تقاريرُ إعلاميةٌ نقلت أمس عن مندوبة أمريكابالأممالمتحدة سامانثا باور، أن حكومتها ستقدم إلى مجلس الأمن مقترحاً يقضي بفرض حظر للسلاح على جنوب السودان وعقوبات إضافية محددة في وقت قريب جداً، وأوضحت في خطاب شديد اللهجة أمام مجلس الأمن أن جميع العناصر اللازمة لعملية الإبادة الجماعية موجودة في جنوب السودان، مضيفة أن المجتمع الدولي يجب أن يتحمل مسؤولية حماية المدنيين ومنع حدوث إبادة جماعية وشيكة، وأضافت: "في الأيام المقبلة ستضع الولاياتالمتحدة مقترحاً لفرض حظر الأسلحة على جنوب السودان وفرض عقوبات محددة على الأفراد الذين يعرقلون عملية السلام في البلاد". رأي آخر رغم اللغة الواضحة والمباشرة لممثلة واشنطون لمبررات رفع العصا في مواجهة الجنوب، إلا أنه على النقيض كان موقف مندوبَيْ روسياوالصين. ونقلت التقارير اعتراض ممثليهما على الإجراءات العقابية باعتبارها لن تؤدي إلى تحسين الوضع. وأوضحت روسيا أنها تعتقد أن تنفيذ مثل هذه المقترحات لن يكون مفيداً في تسوية النزاع بجنوب السودان، فيما أكدت الصين أنها لا تتوافق مع استخدام أو التهديد بفرض عقوبات. ليست الأولى مراقبون يذهبون إلى أن الإدارة الأمريكية أرادت أن تختم مساعي الفترة الماضية بالتقليل من حدة الأزمة الجنوبية بموقف صلب، حيث ظلت تُهدِّد بتوقيع العقوبات على جوبا حال لم تتوقف موجات العنف المُتصاعدة والتي وصفها المسؤولون الأمريكيون أكثر من مرة بالعنف الموجّه عرقياً، مُخلِّفاً ما يقارب مليونَي لاجئ ونازح طبقاً لتقديرات المنظمة الأممية. واشنطون سبق لها أن كشفت عن نيتها توقيع العقوبات، عبر ممثلتها في الأممالمتحدة سامنثا باور، ليشهد مايو الماضي تهديد الإدارة الأمريكية بذلك. لماذا تأخرت؟ وهل يمكن تطبيقها؟ تقارير إعلامية كشفت عن اختلافات حادة في الإدارة الأمريكية حال توقيع العقوبات على جنوب السودان، تحديداً في ملف حظر تصدير السلاح إلى جوبا، وأكدت أن مستشار الأمن القومي سوزان رايس، وقفت بقوة ضد فرض العقوبات على الجنوب، فيما أيَّد وزير الخارجية جون كيري الخطوة. الأممالمتحدة تبدو مسلوبة الإرادة إزاء رفض توقيع العقوبات على جنوب السودان، ويصف وكيل وزارة الإعلام السابق مصطفى بيونق المقترح الأمريكي بغير المنطقي لجهة أن الولاياتالمتحدةالأمريكية فشلت في توصيل القوات الإقليمية إلى الجنوب، وبالتالي لن تستطيع تمرير هذا القرار في مجلس الأمن خصوصاً في ظل رفض الروس والصينيين. واعتبر بيونق المقترح بلا فائدة لجهة أن حظر السلاح لن يمنع تدفقه وبرر لذلك بأن السلاح منتشر من دول الجوار ومن السوق السوداء، وأضاف: "المقترح لا يحل قضية الجنوب لذا أنا غير متفائل". تحديد أسماء بعينها في المقترح الأمريكي بدا مختلفاً هذه المرة. ويذهب مصطفى في حديثه ل(السوداني) أمس، إلى أن توقيع عقوبات على وزير الإعلام مايكل ماكوي ورئيس هيئة الأركان، فول ملونق، ورئيس المعارضة د.رياك مشار، لن يؤثر في أزمة الجنوب فهم ليس بيديهم شيء، وأضاف: "أمريكا تعلم أن حل المشكلة بيد الرئيس سلفاكير إذا اتخذ قرارات حاسمة تمكّنه من السيطرة على كل الأزمة، لكنه لا يريد ذلك". في المقابل نقلت تقارير إعلامية عن مبعوث الأممالمتحدة في جنوب السودان، فرانسيس دينق، مطالبته لمجلس الأمن بعدم السّعي لفرض عقوبات لجهة أنها تُفاقم الوضع على الأرض في جنوب السودان، وتساهم في علاقة عدائية بين المجلس وجوبا، وأنّه سيكون من الخطأ معاقبة هذا البلد الذي يعاني بالفعل من أزمة حادة. حديث الرجل ذي المكانة الدولية يزيد من احتمالات عدم إمكانية تمرير القرار وتوقيع العقوبات على الجنوب. المتحدث باسم (سلفاكير) أتني ويك أتني ل(السوداني): الجنوب سينهار وتسمية ملونق وماكوي استهداف كيف تنظرون للمقترح الأمريكي بفرض حظر سلاح واتهام فول ملونق ووزير الإعلام؟ استراتيجية فرض العقوبات لن تحل الأزمة في جنوب السودان بل ستزيدها تعقيداً، وجوبا تحتاج إلى الوقت والدعم والمصالحة للخروج من الأزمة، وليس للعقوبات أو التهديد بها أو حظر السلاح ومسؤولي الدولة. وما هو الموقف إذا اُتُّخذَ قرارٌ بذلك؟ إذا تم اتخاذ هذا القرار بحظر السلاح على حكومة جنوب السودان، فإن الدولة ستنهار، لأن لدى جوبا مسؤوليات كسائر الحكومات الدول ذات السيادة في العالم، بالتالي إذا تم فرض العقوبات فإن ذلك سيمنح مجالاً لحركة التمرد، حتى تسيطر على الحكومة في الجنوب. وما هو المخرج في تقدير حكومتكم؟ نحن كحكومة نطالب الإدارة الأمريكية بتغيير مواقفها إذا كانت تريد تحقيق السلام المنصوص عليه في اتفاقية السلام والعمل على استمرار تنفيذها، لأن الجنوب يحتاج إلى الدعم من قِبَلِ واشنطون حتى يستطيع تنفيذ الاتفاقية، وإذا أصرت أمريكا على حظر السلاح ستكون النتائج عسكية وسيكون الوضع صعباً. المقترح ضم مسؤولين مهمين مايكل ماكوي فول ملونق.. ما السبب؟ في الحقيقة ليست المرة الأولى التي تتحدث أمريكا فيها عن شخصيات في جنوب السودان، بل في أكثر من مرة تحدثت عن الرجلين دون توضيح الأسباب. عموماً إذا تم حظرهما فإن الخطوة ستضر بالسلام لأن الرجلين ليسا ضد الاتفاقية وتنفيذها. الموقف الأمريكي برمته يكشف إلى أي درجة وصلت الحكومة الأمريكية من عدم فهم لأزمة جنوب السودان وقضية تنفيذ الاتفاقية. ألم يوضح فرانسيس دينق أسباب ضم وزير الإعلام وهيئة الأركان في العقوبات؟ د.فرانسيس لم يعد مندوبنا في الأممالمتحدة، بل ماكوي بونا ملوال وكان خارج نيويورك، ونائبه فول مجاك حضر الاجتماع وأوضح أن تسمية الرجلين تعد استهدافاً لا يصب في مصلحة جنوب السودان. هل أقدمت بعثة جنوب السودان في مجلس الأمن على تحركات لاحتواء الموقف؟ البعثة فعلت ما في وسعها، وقدمت مذكرة لمجلس الأمن قالت فيها إن الدولة تحتاج إلى الدعم لا العقوبات أو التهديد بها، للمضي قدماً في الاتفاقية، وبالتالي فإن أي عقوبات على جنوب السودان لن تصب في صالح تنفيذ اتفاقية السلام. ألا ترى أن المقترحَ يعني تغييراً في الاستراتيجية الأمريكية تجاه الجنوب؟ لا.. فالولاياتالمتحدة دولة عظمى، ودولة مؤسسات ونتعامل معها كأصدقاء. وإذا أراد الرئيس المنتهية ولايته تضييق الخناق على دولة جنوب السودان، فإن علاقتنا طيلة الفترة الماضية اتسمت بالإخاء والصداقة، وظلت ذات طابع إيجابي جداً ما يجعلها تصمد، وإذا أراد أوباما المنتهية ولايته أن يضع الجنوب في وضع حرج لن يكون ذلك في صالح نهاية طيبة للعلاقة، لذا يجب أن لا يدخل إلى ذلك الملف، لأن جنوب السودان يحتاج إلى دعم وصداقة حتى يخرج من الأزمة، فحظر السلاح لا يأتي بالسلام. روسياوالصين وقفتا ضد نهج العقوبات لحل الأزمة؟ نحن نشيد بالدور الصيني والروسي، وكلتاهما دولتان صديقتان حميمتان للجنوب، وكذلك أمريكا لأنها ساهمت وقادت جنوب السودان إلى الاستقلال، وأعتقد أنهما وقفتا ضد التهديد بالعقوبات لأنهما تعرفان أن الجنوب يحتاج إلى الدعم لا العقوبات. المتحدث باسم (مشار) نارجي جيرمللي رومان ل(السوداني): الإدارة الأمريكية تكيل بمكيالَيْن كيف تنظر لمشروع القرار الأمريكي في مجلس الأمن؟ القرار بحظر السلاح في جنوب السودان والعقوبات على شخصيات بارزة في الجنوب هو قرار يمثل النظام الموجود حالياً في أمريكا، أي يمثل رأي الديمقراطيين، الذي سيسلم الحكم للجمهوريين، لذا نحن لا نعتبر أن ذلك هو الموقف الرسمي للإدارة الأمريكية. أمريكا دولة مؤسسات وإذا كان ذلك اقتراح مندوبها في مجلس الأمن فإن ذلك يمثل وزارة الخارجية ويمثل البيت الأبيض؟ خط الخارجية أو البيت الأبيض لكل نظام سواء كان جمهورياً أو ديمقراطياً يتغير لأن لكل منهما سياسة خارجية مختلفة تماماً. الصينوروسيا رفضتا المقترح؟ الروس والصينيون لديهم مصالح في جنوب السودان، بالتالي من مصلحتهم منع فرض أي عقوبات. ولكن نحن لا نمانع فرض عقوبات أو حظر سلاح على جنوب السودان حال تم بطريقة عادلة، بمعنى أن د.رياك فُرِضَتْ عليه عقوبات رغم أنه ضحية في أحداث 8 يوليو وفقاً للتقارير الأممية (الأول، والثاني، والثالث الصادر مؤخراً)، وتدل على أن سلفاكير هو المحرك للعنف ومجلس أعيان الدينكا هو العقل المدبر وفول ملونق هو المنفذ، بالتالي على أي أساس تتم معاملة الضحية بذات عقوبة القاتل. لكن القرار لم يتضمن اسم الرئيس سلفاكير؟ هذا ما يقدح في مشروع القرار لأنه لم يشمل سلفاكير، على الرغم من أن تقاريرهم تُحمِّله مسؤولية الحرب، وأنه أصدر قرار الحرب شخصياً، فلماذا لم يكن اسمه ضمن قرار العقوبات؟ وما الذي يعنيه ذلك؟ ببساطة هذا يعني أن الإدارة الأمريكية تكيل بمكيالَيْن، ولا تريد خلق نظام ديمقراطي حقيقي داخل جنوب السودان، وتحاول تصفية عداوتها مع الشخصيات غير المتفقة مع خطها العام في جنوب السودان. كما أن المقترح صمت عن تعبان دينق رغم أنه جزء من المؤامرة، ولم يتحدثوا عن باقان رغم ارتباط الشخصيتين تعبان وباقان بملفات الفساد. عموماً الطريقة التي تتعامل بها أمريكا مع الملف تشي بنوع من المؤامرة، كما أنها لا تريد الاعتراف بأنها سبب الأزمة في جنوب السودان. كيف تسببت في الأزمة الجنوبية؟ لأن د.رياك لم يذهب إلى جوبا إلا بعد ضمانات من الإدارة الأمريكية ووعود من جون كيري ودونالد بوث بأنه إذا ذهب إلى جوبا فإن 1370 جندياً سيحمونه، ورغم رفض مشار ذلك بسبب عدم تنفيذ الترتيبات الأمنية وأن ذهابه بهذه الطريقة يعني موته، إلا أنهم أصروا وقالوا: (سنمنحك كافة الضمانات لتنفيذ الاتفاقية). لكن عندما حدث خرق للاتفاقية بتكوين 28 ولاية وعندما تماطلت الحكومة عن تنفيذ الترتيبات الأمنية سكتوا. ربما لم يتوقعوا مآلات الأمور؟ على العكس، فقبل الأحداث بأربعة أيام فقط اجتمع مع مشار في منزله دونالد بوث وسفيرة الولاياتالمتحدةالأمريكيةبالجنوب، ولخص مشار لهما الوضع كاملاً عن مسار تنفيذ الاتفاقية، واتضح أن أمريكا على علم تام بشراء حكومة جوبا الأسلحة وتوزيعها وتعرف عن القوات القادمة من الخارج. رغم رفضكم لمقترح القرار، إلا أن حظر السلاح من شأنه إضعاف جوبا؟ على العكس، فرض حظر السلاح على جوبا لن يؤثر، لأن جوبا بالأصل تسلحت عن طريق مصر. وتُقدَّر صفقات السلاح ببلايين الدولارات، خصوصاً أنه بعد شهر من الأحداث، كانت هناك رحلتان مسائيتان إلى جوبا على مدار أسبوع، أي 14 رحلة لطائرات كبيرة، ولك أن تتخيل كمية السلاح الموجود، كانت مصر بمثابة ممر بالإضافة إلى دورها كوسيط في هذه الصفقات. ولكن ماذا ستستفيد مصر؟ مصر لديها مصالح في الجنوب بالإضافة إلى العائد الاقتصادي من صفقات السلاح نفسها.