قلت لكم بالأمس من المهم الاحتماء من مفاجآت مفاوضات أديس بعبارة احترازية، وهي أن كل شيء هنا قابل لأن يتحول لنقيضه وكل خطوة للأمام قد تعقبها ثلاث خطوات للوراء!. تقلبات جنونية في المواقف واتجاهات الرياح، المكالمة الهاتفية التي جاءت لزميلي محمد عبدالقادر نائب رئيس العزيزة (الرأي العام) في الصباح كانت تقول: (التوقيع على الاتفاق النهائي سيتم خلال ساعتين)! والخارجية الأثيوبية في عجلة من أمرها أصدرت بياناً قالت فيه إن اتفاقاً وشيكاً سيتم اليوم، بل دكتور رياك مشار الذي أناب سلفاكير في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة صرح لقناة العربية بابتسامته الفالجة، بأن التوقيع سيتم خلال ساعات..! كل من تسأله قبل مغيب الشمس يردد لك ذات القول المتفائل ولكنني كنت على قناعة بأن دينق ألور هو من يملك كلمة السر!! تحدثت لكم بالأمس عن هذا الرجل وأن ابتسامته خرجت ولم تعد وأنه يجلس على حافة الانفجار، صدقت توقعاتي ذهبت إليه في بهو الفندق وعلى جواره زوجته الأثيوبية كان رده غاضباً و مقتضباً: (أبيي لم تحسم هؤلاء يريدون تجميدها سندفع بها لمجلس الأمن نريد حلاً نهائياً كفاية حلول جزئية)! وسلفا في وضع بالغ الحرج، هل يمضي بالاتفاق إلى نهاية الطريق أم يعلق كل ما تحقق في انتظار أبيي ما بها وما عليها! أبناء أبيي هم الأعلى صوتاً داخل الحركة بحكم تعليمهم ووجودهم في القيادة. وسلفاكير الذي يدير الحركة والجنوب بذهنية السلاطين وقبعة الكابويات لا يميل للحسم والدخول في مواجهات داخلية، قد توقد النار تحت مقعده المهتز! العلاقة المستقرة مع الخرطوم لها مستحقات وفواتير واجبة السداد، في مقدمتها فك الارتباط مع قطاع الشمال وتقديم تنازلات في أبيي! كان الخلاف أولاً حول مفوضية الاستفتاء، اقترح أمبيكي إدخال ممثل للاتحاد الإفريقي، الحكومة رفضت وطالبت بالعودة لنص البروتكول، جاء مقترح بأن يشكل قانون لاستفتاء أبيي مشترك بين الدولتين، اعترضت الخرطوم ووافق سلفا على أن يتم الاستفتاء وفقاً للدستور السوداني. ورقة أمبيكي نصت على أن يتم الاستفتاء في أكتوبر العام القادم، الحكومة قالت هذا توقيت مفخخ، لأن المسيرية لن يكونوا هناك وقت الاستفتاء، واقترحت أن يكون الاستفتاء من نوفمبر إلى يناير..! فشل الوصول لاتفاق يعني عملياً العودة للتصعيد المسلح، عدد من أبناء أبيي يرابطون ببهو فندق الشيراتون، ممثلو المسيرية يتابعون ما يحدث بهدوء قلق، وأمبيكي الذي ألغى سفره لنيويورك في انتظار توقيع الرئيسين، أصبح يتحرك بحماس فاتر وضيق بائن وأنفاس ساخنة، وليمان المبعوث الأمريكي يرفض بغلظة التقاط صور له وهو يحادث أنسة أمريكية حسناء، ولا يزال السفير الدرديري محمد أحمد يسجل غياباً عن بهو الفندق، اللجان تعكف على الصياغات النهائية، 8 اتفاقيات جاهزة تماماً ولكن تفاصيل صغيرة داخل ملف أبيي قد تطفئ كل شموع التفاؤل، وعاطف كير الناطق باسم حكومة الجنوب يخرج ليلاً ليقول إن الاتفاق النهائي سيتحول لبروتكول تعاون، طبعاً إرضاءً لدينق ألور وأبناء أبيي!.