هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته ونحن في بداية دراستنا الجامعيّة كان أحد الأخوان يردد علينا عبارة ظلّت ملازمة لنا ، فقد كان دوما ما يعلق على كل مصيبة تحدث للأمة الإسلامية بعبارته الشهيرة " الدين منصور" ، وإن كانت تخرج منه بتلقائية وبساطة ولكننا إذا وقفنا عندها سنجد أن هذه العبارة ذات مضمون كبير عبر عنه القرآن الكريم في قوله تعالى (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي إن لا تنصروه أي محمد صلى الله عليه وسلم فهو غني عن نصرتكم بنصر الله إياه ، فقد نصره في حين لم يكن معه إلا واحد لا يكون به نصر فكما نصره يومئذ ينصره حين لا تنصرونه . ثم ختم الله سبحانه وتعالى الآية بقوله : { وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } " والكلمة " أصلها اللفظة من الكلام ثم أطلقت على الأمر والشأن ونحو ذلك ، ومعنى السفلى الحقيرة لأن السفل يكنى به عن الحقارة وعكسه قوله (وكلمة الله هي العليا) فهي الدين وشأن رسوله والمؤمنين ، ( والله عزيز حكيم ) تذييل لمضمون الجملتين : لأن العزيز لا يغلبه شيء ، والحكيم لا يفوته مقصد . " من كلام العلامة ابن عاشور رحمه الله " . أسوق هذه المقدمة ونحن نعايش هذه الأيام ردود الفعل تجاه الفيلم المسيء للرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ، وعلينا أن نطرح عدة أسئلة ، أولها ما السبب في إساءة الغرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل هذه الإساءة جديدة؟ وهل لنا دور في خلق هذه الإساءة أو تعزيزها ؟ وكيف نرد على الإساءة ؟ وهل ردنا عليها يسير في الاتجاه الصحيح وفق تخطيط يفضي الى " نتيجة " ؟ أعتقد أن ردود الشارع الإسلامي تجاه هذه الإساءات " المتكررة " لنبينا الكريم تأتي دائماً غير مدروسة أو مخططة لذلك قد تأتي بنتائج عكسية ترتد في نحورنا أحياناً ، يجب أن نوجه الضربة المضادة إلى المتسبّب الحقيقي في الإساءة بتخطيط وحكمة نصيب بها الهدف ، ونحقق بها التعريف برسول الله لطائفة كبيرة من الغرب " تجهله " وتقف في الحياد ، أعجبني من أعلن عن إنتاج وتمويل فيلم بعنوان " عبقرية محمد (ص) " يعرّف فيه خٌلق وهدي رسولنا الكريم ، أعتقد أن هذا رد حكيم وإن جاء متأخراً ، لأننا مقصرون بالتعريف برسولنا الكريم للآخر ونتعامل بالفعل ورد الفعل في كل مرة . تتسم ردودنا بشكل عام في أنها تندرج في إطار رد الفعل ، انسجاما مع نخوتنا وعاطفتنا تجاه هذا الدين، وكما هو معلوم فإن ردود الأفعال غالبا ما تؤجج المشكلة ولا تنهيها وغالبا ما تولد مشكلة اكبر من الأولى. وقد نص الفقهاء أمثال الإمام الغزالي بعد أن نص على أن تغيير المنكر واجب، على أن تغيير المنكر يجب أن لا يأتي بمنكر اكبر منه، وأن الآمر والناهي يجب عليه أن لا يكون عشوائيا في رده وأن ينبني رده على أساس علمي دامغ؟ بناءً عليه فيجب على الرد أن يكون مخططا له كما الإساءة ، فالإساءة مخطط لها بشكل كبير، وعليه فالرد يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أن طائفة ليست بالقليلة من الغرب لا تؤيد الإساءة، وان طائفة أخرى محايده، والحذاقة تقتضي أن لا يحدث الرد تغييرا في المعادلة، بحيث يتحول المحايد إلى مسيء والمعارض إلى محايد، ونكون وقتها قد خسرنا المعركة. فالحكمة تقتضي أن نحول المحايد إلى معارض للإساءة والمؤيد المقلد إلى محايد على الأقل فنكسب المعركة ضد أعداء الله . نعتقد أننا نحاكم الغرب عندما " نعمم " الأحكام عليهم بما هو متخيل في عقولنا، فنحن نفترض أن " كل " الغرب يعرفون ما نعرف ونحاكمهم بناءاً على ذلك ، هل نعلم أنه في إستطلاع للرأى إتضح أن نسبة كبيرة من الأمريكان يعتقدون أن العرب يعبدون " القمر " ! والبعض يجهل حتى الموقع الجغرافي بل إسم كثير من البلدان الإسلامية ! . ورغم محاولة شرزمة من اليهود الطعن في هذا الدين الحنيف إلا أن هناك مبشرات في " زمن الوهن " ، فقد أخبر عليه الصلاة والسلام أنَّ هذا الدين سينتشر في جميع أنحاء الأرض، روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( إن الله زوى لي الأرض - أي ضمها وجمعها- فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها ) . ولاتحسبوه شرا لكم ، فقد إطلعنا على العدد الكبير من الدنماركيين الذين دخلوا في دين الله أفواجا بعد الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم ، التي كانت مصدر " حب إستطلاع " للتعرف على هذا الدين القويم ، ويتردد على مسجد كوبنهاجن وحده أزيد من عشرين شاباً لإعلان إسلامهم أسبوعياً وفق مصادر، وقد إرتفع الإقبال على شراء الكتب الإسلامية " المترجمة " في الغرب بنسبة فاقت كل السنوات الماضية ، وإزداد عدد المسلمين حتى في إسرائيل من أصل " يهودي " . وفي الدول الأوروبيَّة نجد دافعاً عجيباً وتلقائياً لمحاولة التعرف من السويديين على دين الإسلام، وإعلان الكثيرين منهم الدخول في الإسلام طواعيَّة، فخلال مؤتمر صحفي بالمعهد السويدي بالإسكندرية وفي ضربة موجعة للمناهضين للإسلام أعلن وفد شباب السويد المسلم اعتناق 15 ألف مواطن سويدي تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عاماً الدين الإسلامي بعد أزمة الرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم !! وتشير تقارير موثقة إلى أنَّ عدد المسلمين في السويد يبلغ الآن حوالي 120 ألف مسلم والملاحظ أن الإسلام ينتشر برغم غياب الدعاية الكافية له وبشكل خاص بين النساء من الجامعيات والشباب بشكل خاص . إن كل الإساءات السابقة والحالية وربما اللاحقة لمقدساتنا ورموزنا الدينية؛ لهي دليل على قوة الإسلام المتنامية بالغرب وتأثيره المباشر في حياة الملايين بأوربا، فهنالك إحصاءات حديثة صادرة أكَّدت أن محاولات تشويه صورة الإسلام والمسلمين وبِناءِ صورة سيئة لكل ما يتصل بالإسلام باءت بالفشل وأتت بنتائج عكسيّة ، وأن الإسلام مازال ينتشر في أوربا وأمريكا، فكثير من الناس يدفعهم حب الفضول والاستطلاع بما يقال وينشر في الإساءة للمسلمين، فيطالعون المصحف الكريم وبعض الأحاديث والسيرة النبوية، وما هي إلاَّ أيام أو أسابيع أو شهور حتَّى ينطق الواحد منهم بشهادة الإسلام ، وكما قال الله تعالى : (لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم) ، والدين منصور .