بصبر ويقين وعزيمة ومهارة عالية في المراوغة والتهديف، يتخطى المهاجم رمضان رحمة، خريج كلية التجارة جامعة السودان، برجل واحدة وعصا خشبية أطول منه، مدافعين كاملي القوة والأرجل ليحرز بها هدفين جميلين: الأول في شباك حارس الفريق الخصم، والآخر في شباك الإعاقة التي لم تأخذ من عزيمته شيئاً، أو كما قال: (لمّن أحرز هدف بحس أني بملك غابة من الأرجل والسيقان، مش كراعين بس).. (1) في العام 1979م ولد رمضان بمدينة المجلد طفلاً جميلاً كامل العقل والجسد، قبل ان يشد الرحال مع اسرته الى العاصمة ليقيم بحي كوبر العريق بالخرطوم بحري، ليتعرض لحادث حركة مؤلم وهو ابن السادسة من عمره لتبتر رجله اليمنى ويبدأ مسيرة كفاحه الطويلة مع الإعاقة، يتوكأ على عصا صغيرة اعانته في اكمال تعليمه في مرحلة الأساس، ثم صارت (العصاية) تكبر معه كلّما تقدم به العمر، ليدخلا سويا (هو وعصاته) جامعة السودان دارسين للتجارة. فضلاً عن سماحة أخلاقه وقدرته العجيبة في احتمال الآخر، اشتهر رمضان في حي كوبر بأهدافه الجميلة وتمريراته المتقنة كأحد أبرز المهاجمين بالمنطقة رغم ساقه الواحدة، ولولا إعاقته لكان الآن جوار طمبل ووارغو وإيداهور، فهو من عشاق الأحمر الوهاج الذين يموتون في المريخ حباً. (3) * لماذا لجأت يا رمضان لكرة القدم وهي لعبة شاقة حتى على اصحاب الأرجل الكثيرة؟! الكورة بددت زمن اليأس داخلي. قالها رمضان وهو يداعب الكرة برجل من عزيمة، وأخرى من خشب داخل استاد الخرطوم -بعد ان منحنا الأستاذ زكي عباس تأشيرة دخول الى الملعب الجميل بمودة واحترام لنشهد تمرين الشاب رمضان الذي قال : اهتمامي بالكرة يعود لنشأتي في حي عريق ينجب كل يوم لاعباً فناناً، زول عايش في حي كوبر حيطلع لاعب تنس يعني؟!. * ألم تجد صعوبة المشاركة في التمارين؟! في البداية نعم، لكن الآن أنا مهاجم اساسي وألعب تسعين دقيقة كاملة، ودا بسبب اجتهادي في تطوير مهاراتي وتطويع الإعاقة نفسها! * كيف؟! رجلي اليسرى ايضاً تأثرت بالإعاقة لأنني فقدت (صامولة الركبة)، ودا ساعدني على إحراز الأهداف الصعبة الشبيهة بهدف زيدان في الأمم الأوروبية، فرجلي اليسرى التي اسدد بها الكرة مقوّسة قليلاً الى جهة اليمين، فعندما اثبت العصا على الأرض يمكنني ان احرز هدفاً في اقصى الزاوية الشمال، وهذا صعب جداً بسبب طبيعة جسم الإنسان. (4) * أشهر من لعبت الى جوارهم في الميادين؟! لعبت مع اللاعب الخلوق الزين آدم، لاعب المريخ السابق، والموهوب موسى العجب، شقيق ملك الكرة السودانية فيصل العجب، والحريف جداً فائز نصر الدين الذي ظلمته الكرة وكان يجب ان يكون لاعباً في برشلونة الإسباني على الأقل. * من الذي شجعك على مواصلة كرة القدم وأنت تعلم ان قانون الكرة لا يسمح لك بالمشاركة في المباريات الرسمية؟! شاهدت رجلاً معاقاً يشارك في مهرجان للجري بأرجل صناعية، صحيح انه لم يحرز المركز الأول لكنه لم يكن الأخير.. الرجل ده أداني دفعة قوية لمواصلة لعب كرة القدم، وأتمنى ان تتاح لي المشاركة في المباريات الودية حتى ابث الروح في داخل كل معاق، عشان ما يفتكر ان الإعاقة نهاية الحياة. * بعد دخولك الجامعة هل انقطعت عن ممارسة الكرة؟! لا، أنا امارس الكرة حتى الآن.. في الجامعة اشتركت في دورة الكلية وفزنا في (16) مباراة، خسرنا مباراة واحدة كنت غايب فيها عن فريقنا لأسباب خاصة. * ألا تخشى الإصابة يا رمضان؟! يا عزيزي، اليتيم ما بوصوا على البكا..! أجد روحاً طيبة من الزملاء داخل الميدان، وأنا اصلاً استخدم مهاراتي العقلية في التهديف والمراوغة وصناعة الأهداف، وما حصل يوم عملتا فاول مع زول. * يعني ما بتخاف؟! بخاف طبعاً، لأن أي اصابة لي سألزم السرير. * انت الآن تزحف نحو الثلاثين، هل تجد صعوبة في اللعب مع تقدم العمر؟! نعم هذا صحيح، لكن الحمد لله لسع العصا دي شايلاني، وعشان كده بحاول اسجل فيلم وثائقي قبل ان اعتزل الكورة بعد عمر طويل ان شاء الله. * لماذا حصرت نفسك في لعب الكرة وأنت متابع للدوريات الأوروبية وتملك قدرة على النقد والتحليل؟! أنا ما حصرت نفسي، وأسعى بعد ان تخرجت من جامعة السودان ان امتحن هذا العام لاجتياز القيد الصحفي لأعمل صحفياً رياضياً، ولكن فوق ذلك لديَّ حلم كبير! * حلم زي شنو؟! انا بحلم بالمشاركة في بطولة كأس العالم للمعاقين، وأتمنى من كل الجهات المسؤولة بالدولة مساعدتي لتمثيل السودان في هذا المونديال.