٭ قبل أن تضع الانتخابات الألمانية أوزارها في تسعينات القرن الماضي، نشرت شركة «سيكيت» الألمانية لتأجير السيارات إعلانا تجاريا ظهرت فيه صورتان للمرشح «جيرهارد شرودر» ينظر في إحداهما يمنة وينظر في الأخرى يسرة، وقد كتبت تحتها «سيارات سيكيت لأناس لا يعرفون إلى أين يتجهون». ٭ وبعد أن وضعت الانتخابات الألمانية أوزارها، نشرت شركة لمعجون الأسنان صورة للمستشار الألماني المنتخب، جيرهارد شرودر ، وهو يبتسم بعد إعلان فوزه، وقد كتبت فوقها «لقد لفت أنظار الجميع».! ٭ وعموما تلعب شركات الإعلان والترويج الآن دورا حاسما في الانتخابات السياسية، لم يعد «رأس المال» يكتفي بتمويل الحملات الانتخابية، وفقط، كما كان الحال فيما مضى. بيوت الخبرة والإعلان والدعاية وشركات التسويق تقوم الآن بتنفيذ العمليات الانتخابية كما تقوم بتنفيذ غيرها من العمليات الاستثمارية والتجارية. ٭ ما عادت الأحزاب السياسية تكتفي بعرض بضاعتها من نظرية محكمة، وبرنامج تفصيلي يجيب على أسئلة الواقع، وشخصية جديرة بالانتخاب. وما عاد الناخب يأبه بالأيدولوجيا والوعود والخطب الحماسية. ٭ الناخب الأول الآن هو، الصحافة والتلفزيون والفضائيات والإعلام الإلكتروني، ومن بعده يأتي المواطن المسكين، هذا الذي يذهب إلى صناديق الاقتراع وهو مثخن بجراح الانطباع والتأثر والانبهار، وقد سحقته الآلة الإعلامية وثقافة الترويج ونمط السلوك الاستهلاكي والآثرة الفاحشة. ٭ ولأن بيوتات الإعلان وشركات التسويق لا تهمها الأيدولوجيا، والبرامج الانتخابية، فهي تولي اهتماما للشخص المرشح، وتهتم بربطة عنقه، وبريق حذائه، وشرشف قميصه، وتسريحة شعره، وعطره النفاذ، والمسافة بين الحاجبين. ٭ ولأن الفوز بعد أن تضع الانتخابات أوزارها، يحتاج إلى ابتسامة عريضة ترتسم على الوجه، والابتسامة العريضة تتطلب أسنانا بيضاء، والأسنان البيضاء تستلزم معجونا للأسنان غنيا بالكلورفيل.. فلا مانع إذن من دعاية تحمل صورة الرئيس المنتخب مزينة بعبارة «لقد لفت أنظار الجميع»!! ٭ ويشهد هذا الصباح انطلاقة الحملات الإعلامية لمرشحي انتخابات ابريل 2010، على كافة المستويات، وقد انبثقت من مفوضية الانتخابات، آلية إعلامية برئاسة البروفيسور محاسن حاج الصافي، وعضوية آخرين، فرغت هذه الآلية من وضع المعايير والمحددات لسير هذه الحملات. ٭ ومع ذلك، ليس من المستبعد، أن تخرج الحملات الإعلامية، عما رسم لها، أو «يتفلت» أهلها، أو يخرج المرشح نفسه «عن النص». ٭ تأريخ الانتخابات في السودان، فيه من الخروج على المألوف، ما يسمح للباحثين الاجتماعيين، من وضع نظريات في «التفلت» الانتخابي، والسلوك السياسي عند الترشح والاقتراع، ويا ليت واحداً من باحثينا انصرف لدراسة ظاهرة «المقالب» في الانتخابات السودانية. ٭ روى لي أحدهم، عن مساجلات، كانت قد نشبت في معركة انتخابية بين مرشح أقرب إلى المدينة كان يهتم بهندامه وعطره وربطة عنقه، ومرشح من رجال البادية، يتلفح أثوابه كيفما اتفق. قال البدوي: الزول البعجبك شوفتو والهندام ما يغرك كثير، الدم معاهو كلام السمك البودر عمرو في الحمام ما بينظف اصلو «الزفارة» عضام ٭ هذه مجرد إشارة، وأخشى إن استرسلت في مساجلات المرشحين التأريخية أن أوقع صحيفة «الصحافة» تحت طائلة القانون. ٭ ستضع الانتخابات أوزارها، ولكن: قد ينبت المرعى على دمن الثرى وتبقى حزازات النفوس كما هي