حظيت في الأيام الماضية بدعوة من المجلس الثقافي البريطاني للمشاركة في «مؤتمر الدين وتغير المناخ» الذي عقد في العاصمة النيجيرية أبوجا (6-10 فبراير)، وقبلت الدعوة التي وصلت قبل شهور من موعد المؤتمر -شأن البريطانيين دوماً في الاستعداد المبكر لكل حدث والذي لم نأخذ منه شيئاً- لأني أردت تجديد رؤيتي لنيجيريا التي كان أخر عهدي بها قبل أكثر من عشر سنوات حين شهدت مؤتمراً في جامعة سوكوتو عن دولة الخلافة الإسلامية التي أسسها عثمان دان فوديو في بداية القرن التاسع عشر، ولم يسبق لي أن زرت العاصمة الجديدة التي تتوسط البلاد وحلت محل لاغوس التي تقع في أقصى الجنوب، ولأني أردت أن أزداد معرفة بربط الدين مع تغير المناخ. وكان القصد من المؤتمر هو تفعيل رجال الدين (الإسلامي والمسيحي) للمشاركة في حملة التوعية ضد الأعمال والممارسات التي تؤدي إلى تغير المناخ الذي يهدد مستقبل الحياة البشرية على كوكب الأرض، وهذا نهج حميد في التعبئة الشعبية بدأت ممارسته كثير من المؤسسات والهيئات الدولية في العقود القليلة الماضية أن تشرك رجال الدين في معالجة بعض المشاكل التي تستشري في المجتمعات الحديثة خاصة بلاد العالم الثالث مثل محاربة مرض الأيدز وانتشار المخدرات وتعاطي المخدرات وفض النزاعات وغيرها. ووجدت هذه الدعوات استجابة جيدة من الجماعات والمؤسسات الدينية، ولاحظت أن رجال الدين الإسلامي في إفريقيا وآسيا ?معظمهم أئمة مساجد- أضعف مقدرة في تفهم هذه المشكلات والمساهمة في إيجاد حلول لها مقارنة برجال الدين المسيحي رغم قبولهم للفكرة واستعدادهم للمشاركة في العمل لها، وأظن أن السبب هو محدودية الثقافة التي يتعلمها أئمة المساجد في المعاهد الدينية وقلة وضعف التدريب الذي ينالونه من أجهزة الدولة الرسمية فإن غالبيتهم العظمى تعمل موظفة لدى الدولة، دعك من المرتبات البائسة التي يتعاطونها. الحقيقة أنهم لا ينالون تدريباً يذكر حتى في البلاد التي ترفع صوتها عالياً باسم الإسلام، ولم أعجب حين علمت أن حكومة السودان اعتدت على معهد تدريب الأئمة الذي شيدته دولة قطر في شرق الساحة الخضراء وقفاً في سبيل الله لهذا الغرض وحولته إلى مركز للدراسات والبحوث بقرار رئاسي دون أن ينبث وزير الإرشاد والأوقاف الذي يتبعه المعهد بكلمة ضد تغير شرط الواقف! شملت الدعوة لحضور المؤتمر حوالي 60 مدعواً من اثني عشر بلداً إفريقياً جنوب الصحراء بالإضافة إلى بريطانيا التي تشرف على تنظيم هذا البرنامج على مستوى آسيا وإفريقيا، وكان نصيب السودان ثلاثة مدعوين هم: الأب القمص فيلوثاوس فرج والشيخ الشاب محمد حسن قريب الله والعبد الفقير، وكانت صحبة كريمة سعدت بها. وبذل طاقم السفارة السودانية وعلى رأسهم القائم بالأعمال كل جهد ممكن لاستقبالنا والحفاوة بنا جزاهم الله عنا كل خير. كان برنامج المؤتمر الذي استمر ليومين كاملين (8-9/2) معداً بعناية فائقة، وقد شارك في الجلسة الافتتاحية المندوب السامي البريطاني وممثل عن سلطان سوكوتو ورئيس الاتحاد المسيحي في نيجيريا (يقابل مجلس الكنائس السوداني) وهو رئيس أساقفة الكنيسة الكاثوليكية في ذات الوقت ووزير البيئة في حكومة نيجيريا الاتحادية. تلخصت أهداف المؤتمر في تحقيق الآتي: 1- تشجيع الحوار والفهم لمسائل تغير المناخ وصلتها بالمبررات الأخلاقية التي تدعو لاتخاذ موقف منها. 2- اكتشاف الرسائل والنصوص والمعتقدات الدينية ذات الصلة. 3- حض أتباع الأديان للعمل معاً من أجل: التكيف لسلبيات تداعيات تغير المناخ؛ وتخفيف مسبباته. 4- تبادل الخبرات مع تجربة المجموعات الدينية في المملكة المتحدة حول مسألة «الدين وتغير المناخ». دار نقاش مكثف طيلة اليومين من المؤتمرين حول أوراق العمل التي قدمها خبراء ومسؤولون في الدولة عن الموضوعات التالية: تغير المناخ ودور القيادات الدينية في تخفيفه والتكيف عليه؛ الفهم الشعبي وأدواته في التعامل مع تغير المناخ؛ الإسلام ومشكلة تغير المناخ؛ المسيحية ومشكلة تغير المناخ؛ الشريعة الإسلامية وحماية البيئة؛ القانون اللاهوتي المسيحي وحماية البيئة؛ سياسات الدولة النيجيرية في حماية البيئة وتغير المناخ، كيف تنجح القيادات الدينية في تعبئة أتباعها حول مشكلة تغير المناخ، دور الإعلام في التوعية بتغير المناخ من وجهة نظر دينية. واختتم المؤتمر نقاشه حول البيان الختامي الذي اشتمل على النقاط التالية: تأكيد المؤتمرين على المسؤولية الأخلاقية لمعالجة أسباب ارتفاع درجة الحرارة في الكون، وأن الفقراء والضعفاء هم الذين يتأثرون أكثر من تداعيات التغير الحراري على البيئة والتي تتسبب في الجفاف والتصحر والفيضانات وقلة مياه الشرب، وأن على المجموعات الدينية أن تلعب دوراً فاعلاً في تغيير سلوك الأفراد والجماعات على كل مستويات المجتمع وقطاعاته الاقتصادية، إن على الجميع أن يتعلموا على العيش والتنمية في عالم محدود الموارد. ونتعهد نحن رجال الدين أن نصل إلى تجمعاتنا المحلية والدولية لنرفع درجة وعيهم البيئي بالنتائج الخطيرة المترتبة على تغير المناخ وارتفاع درجة الحرارة على الأرض، ونستمر في تبادل التجارب الناجحة وفي مضاعفة الجهود لخفض الانبعاث الحراري نتيجة لأنشطة المؤسسات والأفراد، وأن نعمل مع شركائنا ومجموعاتنا الدينية على مستوى العالم لتخفيض آثار تغير المناخ على المجتمعات الفقيرة والضعيفة في أنحاء العالم الثالث وأن نضغط على الحكومات لمساندة تلك الجهود، ونعتبر هذا اللقاء بداية لعمل مستقبلي متواصل، ونثق أن جماعاتنا يمكن أن تكون عوامل فاعلة من أجل تغيير سلوك الناس في قضية تغير المناخ. لفت نظري أن أحد المصارف النيجيرية الكبيرة (مصرف المدينة الأول FCMB) هو الذي موّل انعقاد مؤتمر «الدين والمناخ»، وبالبنك وحدة متخصصة في أنشطة بما تسميه «بالمسؤولية الاجتماعية» تعنى بتقديم خدماتٍ للريف في مجال توفير المياه النقية والغذاء والمواد التعليمية. أرجو أن تحتذي المصارف السودانية -خاصة الإسلامية- بهذا الأنموذج الرائع في العمل الاجتماعي النافع.