فلسفة الدولة في سياسات تحرير الدواء الأخيرة كما يقول المسئولون هي أن ال10% التي كانت تؤخذ من عائدات الصادر لصالح استيراد الأدوية، وهو أمر يتعبره خبراء الاقتصاد علامة مُشوهة في الاقتصاد السوداني لأنها تقوم على استقطاع أموال المُصدرين لصالح المُستوردين، إضافة لفلسفة أخرى وهي أن دعم الأدوية بصورته تلك كانت الاستفادة منه عامة للأغنياء والفقراء، لكن الدولة وطبقاً لحديث أمين المجلس القومي للأدوية والسموم د. محمد حسن الإمام لسودانية 24، تود توجيه دعمها للشرائح الضعيفة فقط، وستُحل قضية أولئك بعد التحرير بالتأمين الصحي، ويمضي الإمام في حديثه إلى أن الدولة لم تتخذ القرار إلا بعد الرجوع إليهم، وأن مجلسه قد أطلع مُتخذي القرار على كل تبعات التحرير وتأثيراته على السوق والمرضى. سبب الأزمة في مارس من العام 2013م أعلنت الدولة عن تخصيص 10% من عائدات الصادر لصالح الدواء، وذلك لمساعدة الشركات على استيراد مزيد من الأدوية، إلا أن ذلك الدعم وتلك النسبة من التخصيص انتهت في مايو من العام الجاري، ومنذ ذلك التاريخ بدأت تتراكم فواتير الشركات لدى البنك المركزي "أدوية مستوردة مدخلات إنتاج"، حتى فاقت قيمتها 136 مليون دولار في خمسة أشهر، وهنا يقول د. محمد حسن الإمام رئيس المجلس القومي للأدوية والسموم إن استمرار ذلك الوضع كان سيُحدث فجوة دوائية في السوق، مُقراً بأنها بدأت تحدث فعلاً لأنه خلال الأشهر الخمسة الماضية رصدت الإدارة المعنية فجوة في 40 صنف دوائي. للتحرير فوائد فائدة هذا التحرير بحسب المجلس القومي للأدوية والسموم أنه سيُحدث وفرة دوائية تخلق منافسة في السوق وعليه تلقائياً ستمضي الأسعار في انخفاض، وأبدى أمين المجلس أسفه على أن الرقابة على الأدوية في يد الولايات وأنه يقع عليها عبء متابعة تطبيق الأسعار المُحددة من المجلس، إضافة لرقابة الأفراد الذاتية حتى لا يحدث الاختلاف في السعر وإذا حدث يمكن للمستهلك اكتشافه من صيدلية لأخرى. بدائل التحرير موجودة اعتبر الصيدلي د. محمد صالح عشميق تحرير أسعار الأدوية "مشكلة حلت على قطاع الدواء"، مؤكداً على أن الحل بيد الدولة مُمثلة في بنك السودان ووزارة الصحة والمجلس القومي للأدوية والسموم، وأكد عشميق ل(السوداني) أن الشركات لن تصمد إزاء الإجراءات الاقتصادية الأخيرة، لأنها حتماً ستستورد بالدولار المُحرر وبالتالي ترفع أسعار منتجاتها أو تخسر رأس مالها، ويضيف عشميق بأن حديث المجلس الخاص بضبط التسعيرة وتحديدها وطباعتها على العبوات لا يتأتى في تذبذب سعر الصرف، مُبدياً أسفه على المواطن الذي أتت الزيادات الأخيرة فوق طاقة احتماله، ويذهب عشميق في حديثه إلى أن هنالك حلولاً غير التحرير كان الأجدى بأهل الشأن اللجوء إليها وتطبيقها، حيث قال بأن كُلفة استيراد الأدوية 300 مليون دولار إذا توفر منها للشركات فقط 200 مليون دولار، تكون قادرة على توفير الأصناف الضرورية من الأدوية، مُتعجباً من عجز الدولة توفير ذلك المبلغ، وشدد على أنه لا توجد دولة في العالم تُحرر الدواء وترفع يدها عنه تماماً، الحل يكمن في أن تتراجع الدولة عن قرارها وتطلع بدورها ولا تتنصل من مسئولياتها –حسب قوله - عليكم بالتبليغ أقصى تقدير للزيادات التي تصل لها أسعار الأدوية هو 126%، وطالب أمين المجلس القومي للأدوية والسموم المواطنين بالرقابة الذاتية على أسعار الأدوية الموجودة بموقع المجلس الإلكتروني والتبليغ على الخط الساخن 4545 حال وجود دواء فاق سعره الجديد 126%، فيما أبدى الصيدلي د. محمد عشميق استغرابه من ذلك الحديث وقال إن الزيادة وصلت ل 400% في بعض الأدوية، واستشهد بأن "أنبولة الأنسولين ارتفعت من 45- 150 جنيهاً، ودواء القرحة من 20- 71 جنيهاً، وبخاخ الأزمة النوع الأول ب400 جنيه، والثاني وصل ل700 جنيه.."، وهنالك أصناف زادت أسعارها من 300- 400%. السوق الأسود "مشكلتنا الآن ليست في إصرار المجلس على طباعة الأسعار على العبوات بالرغم من أنها لن تثبت في ظل الارتفاع المستمر للدولار"، هكذا بدأ مدير مستشفى النو د. معز حسن بخيت حديثه ل(السوداني)، مؤكداً على أن الأزمة في أن الشركات أصلاً وقبل التحرير كانت تشتري الأدوية بسعر السوق الأسود -أي بدولار مُحرر- وعليه تبيع بأسعار غالية حتى تُحقق ربحها، فلا يُعقل أن تتضاعف الأسعار بعد إعلان التحرير أيضاً وهي أصلاً مرتفعة مُدللاً على ذلك بأن عدداً من الأدوية التي سعّرها مجلس الأدوية والسموم بعد التحرير قلت أسعارها ما يؤكد على ضعف رقابة المجلس، فيما لم يُنكر أمين المجلس خلال حديثه أن الرقابة بالفعل ضعيفة وعلى الولايات الإطلاع بدور أكبر لضبط سوق الدواء، مطالباً الصندوق القومي للإمدادات الطبية بالشراء عن طريق العطاءات لكل السودان حتى يجد أقل الأسعار، وأن يتم إلغاء ربحية أي دواء بحيث يباع للمواطن بسعر تكلفة العطاء، إضافة لضرورة إلغاء تسعيرة مجلس الصيدلة والسموم فوراً ودعوة الشركات للتنافس الحر والشريف حتى يجد كل شخص فرصته وبالتالي تحصل الوفرة المنشودة.