لا تحزن.. الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعاتب سيدنا عمر في اتفاق الحديبية عندما قال (لا نقبل الدنية في ديننا).. ثم قبل ولزم قرسه.. الوثيقة التي وقع عليها لم تَخلُ من المُراوغة والالتفاف والتضليل لأصحاب الدعم والأجندات الخارجية برغم أنه لم تفت عليهم المراوغة وكشفوا الخدعة.. والنتيجة ما قالها مساعد وزير الخارجية الأمريكي لقوى الحرية والتغيير في زيارته الأخيرة قبل العيد.. قالت الخارجية الأمريكية بالواضح (إن أمريكا لن ترفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب ولن ترفع العقوبات بالكلية ما دامت القوانين المعارضة لحقوق الإنسان موجودة ويحتكم إليها في الفترة الانتقالية !!).. ولتوضيح ما حاولت الوثيقة تلبيسه على الناس نحاول التعليق على بعض النقاط المتعلقة بالتشريعات الإسلامية وأصولها مع بعض ملاحظات الشيخ عبدالحي يوسف وغضبته على تجاوز الوثيقة لبعض فروع الدين وعزته.. أولاً خلت الوثيقة من الإشارة إلى صفة الدولة وإلى دينها الغالب للبلاد ولغتها الرسمية ومصادر تشريعها التي عادة ما تكتب في الدساتير العامة للدول.. برغم أن هذه الوثيقة مرسوماً وليست دستورأ إلا أنه لا بد من (اللكنة)..!! (أ) بالنسبة للبسملة وصفته كرسول من الله سبحانه وتعالى فقد تجاوزها الرسول صلى الله عليه وسلم في اتفاق الحديبية عندما اعترض مشركو مكة على "بسم الله الرحمن الرحيم وأصروا على باسمك اللهم" وعلى أنه رسول من الله.. فمحاها رسولنا الكريم بنفسه. (ب) سحب كلمة إسلامية لاسم الدولة لن يفرق فالخلافات الأموية والعباسية ولا حتى المملكة العربية السعودية مهبط الوحى لم يتبعها "الإسلامية" ولم تخصم من هوية البلاد ولغتها ..وكما أن عدم التعرض لمصدر التشريع في الوثيقة لا يهم كثيراً لأن الشريعة بكاملها وتشريعاتها مضمنة في الوثيقة !! . (ج) حتى هذه حرص عليها أهل التغيير مكرهة (كتمويه) للدول الخارجية التي تربط وتشترط دعمها بإبعاد الإسلام السياسي وتشريعاته وفصلها عن الدولة (مكره أخاك لا بطل). (د) النقطة الأولى في الوثيقة تقول (يلغى العمل بدستور السودان الانتقالي 2005 ودساتير الولايات على أن تظل القوانين الصادرة بموجبها سارية المفعول طيلة الفترة الانتقالية ..2 تعتبر المراسيم الصادرة من 11 إبريل 2019 وحتى تاريخ التوقيع على هذه الوثيقة سارية المفعول ما لم تلغ أو تعدل من قبل المجلس التشريعي الانتقالي..). للتعليق على هذا واضح أن الشريعة الإسلامية وحاكميتها باقية وأن المجلس التشريعي الانتقالي يمكنه فقط تعديل دساتير 11 إبريل وليس له سلطة في إلغاء أو تعديل أي قانون في الدستور الانتقالي 2005 م القائم على القانون الجنائي للعام 1991 وهو قوانين الشريعة الإسلامية!! النقطة الثانية.. السيادة (السيادة للشعب وتمارسها الدولة طبقاً لنصوص هذه الوثيقة الدستورية وهي القانون الأعلى للبلاد وتسود أحكامهاعلى جميع القوانين).. للتعليق على هذه النقطة فهي للاستهبال فقط والاستهلاك السياسي.. لأن السيادة في هذه الوثيقة ليست للشعب وإنما هي سيادة لقوى الحرية والتغيير فهي التي وضعها وفرضها على المجلس العسكري والشعب المسكين!! معلوم بالضرورة أن سيادة الشعب تأتي بعد تفويضه لبرلمان في انتخاب عام وهذا يحدث بعد الفترة الانتقالية!! برغم المعلوم أن الحاكمية في السابق وفي الانتقالية الحالية هي لله ويمارسها هذا الشعب والحكومة الانتقالية الآن حتى يقضي الله امراً كان مفعولا. (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ..) القيم على كل الأديان وأن الله بالغ أمره..!! النقطة الثالثة تقول في المادة 54 من الوثيقة (إلغاء عقوبة الإعدام على كل من بلغ السبعين من عمره وعلى كل من لم يبلغ الثمانية عشر عاماً وقت ارتكاب الجريمة إلا إذا كانت العقوبة على جريمة حدية أو قصاص شرعي..) التعليق.. هو تأكيد على بقاء الشريعة وقوانينها الحدية في القصاص أو العفو لأولياء الدم وقبول الدية، كما أنها أبقت على حدود الحرابة والجرائم الكبرى. النقطة الرابعة – أن الوثيقة تحدثت عن حرية الاعتقاد وعدم إكراه أحد على اعتناق دين لا يؤمن به وعلى حرية التعبد والاحتفال لكل الأديان).. والتعليق أنها لم تلغ عقوبة حد الردة عن الدين الإسلامي بعد الإيمان والتسليم به. النقطة الخامسة – أنا هنا لا أقول إن ما جاء بالوثيقة اعتراف بالشريعة وحاكميتها هو الغاية المطلوبة والمنشودة ولكني أقبل به فقط رغم تجاوزها لهوية البلاد ودينها ولغتها بالضغط الدولي والداخلي والحرب الإعلامية والعسكرية على الإسلام نفسه والتآمر المستمر على نظامه حتى سقط.. ف(الكوراك) القائم منذ ديسمبر الماضي وحتى 11 إبريل لم يكن إلا لإلغاء هذا الدين وإبعاد شريعته وفصلها عن الدولة!! ولكن بإرادة الله الغالبة ومجاهدات التيار الإسلامي ونصر شريعته هو الذي أجبر العسكريين وقوى التغيير بالإذعان بحكم الشريعة وتثبيته في كل الاتفاقات حيث إن كلام تيار نصرة الشريعة كان واضحاً وموجهاً للمجلس العسكري بأنه إذا مست الشريعة بسوء فإن التيار الإسلامي سيسقط المجلس العسكري قبل أن يسقط (صراخ وكواريك) تيارات اليسار والعلمانية !! ..فكان الرد سريعاً من المجلس العسكري بأن الشريعة خط أحمر ولا نقاش فيها .. ونتيجة ذلك كان هذا التهرب الصريح للحزب الشيوعي من الاشتراك في الحكومة الانتقالية وكذلك تهرب الغرب وأمريكا من دعم الحكومة الانتقالية وكان كلام الحزب الشيوعي والإمريكان مباشر بأنهم لن يدعموا أو يؤيدوا نظاما يحتكم إلى قوانين ضد حقوق الإنسان وتقييد حرياتها!! الآن ليس هؤلاء وحدهم بل خرجت كل قوى التغيير من الحكومة التنفيذية والسيادية ولنفس السبب ولخوفها من الفشل أن يلحق بها.. فأصبحت الحكومة الانتقالية كجنازة البحر كما يقول السيد الصادق المهدي يمسك بها من لا يلام عليها!! ولذلك فإن ما يحتج عليه شيوخنا الآن يعتبر ربحاً وزيادة خير حتى الفترة الانتقالية.. وليتأكد أهل الإسلام أن ما يحدث الآن من ربكة وهروب من قوى التغيير ما هو إلا لثبات أمر الشريعة ولكنهم يختشون من الناس ولا يخافون من الله كما قال الفريق صلاح عبدالخالق وصديق يوسف بأن أساس الخلاف هو الشريعة وأن قوى التغيير لا تريد مناقشة الأمر أمام الشعب وأصرت على مناقشته في السر خوفاً أن تفقد كل شيء!! ونقول أخيراً لو أن الوثيقة قد ألغت الشريعة ما كانت ردت فعل الشيخ الطيب مصطفى بالقلم! وما كانت غضبة الشيخ عبدالحي يوسف ستكون بمنبر المسجد!! ولكن الله سلم ..الآن هذه المدنية لا بواكي لها ولا تأسف عليها.. وأن ثوارها من أهل اليسار في اسوأ حال من الإحباط والانهيار النفسي بتحطم وضياع كل آمالهم وأحلامهم!! وذلك لأن قوله هو الحق (.. فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ .. الأنفال).