تفاوتهم في الملكات والمؤهلات. وسؤالي: متي كان الأنصار يتفاضلون بالمال وهم من ازدروا الدنيا حتي فاتوها ولم تفتهم «اذ لم يكونوا يوماً حريصين عليها»؟ أبمِثل هذه القَيم السالبة يريد «الامام» وحاشيته أن يُنشئوا الناشئة؟ اذن، ما الفرق بينهم وبين الامبريالية الاسلامية والطائفة الماسونية التي تحكم البلاد وتتحكم في مصائر العباد؟.
شمال دارفور: أجري المكتب السياسي تصويتاً نال فيه رئيس المكتب السياسي، د. بيطري/ محمد أدم عبدالكريم 90 صوتاً، مقابل 16 صوتاً لاسماعيل كُتر. ان رجحان كفة محمد أدم عبدالكريم لم تعجب «عُصابة المركز» لأنه يعتبر من قادة التيار العام فأجروا
انتخابات في المكتب السياسي المركزي حضرها 42 من مجمل 165 «بمعني أن الاجتماع غير قانوني» صوت 27 منهم لاسماعيل كُتر، كما نال محمد أدم عبد الكريم 15 صوتاً. لقد أجري المركز انتخابات الغرض منها تفنيد الاجراء الولائي، لكنها الحبكة التي قُصد منها اضفاء شرعية علي شأن كيدي. اتصل»الامام» شخصياً بمحمد أدم عبد الكريم وأبلغه بأن الأمر يسير لا يتجاوز شرط الاقرار بشرعية المؤسسات الحالية مقابل اعتماده مُرشحاً لمنصب الوالي بولاية شمال دارفور. رفض الاخير أداء القسم مما تسبب في حرمانه من الترشح كما انتزع منه حق الاعتماد للمرشحين الأخرين باعتباره القيادي الأول للحزب بالولاية وأعطي الأستاذ/ اسماعيل كُتر «مُضمن لدي الصحيفة صورة من الخطاب الذي مهرته سارة نقد الله بامضائها». بخلاف التجاوز الاجرائي، فان المقارنة بين كُتر ومحمد أدم عبد الكريم تكاد تكون منعدمة. لقد أطاح المهندس/ صالح عبدالله في انتخابات 1996م بالأستاذ/ اسماعيل كُتر ممَّا الجأ الأخير لترك صفوف المؤتمر الوطني وجعله يؤثر الانضمام الي حزب الامة. منذ ذاك الحين وهو يشاكس محمد أدم عبد الكريم، مُرشح الدائرة الجنوبية «شمال الفاشر» الذي فاز فيها بعد عام من تخرجه «1986م». من حينها ومحمد أدم عبدالكريم ينافح عن قضايا دارفور والوطن معولاً علي الروح القومية، تاركاً للأخرين الانزلاق في مهاوي العنصرية. رغم السلطوية والأساليب التعسفية التي انتهجها المركز في المحاولة لاقصاء قيادات التيار العام، مما أضطر بعضهم للاستقالة، التجميد أو الانسحاب، فان قائمة التيار العام تظل راجحة بقامات رجالها وتفردهم النوعي. لعل ما استعرضناه من نماذج يبرهن علي صحة قولنا في حزب الأمة «جناح الامام» قد حرص علي الترشح في مناطق لا تعتبر تاريخياً من دوائر النفوذ لحزب الأمة. كما أهمل بل أضاع مناطق في دارفور خاصة -- كانت مضمونة لحزب الأمة، مثل أم كدادة التي ظل الحزب يفوز فيها منذ عام 1953م، مكجر أم دخن، أم خير أزوم، السريف، الواحة، كبكابية وشمال كتم «دار زغاوة». ان نتائج الترشيح متتالية بعد ما مورست فيها كل افانين الاصطفاء الطائفي كالأتي «التيار العام/ جناح «الامام»»: «شمال كردفان: 9/11»؛ «جنوب كردفان: 6/4»؛ «شمال دارفور: 19/7»؛ «غرب دارفور: 3/3»؛ «جنوب دارفور: 14/15»؛ «النيل الأبيض: 3/11»؛ «القضارف: 0/9»؛ «الجزيرة: 1/25»؛ «سنار: 6/3»؛ «النيل الأزرق: 0/3».
«5»
ان بؤس المعرفة بالخارطة السياسية الاجتماعية الذي نجم عن غياب القيادات ذات الوزن الثقيل، ضعف التنسيق، انعدام التمويل، لا ننسي الانشقاقات الداخلية والتحولات الديموغرافية التي حدثت جراء التصحر والحروب تجعل أي محاولة للتكهن بنتائج الانتخابات عسيرة اذا لم تكن مُستحيلة. اما أن جناح الامام سيمنى بهزيمة نكراء، اذا تخلصت جماعة التيارالعام التزمت وقررت التنسيق مع المؤتمر الوطني، الحركة الشعبية، الجن الأحمر أو الأصفر، كل شخص، أي فعل أو تنازل لتمريغ أنف الطائفية في التراب. ان مجرد الاصطفاف الطائفي يُنبئنا بأن «الامام» قد رشح أبناءه في ولاية النيل الأبيض علماً بانه كثيراً ما كان يتشدق فيقول أنهم ينتمون جينياً الي كافة أنحاء السودان. فلماذا لا يترشحون في الشمالية، دارفور أو كردفان. ما الذي غرَّهم بتندلتي، أم رمته أو النعيمة حتي ظنوا أنهم سيتوراثون أهلها مثلما يتوارثون الخيل، البغال والحمير؟ انها ثقافة الطاعة، بمعني الاذعان والانقياد، التي هيئ لها المسيد ووطدت لها الولاية الروحية في منطقة الوسط السوداني. ستفاجئ الجماعة لأنها لا تعلم أنه بالقدر الذي يبدو فيه الوسط عصِّياً علي التغيير، فأنه سهل الاختراق.
«6»
لقد أوضحت في مقالات لي سابقة أن هذه المناطق قد استقبلت المهدي منتصراً ولم تترقبه منتظراً، ولذا فان لها درجة عالية من البراغمتية تستدفعها للتعامل مع الواقع السياسي الجديد بنوع من الواقعية يعرف الدكتور/ نافع علي نافع كيف، ومتي يطلبها ولأي غاية يستخدمها «بخلاف غرب السودان الذي أخذ الأمر محمل الجد مهما كلفه من رهق مادي وروحي قبل أن يكتشف فصول المسرحية فيعمد الي الخروج منها مُتحسراً». بالنسبة للأخير فان المُعترك الحقيقي هو دارفور، رغم محاولات الايهام فان نجاحهم في كل السودان يُعد اخفاقاً اذا أخفقوا في دارفور، والعكس غير صحيح، كيف يمكن أن يتحالف التيار العام مع المؤتمر الوطني دون ان يتنازل عن مواقفه المبدئية من القضية الدارفورية؟ هل يمكن أن تحدث للمؤتمر الوطني صحوة أخلاقية فيُقرر انصاف شعب دارفور؟ حتي الأخرين لم يستطيعوا أن يصمدوا في وجه الاغراءات السياسية والأطماع الشخصية وأحالوا القضية الدارفورية الي الأدارج الخلفية رغم تمسكهم بها كشرط لخوض الانتخابات في مؤتمر جوبا. في مثل هذه الملمات التي تؤطر لها الشخصيات أكثر مما تقنن لها المشروعيات كل له بواكي الا دارفور. ألم يأن لأبناء دارفور أن يعووا ان الحزبية قد أضحت في حد ذاتها سوقاً للمناقصة في الأصوات البشرية، بل، منذ متي كانت هي ساحة للمشافهة والمشاهرة في القضايا الوطنية؟ انْ الترشيحات الرئاسية الاَّ عروض أولية للمقايضة «3 ملايين دولار، لا «5»، نزل شوية، طلع شوية الي أخره من حالات السوقه والسبابة» للتنازل في المرحلة الثانوية. من لم يورثه أباه شاة وأبقاراً فقد أورثه بشراً وأحجاراً يتاجر فيها ليؤمن مستقبله ومستقبل عياله المادي والمعنوي. ألم أقل لكم أنها أرض فضيحة تلك التي نسكنها.
أَرضُ ضيِّقةُ هي تلك الأرض التي نسكنها
وتسكننا. أَرض ضيِّقة لا تَتّسع لاجتماع
قصير بين نبيّ وجنرال. واذا تعارك ديكان
علي دجاجة وعلي خُيَلاء، تطاير
ريشهما عن الأسوار. أَرض ضيِّقة لا
حميمية فيها لنكاح بين ذكر الحمام وأُنثي
الحمام. أَرضُ فضيحةُ. أَرضُ صفراءُ الصيف
ينقر الشوك فيها وجه الصخر لتزجية
الوقت، حتي لو قالت قصائدنا عكس
ذلك، وأمدَّتها بمختارات من أَوصاف
الفردوس لاشباع جوع الهوية الي
جماليات.
«أرض ضيقة من ديوان أثر الفراشة «ص121-122»- محمود درويش»
«7»
قبل أن ندلف للتكلم عن الشخصيات، نود ان ننوه الي بعض الاشكاليات، ان الاشكالية الانتخابية لم تختصر علي دارفور، كردفان والنيل الأبيض انما تعدتها الي الجزيرة أبا، فاتيكان العقيدة الانصارية. هذا مما ارتاعت له المؤسسية الرجعية فقررت التدخل دونما هوادة، انما قيصرية تقنن للوراثية والشرعية الأبوية. ان المكتب السياسي الشرعي بالجزيرة أبا قد اختار رئيسه السيد/ ياسر جراب مُرشحاً للدائرة الاَّ أن مؤسسة الرئاسة قد استبدلته بابن عم «الامام»، السيد/ حامد الصادق حامد حامد رغم أن مؤتمرهم العام «مؤتمر الجزيرة أبا» قد حضرته الرئاسة، خاطبته وباركته! ولكنها تجاوزتهم متى ما علمت بموقفهم من الخروقات الدستورية التي أشرفت عليها جماعة تناطح اليوم وتكافح كي تجد دائرة جغرافية أو موقعاً في قائمة قومية، دعك من قدراتهم الذهنية التي لاترقي الي مستوي احداث هندسة دستورية وتصاميم مؤسسية تُخرج البلاد من أزمتها الوجودية.
ولنبدأ بالأمين العام، فقد ذهب الأخير للترشح في «أم لباسة، جنوب دارفور» الاَّ أن أهل المنطقة قرروا ترشيح ابنهم د. أحمد عبد المُكرم، أستاذ بجامعة زالنجي. عندما تمنعوا ورفضوا التنازل، تم شطب مرشحهم وادرج عنوة اسم العقيد/ صديق محمد اسماعيل. ان أحدهم لايكاد يتعدي التدريب الأولي الذي تلقاه من الشاويش وقبلما يفيق يجد نفسه في حضرة الدرويش!
ثانياً، اعتمد المكتب السياسي لولاية الخرطوم سكرتير الحزب علي مستوي الولاية الأستاذ/ الهادي محمد ابراهيم مُرشحاً للدائرة رقم 6 «محلية الأمير الثانية»، غير أن «الأمام» تدخل في اطار التخطيط العام لانقاذ أحد قادة القوات الخاصة، شطب الهادي محمد ابراهيم واعتمد اللواء فضل الله برمه.
ثالثاً، اقُترح البروفسير/ عبدالرحمن دوسة الترشح في دائرة النصر «مايو الجنوبية»، اكتشف الأخير أن هذه الدائرة ليست لديها حتي لجنه حزبية، اصر علي أن يوضع في الدائرة القومية. لقد أخرجه تمنعهم عن وقاره المعهود وامتثاله المشهود، فتكلم بلغة فيها بعض الوعد والوعيد. بعدها امتثلوا له لأنه أخر «الغرابة» المتخلقين المؤهلين الذين لديهم ارث أدبي واجتماعي يُغنيهم عن التزلف لأبناء الألهة! اذا راجعت قائمة الاصطفاف الطائفي تجده مدرجاً رقم 3 مباشرة بعد الطبيب/ عبدالرحمن الغالي الذي أدرج رقم 2 رغم أن دوسة قد أحرز أصواتاً عالية في المؤتمر السادس «3002م» مقارنة بالأول الذي لم يجرؤ للترشح يوماً وعندما ادرج اسمه خطأً في قائمة المرشحين للمكتب السياسي عام 3002م جاء رقم 54. لكنه دخل المكتب السياسي بحكم موقعه من التعيين، نائب الأمين العام، علماً بأن الدستور «تجد مكانه فراغ في الموقع الالكتروني للحزب» ينص فقط علي أحقية الرئيس والأمين العام في الانضمام للمكتب السياسي بحكم مواقعهم. وأنا لا أدري ما الذي يضطرهم الي مثل هذه الالاعيب؟ لماذا يغرقون ذممهم في شؤون دنيوية/عرضية؟ اليس لديهم حق الهي « ناري هذه أوقدها ربي» وحق وطني «البلد بلدنا ونحن سياده»؟ لماذا يضيعون وقتاً في البحث عن الشرعية «مثلما تفعل الانظمة العسكرية»؟ يدهش المرء اذا علم أن كل هذه التجاوزات تمهر بقلم رئيسة لجنة الانتخابات لدي حزب الامة، الأستاذة/ سارة نقد الله. هل ضحت الأستاذه الجليلة بارثها النضالي، كسبها المعرفي، أريحيتها الاجتماعية، تميزها المهني وخانتها التاريخية في سبيل كسب رضا «الامام» ام أن المحنة الانسانية التي تعيشها قد جعلتها تطلب الشفاء في شكل التفشي من أناس لا يملكون أن يخلقوا ذباباً وأن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذونه منه، ضعف الطالب والمطلوب. في أثناء كتابتي لهذا المقال تقدمت لجنة الانتخابات بالحزب بعد انقضاء الاجل المحدد لاعتماد الأسماء بطلب لسحب اسم الظاهر خليل، أحد أهم قادة التيار العام. رفضت اللجنة الرسمية هذا الطلب لأنه غير مبرر «الاَّ من رائحة الخنق الشخصي» ولا يمكن تمريره الاَّ بطلب شخصي من الظاهر خليل نفسه وبقية أعضاء المجموعة المندرجة تحت القائمة. هل تليق مثل هذه التصرفات بالأستاذة؟ ألم يكن من الأحري ترك مثل هذه التجاوزات للشخصيات «البدون» «وهم ُ كثرُ» في حزبها؟ ألم أقل لكم أنها أرض فضيحة؟
أرضُ ضيِّقة لا ساحة فيها تكفي لمعركة
حقيقيّة مع عَدُوّ خارجيّ، ولا قاعة تسع
المجتمعين لصوغ ديباجة عريضة عن سلامِِ
كَذِب. ومع ذلك، أو لذلك... يقولون
ان أحد الآلهة الضجرين اختارها كهفاً
للخلوة، والاختفاء عن المتطفلين الذين
سرعان ما سرقوا قرون أكباشنا، واستخدموها
سلاحاً لابعادنا عن باب الكهف المُقَدَّس!
«أرض ضيقة من ديوان أثر الفراشة «ص121-122»- محمود درويش»
الخاتمة
ان وحدة حزب الامة تبدو كالجميلة والمستحيلة لأنها تعتمد علي تفعيل الديمقراطية كآلية يمكن بها تجاوز الشخصانية، الأمر الذي يقاومه «الامام» بشدة لأنه يفقده هيمنته علي الحزب ومن ثم يفقده حقه في توريث الحزب لأبنائه وبناته. هلا نظر الي ما حوله ليعلم أن التوريث غير ممكن واذا حدث فانه سيحدث علي حساب التماسك الوجداني للطائفة التي أرقها الشقاق، والحزب الذي أفلسه بؤس الأفاق والشعب الذي أرهقته محاولات الخروج من الأنفاق «واحداً تلو الأخر»؟ أي مملكة هذه التي يمكن ان تُقام من دون دارفور وكردفان وأي شعب هذا الذي يمكن أن يُقَوَّم في غياب ركيزة الأخلاق؟
في مرض الموت، كان أحرص ما قال وصية اكتنزها للحظة الفراق لان بها تحيا الأمم وتنعدم «ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور.» قالها سيد الأولين والأخرين ولم يدم بعدها ليال حتي لحق بالرفيق الأعلي، لأنه كان يعلم بأن تزوير ارادة الشعب والمحاولات اليائسة لتجييرها ستورث غُبناً تستحيل به وحدة القوم وتضمحل فيه عروتهم. فان أوثق ما تمسك به قومُُ الصدق، وأجل ما راعوا الشوري، وارقي ما ضمروا المحبة. لقد كانت ساحة الأنصارية وسماؤها الحزبي تزخران بهذه الخصال حتي اندس فيهم قوم نُكر وساسة شُتر أثروا الانقياد وخانوا الاعتقاد. ان ما يصيب الطائفة لايعنيهم وما تعانيه البلاد لا يحزنهم لأنهم انما انتدبوا لهدم الكيان من داخله وجُيشوا لدحض الحجة لا لانفاذها.
لقد عجز حزب الأمة بشقيه «التيار العام وجناح «الامام»» عن بلورة رؤي كان يمكن أن تسهم في انقاذ شعب من محنته وما ذلك الاَّ لأنه امتثل لقيادة كانت تري حلاً اوحداً، ذاك الذي لا يخرج دارفور من دائرة نفوذها. وها هي دارفور قد خرجت، ومن بعدها كردفان، والنيل الأبيض الي أخره، فماذا هم فاعلون؟ ان الشعب يبحث عن قيادة صادقة يلتف حولها وعن استراتيجية يعمل علي انفاذها؟ فهل سيعلنون عن انفسهم أم أنهم سيظلون يعملون في الدهاليز يترقبون لحظة الانعتاق؟ لقد أعلن «الامام» عن مساره فليحددوا هم مُرحالهم -- استنقاذ أهلهم من الفناء الذي هو كائن ما لم توجد صيغة حضارية للتعامل مع الجنوب المنفصل. كيف يوكلونه للتفاكر نيابة عن شعوبهم وهو من هو في نيابة التحالف مع عصابة المركز المُتحصنة ضد قوي الريف السوداني؟ أما انهم لو انتظروه، فان هذا الكائن له مقدرة علي اهدار طاقتهم الروحية والذهنية دون ان يكل، يمل أو يهتز له رمش. «ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويُشهد الله علي مافي قلبه وهو ألد الخصام «204» واذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويُهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد «205» واذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد «206»» صدق الله العظيم - «سورة البقرة»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.