من سيُقيِّم الخرطوم في الإدارة الجديدة؟ قد لا تلتزم إدارة ترامب بذات النهج القديم لسلفه بعقد اجتماعين في الشهر مع السلطات السودانية، لتقييم ما يجري وفقاً لمصفوفة محددة، لكن ذلك بطبيعة الحال لن يؤثر على متطلبات هذا الأمر التنفيذي، لأنها في ذات الوقت ستراقب بحذر تقارير التقييم التي يعدها وزير الخارجية ريكيس تيليرسون، مع وزير الخزانة ستيفن منوشن، ومدير المخابرات المركزية مايك بومبيو، إضافة لمدير الوكالة الأمريكية للتنمية. وستعتمد هذه المؤسسات على مصادر مختلفة تشتمل على منظمات المجتمع المدني السودانية. وإذا كان التقرير إيجابياً فإن الأوامر التنفيذية الأساسية سيتم إلغاؤها وستبقى فقط عقوبات دارفور – التي سمتها الأوامر التنفيذية 13400. الناظر لمعطيات الواقع يجد أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب أعرب مراراً عن عدم رغبته في أن تواصل الولاياتالمتحدةالأمريكية ممارسة دور "شرطي العالم"، وهو ما عبر عن موقفه الانكفائي بشكل عام "أمريكا أولاً"، إلا أن الثابت أيضاً أن المرشحين كثيراً ما يغيرون مواقفهم عندما يضطرون إلى اتخاذ قرارات صعبة لدى استلامهم سدّة الرئاسة. وفي حالة ترامب الذي قد لا يمتلك كبير خبرة في مجال السياسة الخارجية والأمن العالمي، ستكون النتيجة النهائية لأي أزمة إقليمية متوقفة إلى حدٍّ كبير على أعضاء الحكومة والمستشارين الذين يحيطون به. ويبرز اسم تيليرسون كخير مثال للتعبير عن طبقة الأثرياء ورجال الأعمال التي وصلت للسلطة، حيث يدير تليرسون واحدة من أكبر الشركات النفطية، ولا يمتلك خبرة كافية في السياسة الخارجية باستثناء علاقات قوية بدول النفط الخليجية، وأعلن عن أنه بصدد تعزيز التحالفات التي تؤمن المصالح والأمن الأمريكي. ولا يختلف وزير الخزانة ستيفن منوشن كثيراً عن سابقه، فهو مصرفي سابق في بنك (غولدمان ساكس) وهو صاحب شركة استثمارات معنية بإدارة الصناديق الاستثمارية الضخمة، لا تُعرف له مواقف فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، وأعلن أنه سيركز على إصلاح الاقتصاد الأمريكي. أما مايك بومبيو نائب ولاية كنساس الذي سيدير المخابرات الأمريكية، فإنه يتبنى مواقف متشددة ضد إيران ورجال الدين الذين لا يدينون الإرهاب ممن وصفهم ب"المتواطئين مع الإرهاب"، ويتطلع بومبيو إلى إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، كما يتبنى مواقف متشددة ضد روسيا في سوريا وأوكرانيا. ولا يجب هنا إغفال اسم مستشار الأمن القومي الجنرال مايكل فلين الذي تمت تسميته كمستشار للأمن القومي. ويرى مراقبون أن فلين كان يجب أن يعين كوزير للدفاع، إلا أن تقاعده في العام 2014م أعاق هذا التعيين، حيث يتعين مرور سبع سنوات لكي يحق للعسكري أن يأخذ منصب وزير البنتاغون، ويضع فلين مكافحة ما يسمى ب"الإرهاب الراديكالي الإسلامي" كأولوية، فيما يشيد بمواقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ويتطلع في ذات الوقت لتسوية مع روسيا. كما يبدو الاسم الأهم في هذه التشكيلة الأستاذ الجامعي وليد فارس أبرز المرشحين لإدارة ملف الشرق الأوسط، حَيْث نشط كمستشار لترامب في حملته الانتخابية، وبعد لقائهما قبيل الحملة الانتخابية٬ يقول فارس إن هناك شخصيتين لترامب؛ "الذي ظهر على شاشات الإعلام في شكل تلقائي وعفوي٬ وترامب الآخر الاستراتيجي في خياراته٬ فهو رجل أعمال لديه امبراطورية هائلة٬ ومشاريع في العالم كله". ويتابع: "ترامب لديه القدرة على معرفة الناس بحكم حجم أعماله٬ وأيضاً له علاقات وثيقة مع شخصيات نافذة في كل مكان٬ وعلى رأسها الشرق الأوسط ودول الخليج". ينحدر فارس من عائلة مارونية مسيحية ويعتبر أحد أبرز منظري "القوات اللبنانية"، ويصنف فارس حالياً بأنه خبير في مكافحة الإرهاب ويؤمن بمحاربة جماعة الإخوان المسلمين التي يرى أنها متشددة، ويقول فارس في تصريحات صحافية إنه من الداعمين لقوى الاعتدال٬ سواء في الحكومة أو في المجتمع المدني. ويبدو أن ترامب يعتمد في إدارته الجديدة على إدارة محافظة وصارمة لحكم الولاياتالمتحدة، يتركز اهتمامها في المقام الأول بالولاياتالمتحدة ومصالحها على الساحة الدولية. ويرى مراقبون أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستمارس نهجاً مغايراً تماماً لنهج إدارة أوباما في التعامل مع مشكلات الولاياتالمتحدة، مشيرين لوجود اختلاف كبير بين مقاربة الديمقراطيين والجمهوريين للسلطة، باعتبار أن الجمهوريين مندفعون ويفضلون الحسم بأقصر وأسرع الطرق على عكس الديمقراطيين، علاوة على أن الديمقراطيين يعتبرون آراءهم حقيقةً نهائية، ومن المستحيل أحياناً التوصل إلى اتفاق معهم، لأنهم يسعون إلى تحقيق أهداف عولمية ويعتمدون على ما يصفونه بالقيم الإنسانية المشتركة، وليس على المصالح القومية للولايات المتحدة. 2 كيف سيتعاطى ترامب مع السودان؟ مستندة على امتلاكها سلطة إلغاء الترخيص العام في أي وقت إذا واجهت أي عراقيل خلال الأشهر الستة ستتعاطى إدارة ترامب بنفس هادئ مع الخرطوم، وستراقب بحذر تقارير التقييم الدورية، لتعمل منكفئة على الداخل الأمريكي. فيما تحتاج الحكومة السودانية للتواصل مع إدارة ترامب بشكل فعال ومواصلة العمل بنسق واحد لإكمال مسيرة التطبيع الكامل مع واشنطن برفع اسم السودان من لائحة الإرهاب، وأن لا تكتفي بما تحقق حتى الآن، ويفضل أن يُواصل الفريق الحالي ذات المهمة بحكم خبرته السابقة. يقول وزير الخارجية السابق علي كرتي، إن إدارة الرئيس دونالد ترامب ستصل للسلطة وهي على قناعة بأنه لا توجد مشكلة في تنفيذ القرار، ويشير كرتي في حديث لصحيفة (اليوم التالي) لجهات حاولت التأثير على ترامب وطاقمه، لتقول شيئاً عن السودان في هذه الفترة، ويضيف كرتي: "إلى الآن فشلوا في دفعهم لقول شيء سالب، وهناك إمكانية أن يتم تحريكهم في الاتجاه الإيجابي، طالما دولة بكاملها اتخذت قراراً مثل هذا". ويقوم هذا السيناريو على أن إدارة ترامب ستنكفئ على الداخل، على أن تواصل مؤسساتها المعنية متابعة تقارير السودان، وفقاً لمعادلة محددة تتعلق بإبقاء السودان في ذات المسار بأقل تكفلة سياسية أمام جماعات الضغط، وقد يستدعي الأمر تعيين مبعوث خاص بدولتي السودان للتوصل لسلام دائم واستقرار سياسي. ثمة سيناريو آخر يتعلق بأن يلجأ ترامب لرفع العقوبات وعدم تعيين مبعوث خاص وإعادة ملف السودان للخارجية الأمريكية قسم الشؤون الإفريقية. 3 ما الذي قد يهم ترامب في الخرطوم أكثر؟! يرى محللون أن ترامب لم يُولِ إفريقيا بشكل عام أدنى اهتمام أثناء حملته الانتخابية ناهيك عن السودان، إلا أن أجندة القارة الإفريقية تفرض نفسها على إدارة ترامب أثناء إدارته للبيت الأبيض لعدة أسباب؛ تأتي في مقدمتها الحرب على الإرهاب، والصعود الاقتصادي لإفريقيا باعتبارها تمثل كنزاً من الموارد الاقتصادية والفرص الاستثمارية. وفي هذه المعطيات يمكن فهم التصريحات المنسوبة لترامب من الاستفادة من القرار وفتح سوق للسيارات والآليات الزراعية والتقنية الطبية وقطع الغيار للمحركات في السودان. واشتمل قرار الثالث عشر من يناير القاضي بتخفيف العقوبات عن الخرطوم لتنفتح كل التعاملات أمامها باستثناء المتعلقة بدارفور، والدول الراعية للإرهاب. وتتوقع الإدارة الإمريكية أن تشهد فترة الأشهر الستة تعاملات محدودة في السلع، والتكنولوجيات، والخدمات، أما فيما يتعلق بالاستثمارات الضخمة بالزراعة والتجارة النفطية فستأخذ فترة طويلة؛ وتبرر الإدارة الأمريكية ذلك بقولها: "إن الترخيص العام مجرد بداية للتحرك، وعليه فإن الشركات ستنتظر لترى ما يمكن أن يحدث خلال الأشهر الستة على الأرجح وفقاً لتجربتنا في العمل في هذا المجال".