نظم منتدى السرد بالمجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون، جلسة حوار حول كتابات الروائي الطيب صالح. وقد جاء حديث الأستاذ محمد عوض عبوش افتتاحية للجلسة، واعتبرها مدخلا للتحاور حول كتابات الطيب صالح، وقد قدم الجلسة وأدارها الاستاذ محمد الجيلاني، وشارك فيها عدد من الكتاب والنقاد.. وابتدر عبوش حديثه قائلاً: الحديث عن الطيب صالح لا ينتهي، فهو كاتب كبير وعظيم على مستوى الكتاب والروائيين في العالم.. ورواية «موسم الهجرة» هي أولى الروايات التي تم نشرها رغم انها لم تكن الاولى في الكتابة، وكتب عن الطيب الكثير، ولكن اعماله وأدبه مازالت بها جوانب واغوار لم تسبر ولم يتم اكتشافها، وهذه سمة من سمات الادب العظيم، فهو بالنسبة لنا لا يقل اهمية عن كبار الكتاب في العالم همنجواي، تولستوي، دكنز، ماركيز، وقد اعتبرت «موسم الهجرة» من بين عشر روايات صنفت روايات عظيمة في العالم.. وحاولت في مقالة نشرتها في جريدة «الصحافة» أن أرصد روح الحركة الجماعية في أدب الطيب صالح.. والطيب صالح جاء بعد جيل الرواد «طمبل والمحجوب»، وغيرهم، وهو الجيل الذي ركز على خصائص الواقع السوداني، وعاصر مرحلة إحياء التراث الإفريقي الذي ساهم فيه سنغور، ورصد نيكروما مبلغا كبيرا لعمل موسوعة تساهم في احياء التراث الإفريقي، وقد اعتبر عبوش حديثه مدخلاً لأعمال الطيب وليس حديثا عن الأعمال ذاتها. ومداخلة الاستاذ محمد جيلاني فجرت العديد من الاسئلة، قائلاً: هل الطيب صالح يمكن أن يكون مختلف اصلاً؟ وهل تقدم قراءة مختلفة للطيب صالح؟ هذا موقع الباحث أم موقع جديد للطيب صالح الذي صمت عن الكتابة، وأصبحت كتابته السردية الموصوفة في العالم كله بمرحلتها المنهجية وموضوعاتها التي تناولتها والشخوص والعوالم وكل ما يتعلق بأدب الطيب صالح، وطرح سؤال الاختلاف في القراءة لا يعني أصلاً اختلاف الطيب صالح أو الحديث عن المختلف باعتبار انه متنوع داخل الأصوات السردية السودانية، فهل يوصف الطيب صالح بالمختلف، وهل فكرة الاختلاف كانت مع الآخر أم كانت مع الذات الكاتبة، وهل اختلف الطيب مع ملكة الدار الفاضل أم عيسى الحلو ...الخ؟ أم اختلف كما يقال مع شكسبير أو التأسيس المركزي للمقولات السردية في العالم على المستويين. ولا يمكن بالنسبة لي وصف الطيب بالمختلف، ولكن بحكم وصفه بالمتنوع موضوعاً في المدارس السردية الغربية، وان ادعى بعض النقاد في منطقتنا ان الطيب صالح أهم خصصية له أنه قام بتكسير الزمن السردي على مستوى اليوم والدقيقة، وبعد ذلك عرفنا أن مدارس التداعي النفسي قامت بتكسير الزمن ونظرت له، وتحدثت عن زمن داخلي أو ما يسمى بالزمن الثقافي غير المرتبط بالزمن الخارجي، ونظرت له باعتبار أنه قد تسيطر لحظة من لحظات العمر عند الكاتب، وتظل تعيد ترتيب الأحداث في حياته، ولا اعتقد أن الطيب صالح كان واحداً من المنظرين لهذه المدرسة. وعبرت الروائية زينب بليل عن عدم إعجابها برواية «موسم الهجرة إلى الشمال» وأردفت قائلة: ولكن بدأت كتابتي للرواية بعد قراءتي ل «عرس الزين» مباشرة، رغم قراءتي للرواية الانجليزية ديكتره، إلا انها لم تدفعني للكتابة، لذلك فأنا أدين للطيب صالح اذا كتبت أي شيء مفيد.. وقصص الطيب صالح القصيرة كنت معجبة جداً بها، وقد قدمتها في برنامج تلفزيوني، وقمنا بتحليلها بصحبة عدد من النقاد. الأستاذ عبد المجيد عفيفي اضاف قائلاً: الطيب صالح أول كاتب سوداني تطرق لموضوع الكتابة التي عكست رؤاه بعد السفر إلى أوربا شأنه شأن توفيق الحكيم «عصفور من الشرق» وسهيل ادريس «الحي اللاتيني» وآخرين، وكان ذلك في رواية حملت مضمونين وصورتين ورؤى في أوربا ومن واقع حياة قرية سودانية، أما موضوع أدب سوداني قال طمبل أدبا سودانيا خاصا بالسودان، وهذه مسألة لا يمكن التفكير فيها في واقعنا المعاصر، لأن الذي يكتب بالعربية سيقرأه اكثر من قارئ، ولكن يشكل مجمل خصوصية حالته القطرية. الاستاذ عبد القادر الفضل تحدث قائلاً: «موسم الهجرة إلى الشمال» كرواية جوهرها في العلاقة التصادمية بين الشرق والغرب، كما وصفها ميشيل هيلو بالجرح النرجسي، وأول تماس عالم عربي اسلامي متنافر مع مركز أوربي عمل انجازات حضارية ضخمة جداً في حملة نابليون، وهي التي فتحت الجرح النرجسي، ووعي الذات العربية الاسلمية أو الشرق بشكل عام هذا الأمر تناولته «قنديل أم هاشم» ليحيى حقي و«عصفور من الشرق» لتوفيق الحكيم ويوسف ادريس في الحي اللاتيني، لكن الطيب صالح مس منطقة خطيرة لها رنين عند الغرب هي علاقة القهر والاستبداد بالثقافة العربية أو الشرق عموماً، باعتبار ان الشرق مجتمع بنيته قائمة على مجتمع ذكوري، وقد مس عالما بالنسبة للغرب فيه درجة عالية جداً من الغموض والفن والفنتازيا غير رؤية الغرب للشرق. الأستاذ الأنور محمد صالح، أضاف أن الطيب صالح لم تتم قراءة لاعماله من منطلق ثقافته التي خرج منها.. وفي محابل الدراما انها أعدت كتابة «دومة ود حامد» و«موسم الهجرة للشمال» درامياً لبعض المخرجين، وقد كانت المسألة صعبة بالنسبة لي منذ قمت بتفكيك النصوص.. وعلى المستوى الدرامي أرى أن الغرب يهتم بالشخصيات الدرامية، والطيب صالح قدم لهم انسان «سيوبر»، وكانت الاسئلة تدور حول السودان لذلك سيكلوجيا مصطفى سعيد كان اضاءة بالنسبة لهم.. والطيب صالح كان حصيفاً في أن يختار لغة استطاعت أن توصل وقد وصلت. والذي يقرأ للطيب صالح باللغة الانجليزية يشعر بمذاق خاص. د. أحمد الصادق أضاف أن مصطفى سعيد في «موسم الهجرة إلى الشمال» هو الهوية التاريخية السودانية. وذكر ان النص «مشاتر»، ثم اضاف أن مشروع الطيب صالح منذ بداية قصصه إلى آخر نص كتبه يوم سعيد على شاطئ أم باب مشروع متوازن، وايقاعه واحد لكن «النشاز» هو نص موسم الهجرة، والطيب صالح نفسه عنده كلام كثير، فقد حكى كيف انه كتب هذه الرواية، والطيب صالح بعد أن كتب قصصه في عام 1963 وانتهى من «عرس الزين» كان في ذهنه المنجز الروائي مع بداية حداثة الكتابة السردية، وفي أوربا بالتحديد قال انه تأثر بفرجينيا وتأثر بي سومرست موم.. وفي بداية هذا العام بدأت تظهر رسائله بعد وفاته مع توفيق صائغ الذي نشر رواية «موسم الهجرة» في مجلة الحوار عام 1966م، فهذه الرسائل كشفت حاجات كثيرة ظللنا لمدة أربعين عاماً ننتقدها، وهذه الرسائل اضاءت جوانب كبيرة لهذا النص.