لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلات الألماني روبيل في السودان ومصر والحجاز


مُراجعة: خالد محمد فرح
هذا الكتاب الذي يسرُّنا أن نضعَ بين أيدي قُرّاء العربية أولَّ ترجمةٍ له إلى هذه اللغة، يُمكنُ ترجمة عنوانه الذي هو في لغته الأصلية:
Reisen in Nubien. Kordofan und dem peträischen Arabien, mit Kupfern und Karten
حرفياً هكذا: "أسفارٌ في بلاد النوبة، وكُردُفان والبتراء العربية: خَاصّةً من منظور جُغرافي – إحصائي". ولكننا آثرنا التّصرُّف والتّرخُّص في ترجمة هذا العنوان، فعمدنا إلى شرح مدلوله، وإبراز حقيقة المقصود منه، من دون إخلال بالمعنى الذي هَدف إليه المؤلف في تقديرنا. وقد كان هدفنا من ذلك، هو أن ننقل مضمون ما قصد إليه المُؤلف بمُصطلحات مُعاصرة، وأكثر سيرورة، وأسهل إدراكاً بالنسبة لذهن القارئ غير المُتَخَصِّص في الوقت الراهن.
ولذلك فقد عمدنا إلى تعديل العنوان الأصلي، لكي يكون عنوان الترجمة الحالية هو: "رحلات في شمال السودان، وكُردُفان، وجزيرة سيناء، وساحل الحجاز". ذلك بأنَّ جميع تلك المناطق كما هي معروفة حالياً، وكَمَا ظَلّت تُعرف أيضاً منذ زمانٍ بعيدٍ، هي بالضبط، ذات المناطق التي ساحَ فيها مؤلف هذا الكتاب، الألماني الجنسية، الدكتور إدوارد روبيل، بين عامي 1822 و1826م، وألَّف عنها كتابه المعنيِّ.
فمصطلح "البتراء العربية" الجُغرافي الذي استخدمه المُؤلف في عنوان هذا الكتاب على سبيل المثال، قد يبدو عسيراً على الفهم والإدراك بالنسبة للقارئ المُعاصر، إن لم يكن مُضلّلاً له بالكلية. فقد لاحظنا أنه يَستخدمه لكي يدلل به على المنطقة التي تَشمل شبه جزيرة سيناء وحوض خليج العقبة والمنطقة المحيطة به، بما في ذلك الساحل الشرقي لذلك الخليج، اِمتداداً إلى ساحل الحجاز الشمالي. والحق هو أنّ مُصطلح البتراء هذا هو من مُخلفات الفكر الجُغرافي الروماني القديم، الذي كَانَ يُقَسِّم الجزيرة العربية إلى ثلاث مناطق أو أحزمة جُغرافية هي من الشمال إلى الجنوب: بلاد العرب الصخرية أو Arabia Petra، وبلاد العرب الصحراوية أو Arabia Deserta، وبلاد العرب السعيدة أو Arabia Felix التي هي اليمن. وقد كانت سياحة المؤلف في الواقع بعيدة جداً عن جميع تلك المناطق الثلاث، مِمّا حتم علينا تعديل العنوان هي هذه الجزئية.
أمّا مُؤلِّف هذا الكتاب الذي نحن بصدده، فهو الدكتور فيلهلم بيتر إدوارد سيمون روبيل Eduard Rüppell. وهو رجلٌ ألماني الجنسية، كان عالماً بالتاريخ الطبيعي، ورحّالةً، ومُستكشِفاً. وُلد الدكتور روبيل بتاريخ 20 نوفمبر 1794م بمدينة فرانكفورت، وتُوفي بتاريخ 10 ديسمبر 1884م. وقد نشأ في أسرة ميسورة الحال، إذ كان والده يعمل في مجال المصارف.
كان روبيل مُغرماً بالسفر والسياحة والاستكشاف منذ مطلع شبابه، مِمّا دفعه للسفر إلى مصر العام 1817م. وقد كانت تلك هي أول رحلة يقوم بها إلى أفريقيا بدون هدفٍ عِلمي مُحَدّد، إلاَّ أنّه قام بعد ذلك بين عامي 1822 و1827م، بجولة استكشافية كبيرة، وعبر رقعة جُغرافية واسعة، قادته إلى أرض النوبة بشمال السودان، وكُردُفان عبر صحراء بيُّوضة، حيث زار كُلاً من بارا والأُبيِّض وقد كانت يومئذٍ تحت حكم محمد بك الدفتردار صهر محمد علي باشا، عشية الغزو التركي المصري للسودان، ثُمّ اتّجه شرقاً وعبر النيل الأبيض مُروراً ببلدة ود شَلعِي، ومنها عبر أرض الجزيرة إلى ود مدني. ثُمّ اخترق أرض البُطانة واتّجه شمالاً إلى الدَّامَر، ومنها إلى مصر عبر شمال السودان مجدداً. وانطلاقاً من القاهرة، رافق روبل قوافل الحجيج المصري إلى جزيرة سيناء، وهبط معها بمُحاذاة الساحل الشرقي لخليج العقبة، ثُمّ سار بمُوازاة ساحل الحجاز الشمالي، إلى أن وصل إلى مدينة جِدَّة.
وقد دوَّن روبل مُلاحظات دقيقة للغاية حول كل ما شاهده خلال سياحته تلك، وإن شئنا الدقة فلنقل إنّه دَوّن مُلاحظات حول كل ما استوقفه وشدّ انتباهه بصفة خاصةٍ. كما أنّه رسم مجموعة من الصور والأشكال والخرائط، التي نشرها أيضاً مُلحقةً بنص مُدوِّناته عن وقائع رحلته المذكورة.
إنّ سياحة الألماني روبل في تلك الأقطار المُتباينة، والتي تشمل شمال السودان، وكردفان، ومصر، وشبه جزيرة سيناء، وحوض خليج العقبة، والحجاز والحبشة، وتأليفه عنها كتابه هذا بالتالي، تجئ في الواقع في سياق صحوة مَلحوظة أو انتفاضة، انتابت الدوائر العلمية، والتجارية، والسياسية، والعسكرية، والدينية التبشيرية الأوروبية، خُصُوصاً منذ أواخر القرن السابع عشر الميلادي، وبصفةٍ أخص خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حدت بتلك الدوائر إلى الاِنطلاق نَحو مُختلف أصقاع العالم، من أجل استكشافها، والوقوف على أحوالها، من مُختلف الجوانب والأبعاد، وذلك استجابةً لجُملة من الدوافع والأهداف الخَاصّة والعَامّة، والفردية منها والجماعية، التي تَهم أولئك الأفراد، أو تلك الدوائر المَذكُورة آنفاً.
وبوسعنا أن نذكر من بين تلك الرحلات الاستكشافية التي سبقت تاريخياً رحلة روبل التي نحن بصددها الآن، وعلى سبيل التمثيل فقط، وخصوصاً مما له علاقة بالسودان، وجواره الإقليمي العربي والأفريقي، رحلات كل من: القس البافاري ثيودور كرُمب TheodoroKrump، الذي زار سنار في عام 1701م وألّف كتاباً عن وقائع رحلته تلك، والتي ترجمها مؤخّراً إلى العربية لحُسن الحظ، السفير الدكتور أحمد المعتصم الشيخ، ونأمل أن نَرَى هذه الترجمة منشورة قريباً، والقُبطان والمُستكشف الدنماركي "فردريك لودفيج نوردن" Frederik LudvigNorden الذي أبحر في عباب نهر النيل في كل من مصر والسودان عامي 1737 و1738م، وألّف كتاباً في ذلك صدر عام 1755م، والمستكشف الدنماركي أيضاً كارستننيبور Karsten Niebuhr الذي قام بسياحة واسعة في أقطار الجزيرة العربية بين عامي 1761 و1767م، والاسكتلندي جيمس بروس James Bruce الذي قام برحلة من أجل اكتشاف منابع النيل العام 1772م، قادته إلى كل من الحبشة وسنار وشمال السودان ومصر، والإنجليزي جورج براون George Brown الذي زار دارفور انطلاقاً من مصر وشمال السودان عبر درب الأربعين العام 1793م، والسويسري جون لويس بوركهارت الذي قام بجولةٍ شملت مصر وشمال السودان حتى سنار، وجزيرة سيناء، والحجاز وبلاد الشام بين عامي 1813 و1817م، ثُمّ الفرنسي فريدريك كايُو الذي صحب حَملة إسماعيل باشا لغزو السودان العام 1820م، وألّف عنها كتابه الشهير "رحلة إلى مروي" أوVoyage à Méroé، وتلاه مُباشرةً الفرنسي أيضاً لينان دو بلفون، الذي كان أول مُستكشف أوروبي يَزُور مَعلَم "المُصوِّرات" الأثري المروي الشهير العام 1822م. هذا، إلى جانب مُستكشفين ورَحّالة آخرين، لا يتسع المجال لذكرهم جميعاً.
وللحقيقة، فإنَّ مُراجع هذه الترجمة، كان قد سمع لأول مرّة باسم الرّحّالة الألماني إدوارد روبل وكتابه هذا، عندما وقع على إشارة في معرض مُطالعته قبل بضعة أعوامٍ، في رسالة ماجستير في علم الآثار بعنوان: "المصوّرات الصفراء من منظور علم الآثار البيئي"، من إعداد الدكتورة "الآن" رشا حسن العطا، مفادها أن إدوارد روبل قد ذكر في كتابه الذي أوردت الباحثة عنوانه كاملاً بلغته الألمانية الأصلية، في الهامش بأسفل الصفحة المعنية، أنّه كان يود زيارة مَعلَم المُصوِّرات، ولكنه لم يتمكّن من ذلك.
ولما لاحظ المُراجع أنَّ تاريخ صُدُور كتاب روبل هو في عام 1829م وهو تاريخ مُتقدِّم نسبياً، مِمّا يجعله أول أوروبي معاصر ومعروف يزور كردفان وعاصمتها الأبيض، فقد حفّزه ذلك على السعي بكل ما أُوتي من عزمٍ على الاستعانة بمن عسى أن يستطيع ترجمة هذا السفر المُهم من الألمانية إلى العربية تعميماً للفائدة.
وهكذا اهتدى المُراجع إلى التّواصُل مع صديقه الطبيب الاِستشاري والمُثقّف والكاتب السوداني المقيم بألمانيا منذ بضعة عُقُودٍ، الدكتور حامد فضل الله، وعرض عليه القيام بهذا المُهمّة، فوافق على النهوض بها مشكوراً، فأنجز هذا العمل بكل هِمّةٍ واقتدارٍ بالاشتراك مع السيدة الفلسطينية الفاضلة المقيدمة بدورها في ألمانيا، الأستاذة "فادية فضَّة".
ولَعَلّ مُساهمة الدكتور حامد فضل الله الأساسية في ترجمة هذا العمل من الألمانية، تفتح الباب أمام المُثقّفين السودانيين الذين يجيدون هذه اللغة، فيبادرون إلى ترجمة مثل هذه المُصنّفات بل الكنوز المكتوبة بهذه اللغة إلى اللغة العربية، من أجل تعظيم الاستفادة مما فيها لسائر الباحثين والطلاب، وذلك على غرار ما صنع مثلاً، الشاعر الراحل الأستاذ النور عثمان أبَّكر، الذي صدرت له قبل وفاته، ترجمة كتاب الرّحّالة الألماني "بريم" 1847 – 1855 عن السودان، عن دار "مدارك" بالخرطوم.
هذا، وقد اقتصر دور المُراجع على مُراجعة اللغة والصياغة، وضبط أسماء الأعلام، والمواضع الجُغرافية، فاجتهد في هذا الخُصُوص ما وسعه ذلك، بالرجوع – بطبيعة الحال – إلى المَصادر والمَراجع ذات الصلة، وخُصُوصاً ما كان منها مُتعلِّقاً بتاريخ تلك الفترة مِمّا هو مُتوفّر لديه، وكذلك عن طريق الاستعانة بالخُبراء والمُختصين والعَارفين من بعض أبناء المناطق المعنيَّة.
إلى جانب ذلك، فإنّنا قد عمدنا إلى إدخال جُملة من الإضاءات على المتن، متى ما رأينا ذلك لازماً وضرورياً، وجعلناها في عباراتٍ مُقتضبة بين أقواس في سياق النص نفسه. كما حرصنا على ألاّ تبدو تلك الإضاءات مُخلَّة بتداعي السرد، أو مُشوِّشة على القارئ بقدر الإمكان. وفي نفس الوقت، تركنا الهوامش الاعتيادية التي تميل إلى التفصيل والشرح بإسهابٍ، في أماكنها بأسفل الصفحات، كما هو مُعتادٌ في إخراج الكتب وتنسيقها.
كذلك عمدنا إلى ترك بعض أسماء الأعلام والمواضع الجُغرافية كما رسمها المُؤلِّف نفسه بالحروف اللاتينية على الطريقة الألمانية بالطبع، إلى جانب تعريبنا لها بصورة قطعية غالباً، أو تقريبية افتراضية أحياناً، تدل عليها علامات الاستفهام التي أمامها متى ما وجدت، إذ عَسَى أن يتمكّن القارئ من فك شفرتها، فيقرأها على النحو الصحيح، الذي رُبَما شَقّ على الكاتب نفسه نطقه وبالتالي رسمه بطريقةٍ أقرب إلى الأصل.
وأما عن الدوافع والأسباب التي حَدت بنا إلى ترجمة كتاب رحلة روبل هذا إلى اللغة العربية، فلأنَّه – بحسب ما نعلم – لم يُترجم قط حتى إلى اللغة الإنجليزية ناهيك عن العربية. وذلك رغم أهميته البالغة في بابه، وثرائه الواضح، واشتماله على جُملة هائلة من المعلومات والبيانات والإحصاءات الجُغرافية والتاريخية والمناخية والصحية والطبيعية والاقتصادية والثقافية والآثارية والأنثربولوجية، التي تتعلق بالمناطق التي ساح فيها روبل وبسكانها، والتي يعنينا منها على وجه التحديد، وبصفةٍ أخص: سُودان أواخر القَرن الثامن عشر وأوائل القَرن التاسع عشر.
والمُلاحظ بصفةٍ عامةٍ، أنّ سائر المُؤلفات ذات الصلة، التي سبقت كتاب روبل هذا في الظهور، والتي أشرنا إلى البعض منها هاهنا، كثيراً ما يُستشهد بها كمراجع يرجع إليها الباحثون والطلاب في سائر مجالات العلوم الإنسانية التي ذكرناها آنفاً، ولكنهم نادراً ما يشيرون إلى شيءٍ مما أورده روبل في سفره هذا. وربما كان السبب في ذلك، هو أنه مكتوب باللغة الألمانية، التي هي لغة محدودة الانتشار في منطقتنا، مما مثل حاجزاً أساسياً حَالَ دُونَ الاستفادة مِمّا في هذا السِّفر طوال هذه السنوات. وذلك لعُمري، هو واحدٌ من الأسباب التي حدت بنا لتعريبه.
ولَعَلّ من غريب مَا يجدر بنا ذكره بهذه المُناسبة، إن البريطاني ريتشارد هِلْ Richard Hill، مؤلف كتاب: معجم تراجم أعلام السودان، أوA Biographical Dictionary of the Sudan الصادر في طبعتين، أولاهما في عام 1951 والأخرى في عام 1967م، والذي صدرت منه مُؤخّراً ترجمة إلى العربية بقلم الأستاذ سيف الدين عبد الحميد، لم يترجم لإدوارد روبل هذا من بين من ترجم لهم من سائر صنوف الكُتّاب والرّحّالة الأجانب الذين زاروا السودان، وألّفوا كُتُبَاً عن السودان منذ أقدم العصور وحتى عام 1948م، إلاَّ في طبعته الأخيرة الصادرة في عام 1967م، وذلك على الرغم من أن السير هارولد مكمايكل، الذي هو أحد أوثق مصادر هِل، قد ذكر في كتابه: "تاريخ العرب في السودان" أوA History of the Arabs in the Sudan، الرّحّالة روبل هذا بالاِسم، وأشار إلى أنه قد قابل "الحاج منعم" زعيم حَمَر في كردفان في حوالي سنة 1824 أو 1825م.
هذا، وإن كان لنا ما يُمكن أن نُشير أو نُنَوِّه إليها من مُميّزاتٍ بعينها، أو وقفاتٍ خاصّةٍ مع كتاب الألماني روبل هذا، من حيث المحتوى، مما يجعله جديراً بإقبال الطلاب والباحثين عليه، فَضْلاً عن عامة القُرّاء والمُهتمين، هو أنّه قد احتوى على قدرٍ هائلٍ من المَعلومات عن السُّودان وغيره من المناطق الأخرى التي زارها هذا المُستكشف، الأمر الذي من شأنه أن يروق ويستهوي علماء وطلاب التاريخ والجُغرافيا والآثار والإناسة والفلكلور وغيرها.
ذلك بأنّ المؤلف مثلاً، قد عَقَدَ أكثر من فصلٍ للحديث عن آثار السودان، ووصفها وصفاً تفصيلياً دقيقاً، من لدن حلفا شمالاً، وحتى البجراوية جنوبا وما وراءها، ونَشَرَ صُوَرَاً وأشكالاً ومُخَطّطات لبعض مُكوِّناتها ومَعالمها في كِتَابِه، وفي ذلك تتمثل أهمية ما لاحظ وكُتب ورُسم، ولو من باب معرفة وضع الحالة التي كَانت عليها تلك الآثار ومُحتوياتها في تلك الحقبة التّاريخية، بِمَا يُمكِّن من الدّرس والبحث والمُقارنة بما دُونه مُعاصروه، أو من أتوا بعده من الرّحّالة والمُستكشفين الآخرين، وبما حدث لها لاحقاً. وبهذه المُناسبة، فقد أوضح روبل أنّ الفرنسي كايُو الأذيع صيتاً منه بكل تأكيد، قد أخذ أشياءً منه ولم يشر إليها على حدِّ زعمه.
ولَعَلّ مِمّا تفرد به هذا الرجل وسبق إليه، أنّه ربما كان أول من أطلق فرضية احتمال أن يكون المعمار في مملكة مروي، قد تأثّر بفن العمارة الهندية، أو لعله من أوائل من قالوا بذلك على أقل تقدير.
وبالمُقابل، يقدم المُؤلّف كذلك، وصفاً حيوياً وأخَّاذاً لمدينة جِدَّة، ذلك الميناء الشهير بساحل الحجاز في خواتيم الربع الأول من القرن التاسع عشر، وحركة الحجاج والمُسافرين والتُّجّار بها، كما يُقدِّم أيضاً، وصفاً دقيقاً للخصائص الجُغرافية والطبيعية والسُّكّانية والاقتصادية لشبه جزيرة سيناء، ومنطقة شرق خليج العقبة، ومجمل ساحل الحجاز الشمالي خلال نفس الفترة.
أما فيما يتعلّق بشخصية روبل كما يُستشف من خلال أسلوبه ولغته، فنستطيع أن نقول إنّ روبل قد بدا شخصاً بسيطاً ومُتواضعاً ومُهذّباً بصفةٍ عامةٍ، وأنه قد انتهج تبعاً لذلك أسلوباً بسيطاً، ولغة سهلةً ومُباشرةً. وقد ظهر بصفةٍ عامةٍ كشخصٍ لا يميل إلى التهويل والمُبالغة، أو تَعمُّد إيراد الغرائب والأعاجيب. كما أنّه بدا خُصُوصاً غير مُفرط في إبراز مثالب الآخر غير الأوروبي على نحو ما دَرَجَ على ذلك بعض من سبقوه وبعض من أتوا من بعده من المُستكشفين والرّحّالة، الذين كانوا يَعمدون إلى تكريس وتَرويج صُور نمطية مُعيّنة عن الآخر، تكون سالبة في مُعظمها، وإن لم يخلُ كتابه من ذلك بصورة مُطلقة. على أنه بدا في كثير من الأحيان، مُنصفاً على الأقل، إن لم يكن مُتعاطفاً مع الآخر تماماً في بعض الأحيان.
هذا، ومن المُؤمل أن ترى هذه الترجمة النور خلال الأشهر القليلة القادمة بإذن الله تعالى، صادرةً عن دار "المصورات" بالخرطوم.
والله وليُّ التوفيق،،،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.