ولعل ما وراء تلك الحادثة يعيد الذاكرة لمواقف وآراء أمين حسن عمر الذي يرى كثيرٌ من المراقبين أنه صاحب النداء الأول بضرورة الإصلاح والتغيير، ولمّا كانت تلك الأصوات تصدر في أجواء مليئة بالريبة والشكوك، وتفسر بأنها دعوة صريحة من الرجل لقيادات بارزة بالرحيل عن المشهد السياسي والحزبي، كان د.أمين قد شرع في إنزال تلك الأفكار لقواعد الحزب الوسيطة وهياكله التنظيمية المفرّقة في لقاءات متصلة إلى أن تحولت لمجموعات ضغط دفعت المحافظين لتقبّل فكرة الإصلاح والتغيير في الحزب والدولة. أبرز آراء واقوال د.أمين حسن عمر تجديد قوله السابق بعدم جواز إعادة ترشيح رئيس الجمهورية المشير عمر البشير لولاية ثالثة في أعقاب وجود أصوات عديدة ومزاعم عن اتجاه الوطني لتعديل الدستور لإعادة ترشيح الرئيس، وهو موقف لا يبدو جديداً لأمين الذي جاهر به قبل الانتخابات الماضية، مستنداً على رفض الرئيس للترشح لدورة رئاسية ثانية. وكان أمين قد وجه انتقادات للنائب الأول السابق لرئيس الجمهورية علي عثمان واتهمه بممارسة إرهاب معنوي لقيادات الوطني قبل فتح باب الترشيحات في الانتخابات الداخلية للحزب لاختيار مرشحه للرئاسة. الموقف الثاني تمثل في رفضه اختيار الولاة عبر "التعيين" وقال إن الولاة يجب أن يتم انتخابهم مباشرة من قبل المواطنين أسوة برئيس الجمهورية. ورأى د.أمين أن تتنزل السلطات والصلاحيات إلى أدنى عوضاً عن تكريسها في أعلى هرم الدولة، وكتب في ذلك رؤية سياسية مطولة تحت عنوان (الأدنوية هي الحل). سطور مدونته السياسية على الفيسبوك مترعة بأفكاره المنادية بالإصلاح، فأورد فيها ضرورة إصلاح الخدمة المدنية، مطالباً الاقتصاد بإنشاء الوظائف الحكومية، فلا تنشأ وظيفة إلا إذا مست الحاجة إلى إنشائها مع تحديد مهمتها بكل دقة، وتأهيل شاغلها للاطلاع بهذه المهمة، ما يعني الاستيعاب الأمين النزيه للوظائف بلا محاباة ولا محسوبية. د.أمين لم يُخْفِ تفحصه للمؤسسة العسكرية عن قرب، وشدد على ضرورة إصلاح المؤسسات العسكرية، وقال: "إصلاح الخدمة العسكرية وإن كان لا يستغنى عنه فليس مقامه المناسب صحائف الصحف.. والحكمة أن لكل مقام مقالاً وأن السر في محل السر والجهر في محل الجهر". مواقف وآراء حرة حال وضع كل ذلك جانباً فإننا سنجد أنفسنا أمام شخصية سياسية وفكرية اختلف الناس حولها أو اتفقوا إلا أنهم قد لايخطئون ثلاث صفات تمثل السمات الرئيسية لشخصية د.أمين وهي "النزاهة، عمق الفكر وطلاقة التعبير، الواقعية". يقول الذين يختلفون معه فكرياً وسياسياً إنه أشبه ما يكون بحبة كرز في بستان "الظنون" ويعتقدون أنه يتحلى بواقعية لا تجعله يبحث عن إقامة نموذجه الفكري في السماء وأنه دائم النظر في محيطه وتحت أقدامه. أما بعض مجايليه يشيرون إلى أنه رجل غير عاطفي يكتسب استقلاليته من زهده في السلطة والمواقع التي يعتقدون أنه أجبر كثيراً على البقاء فيها ولم يكن باحثاً عنها. ويرى صديقه د.صديق المجتبى ل(السوداني) أن أمين حسن عمر شخصية أسيرة الفكر أكثر من أي شيء آخر، وأحيانا يخلو من العاطفة التي يتجرد عنها تماماً في تناوله للموضعة فهو ينظر لأصل القضية ثم يتحدث ويكتب.. فيما يرى د.حسن مكي أن د.أمين رجل أديب وشاعر ومفكر، وكان من المبرزين في كلية الآداب بقسم التاريخ وإن كان تابع في ذلك لكان أكاديميا رفيعا، ولكنه دخل السياسة وسجن لمدة عامين وحفظ القرآن داخل السجن. له وعليه الهجمة الشرسة التي ظل يتعرض لها د.أمين منذ مفاصلة الإسلاميين وحتى فصل د.غازي صلاح الدين ظلت ترسم العديد من علامات الاستفهام حوله، ورغم دعواته الإصلاحية التي لا تروق لكثير من قيادات الصف الأول في حزبه، إلا أنه ظل يحتفظ بمساحة دافئة ونقاط التقاء عديدة، جعلته إلى جانب الاعتراف بمقدراته أحد أبرز صناع القرار في الحزب والدولة. فيما يرى منتقدوه أنه لم يوظف مساحة القبول التي يتحلى بها لتصحيح الكثير من المواقف والأخطاء التي شهدتها ساحات الحزب وهو ما يجعله طرفا أصيلا في كل الصراعات والاختلافات التي شهدها الوطني أو تلك التي كان ميدانها مؤسسات الدولة. ويرى أصحاب هذا الزعم أن د.أمين الذي انتقد د.غازي في وقت سابق لأفكاره الإصلاحية وموقفه من مرشح رئاسة الجمهورية "التزم الصمت" بل إن بعضهم يعتقد أن د.أمين شرعن لإبعاد غازي وآخرين، رغم أنه كان بمقدوره احتواء الأمر قبل أن يصل لمرحلة الطرد والإبعاد. وإن كانت تلك أقوال وهمسات فإن آخرين في حزب المؤتمر الشعبي يرون أنه أكثر الفاعلين الذين أسهموا في انقسام الحركة ويشيرون لمقدرته الواسعة على الالتفاف والتكتل وقدرته على إقناع من حوله والدفع بهم تجاه وجهة نظره، ورغم أن د.أمين اعترف بفضل د.الترابي بقوله إنه كان "المنهل والعلم" وأن ما تعلموه من الترابي منحهم الاستقلالية التي جعلتهم يختلفون معه، إلا أن د.عمار السجاد يقول في تعليقه ل(السوداني) إن أمين كان من المثقفين المقربين جداً من الراحل الترابي وقد كان الرجاء حوله كبيراً يوم كان "أممياً" وليس "أموياً" ولكنه بعد أن نال الصفة الأخيرة – باعتقاد السجاد - تحوّل لأموية "فظيعة " في أفكاره. وأعاب السجاد عليه انحيازه للسلطة وعدم انحيازه للفكرة ويضيف: "انحيازه للسلطة قزَّمه كثيراً وجعله موظفاً". بين الحب والانتماء كيف لرجل يقال إنه يحمل حباً كبيراً لمؤسس الحركة الإسلامية الراحل د.الترابي وقناعة بأفكاره أن يكون في صدارة الخارجين عليه؟ وهل يلام رجل كان أحد أركان المفاصلة بانحيازه للسلطة بدلاً عن الفكرة؟ يقول د.حسن مكي في تعليقه ل(السوداني) مجيباً أن د.أمين حسن عمر واجه صعوبات كبيرة في الموازنة بين محبته وولائه للراحل د.حسن الترابي وبين ولائه السياسي باعتباره من ركائز حزب المؤتمر الوطني، لكنه يشير إلى أن هناك أمراً ساعد د.أمين على التغلّب على ذلك، حيث يرى د.مكي أن سماحة رئيس الجمهورية ورئيس المؤتمر الوطني المشير عمر البشير جعلته يوافق على تلك الوضعية التي كان فيها د.أمين يحافظ على استقلالية آرائه حيث لم يكن أمين يؤمن بتعديل الدستور لإعادة انتخاب الرئيس وكان مع انتخاب ولاة الولايات وليس تعيينهم.