بخطوات منتظمة وثابتة تقدم ناحية الشارع وهو يحمل عصا بيضاء اللون، يرفعها ثم يمدها ناحية الأرض متحسساً بها مكان خطواته قبل السير، قطع شارع الأسفلت بطمأنينة شديدة ثم اتجه حيث يقف عدد من الأشخاص في انتظار المركبة العامة التي ستقلهم لوسط الخرطوم، هكذا كان المشهد لشاب كفيف في مقتبل العمر فقد نعمة البصر ولكنه ظل أكثر قوة وثباتاً وهو ممسك بعصاه، تلك التي على ما يبدو ظلت ترافقه في حله وترحاله وتأقلم عليها دون أن يخالطه أدنى شك بأنه يحمل شيئاً غريباً عليه يثير تساؤلات الآخرين. (1) تعتبر العصا البيضاء، أو كما يطلق عليها البعض عصا الأمان، من الأفكار الجيدة التي أسهمت بارتفاع نسبة الوعي في العديد من المجتمعات للإيمان بدور الشخص الكفيف وأنه جزء لا يتجزأ من المجتمع ينبغي التعامل مع ظرفه دون حساسية مفرطة بأنه ضعيف لابد من مساعدته، فكانت فكرة العصا البيضاء التي اختصرت مشواراً طويلاً من الاعتماد على الآخرين في الخروج لأية جهة خوفاً من الطريق ومنعطفاته وأماكن أخرى يتم التردد فيها على مدار اليوم، وجدت الفكرة إقبالاً كبيراً وترحيباً شديداً من شريحة المكفوفين من كل دول العالم باعتبار أن الأمر يصب في مصلحتهم حتى أقر الكونجرس الأمريكي قانوناً عاماً ينص على أن يكون يوم 15 أكتوبر من كل عام هو احتفال بيوم عصا الأمان البيضاء، كيوم يعبر فيه المكفوفين عن أنفسهم فانتقلت الفكرة للعديد من الدول العربية. (2) عدد من المكفوفين من الجنسين أكدوا ارتياحهم الشديد باستخدامهم لتلك العصا وأنها أسهمت كثيراً في رفع الضرر الذي يمكن أن يلحق بهم أثناء مرورهم في الشارع العام وهو ما أوضحه الطالب (م.ك) قائلاً: (كنت أعاني كثيراً وأتوجس من المجهول وإحساس قوي يتملكني بأنني عالة على أسرتي التي أصبحت تهتم بكل تفاصيلي حتى وصلت المرحلة الجامعية فكان خيار العصا هو الأفضل حتى لا أثقل على أخي الأكبر بأن يوصلني يومياً للجامعة، وفي العودة أعتمد على أصدقائي المقربين مني في الحي للوصول)، مبيناً (الآن أصبحت أكثر قوة وثباتاً وكأنني بصير باعتمادي على تلك العصا التي قد لا تتوفر لآخرين فهي منحتني الكثير من القوة)، في الوقت الذي عبر عدد كبير منهم بعدم حصولهم لتلك العصا لأسباب مادية بجانب افتقاد الوعي لدى العديد من الدول لكيفية التعامل مع حاملي العصا من المكفوفين لعدم ترسّخ تلك الثقافة لدى الغالبية والتي من المفترض أن تكون معروفة للجميع حفاظاً على مكانة المكفوفين في المجتمع والدور الكبير الذي يمكن أن يقوموا به. (3) هناك خطوات معينة يتدرب عليها الشخص الكفيف لإستعمال العصا من بينها وضع الكف على مقبض العصا وأصبع السبابة ممتداً على المقبض وإبهامه متجهاً نحو محور العصا، ويتم تحريك العصا يساراً ويميناً لملامسة سطح الأرض ويسبق امتداد العصا قدم الكفيف بخطوة، وعند صعود السلالم يتعرف على ارتفاع الدرجة الأولى وعمقها لتحديد بداية الدرجة الثانية، يرفع الكفيف العصا بشكل قائم إذا كان صاعداً وبشكل مائل إذا كان نازلاً، أن تكون العصا ملامسة لحواف الرصيف، عند عبور الشارع يجب أن يكون منتبهاً لعدم وجود سيارات ويتأكد من عمق الرصيف قبل العبور، بالمقابل فإن هناك قوانيناً تم وضعها حماية للمكفوفين من بينها أن ينتبه سائقو السيارات في الطريق بأن يقف قائد السيارة على بعد 10 أقدام من الشخص الكفيف إذا رآه يشير بعصاه لقطع الطريق، كما يجب إيقاف محرك سيارته حتى يمر الكفيف، ويعاقب أي شخص يحمل هذه العصا البيضاء إذا ثبت أنه غير كفيف أو ضعيف البصر.