داخل مقر لإيواء الرهائن بإدارة مباحث كسلا تلاحظ أن نسبة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين أشهر إلى (13) عاماً بداخله أكثر من عدد الكبار وجميعهم يتم اختطافهم ومساومة أسرهم، كما أن أغلب الفارين من إريتريا هم من فئات الصبيان وتتراوح أعمارهم ما بين (13-17) سنة حيث يفرون من ويلات قضاء الخدمة الوطنية في بلادهم، داخل مركز الإقامة القصيرة لحين إكمال التحريات. أعداد مقدرة من الأسرة تم رصها بعناية ، داخل الدار بينما الفتيات كُن يجلسن مجتمعات. كانت تقوم إحداهن بعمل القهوة بينما تمت تغطية رمال الأرض بالبرسيم.. الفناجين مرصوصة بعناية على صينية تم غسلها وإلى جانب القهوة كانت هنالك آنية تحوي بداخلها (لبن بدرة) و(سكر) و(بهار القهوة) ، بينما توسط الغرفة صحن به فواكه وإلى جانبه قوارير المياه المعدنية والغازية التي حملها الأطفال ومن بين الأطفال كانت (ديبورا) تجلس هادئة حزينة.. (ديبورا)....أصغر ضحية تعرضت للخطف من قبل عصابات البشر وحررتها الشرطة بعد أن عثرت عليها مغطأة بجوال بأحد المنازل التي تستغل في إخفاء الرهائن ويقع المنزل بمنطقة حدودية تسمى (قلسا) ، فالطفلة الضحية فى نهاية عامها الرابع لا تجيد التحدث باللغة العربية ولكن بالاستعانة بإحدى الرهائن أجابت (ديبورا) والدموع تتقاطر من عينيها أنها تنتمي لإقليم (بارنتو) بإريتريا وأنها خرجت تقتفي أثر شقيقها الذي سبقها ويكبرها بعدة سنوات. تقول الطفلة إنهم كانوا ينوون السفر لأوروبا غير أن شخصاً غريباً من بني جلدتها قال إنه سيوصلها إلى حيث أسرتها فقام بخطفها من قريتها ووضعها على متن دراجة نارية إلى أن وصلا إلى منزل مجهول بقرية (قلسا) الحدودية. وبينما كانت الشرطة تبحث عن أسرة إريترية مختطفة، وصلت إلى المنزل الذي احتجزت فيه (ديبورا) وكانت بالمنزل سيدة تحمل طفلها وتقوم بإرضاعه، وفي تلك الأثناء طلبت منها الشرطة الدخول إلى منزلها لأغراض التفتيش إلا أنها عارضت الشرطة وأصرت على منعهم من الدخول إلى المنزل ، وكان إصرارها الملح سبباً في أن تصر قوة مباحث كسلا على اقتحام المنزل وتفتيشه وتوقيف السيدة إلى حين انتهاء عملية تفتيش المنزل، فكانت السيدة تتجول عيناها بخوف وهي تراقب الشرطة التي قامت بتفتيش عدد من غرف المنزل وازداد اتساع عيني السيدة حينما دلف أفراد المباحث إلى المطبخ وجالت أعينهم بداخله فكان كل شيء يبدو طبيعياً عدا جوال من الخيش كانت به حركة غير طبيعية إذ إن الجوال كان في أسفله كومة صغيرة ترتجف، اقترب أفراد المباحث من الجوال فازداد ارتجاف الشيء الذي بداخل الجوال فأمسك عناصر المباحث بالجوال وعندما رفعوه اكتشفوا أن تلك الكومة لم تكن سوى طفلة صغيرة هزيلة عيناها تتلألآن وبدأت الدموع تتقاطر والخوف والرهبة بدت عليها حينما امسك بيدها رجل المباحث. الطفلة كانت تظن أنها في خطر بينما كانت قوات المباحث قد تيقنت تماماً من أن الطفلة مختطفة، وما زاد الأمر تأكيداً أن أحد مرافقي وفد المباحث كان يتحدث بلغة (التقرنجة) فتحدث إلى الطفلة التي قالت إنها خائفة وأن أحداً لا تعرفه قام باختطافها وإحضارها إلى هذا المنزل بواسطة دراجة نارية. فتم القبض على السيدة وإحضار الطفلة إلى قسم شرطة المباحث وهو القسم المختص بالتحقيق في قضايا الاتجار بالبشر وهنالك تم التحقيق وتبين أنها مختطفة وأن خاطفها كان ينوي طلب فدية من أسرتها مقابل إطلاق سراح الطفلة لكنه لم يكن قد توصل إلى أسرتها بعد. اختطاف أسرة ... العملية الأساسية التي قادت لاكتشاف (ديبورا) وتحريرها، كانت عملية بقيادة رئيس مباحث كسلا نقيب يعقوب جداوي حيث تقدم شاب إريتري ببلاغ لدى مباحث ولاية كسلا بعد أن حضر إلى السودان بطرق رسمية وأفاد بأنه يعمل سائقاً لشاحنات وأنه كان بمنطقة (تسني) وعند عودته إلى منزله بضاحية (حي كوتا) الإريترية لم يعثر على أفراد عائلته وهم زوجته و(8) من أطفاله، فخرج في أثرهم بحثاً عنهم ولكنه أثناء البحث تلقى اتصالاً هاتفياً من غرباء أبلغوه بأن أسرته تم احتجازها بالسودان وأن عليه أن يدفع مبلغ (23) ألف دولار بغرض إطلاق سراحهم، فقام الأب المغلوب على أمره بتدبير المبلغ وحضر إلى (السودان) بعد أن حصل على الأذونات المطلوبة للدخول، وبعد الدخول وصل إلى كسلا وكانت العصابة تواصل اتصالها به وتارة يسمعونه صوت صغاره وهم يبكون عبر الهاتف وتارة أخرى صوت زوجته وهي تترجاه بأن يدفع المبلغ الذي طلب منه والإسراع بتحريرهم، وبالفعل دبر الزوج المبلغ وتواصل مع أحد أفراد العصابة والذي هدده بأنه في حال أبلغ السلطات السودانية فستتم تصفية أفراد عائلته وذلك المتهم كان يدعى (صالح) ، وحدد له موقعاً ..ضرب موعداً للقائه بالسوق الشعبي. إلى ذلك الوقت لم يكن الأب المكلوم قد تقدم ببلاغ ولم يخبر أحداً بما يدور معه سوى المتهم (صالح) الذى تواصل معه عبر الهاتف وبالفعل قابله وحينما تأكد المتهم من المبلغ الذي يحمله الرجل صحيحاً وأنه المبلغ كاملاً قام بإيقاف (تاكسي) وركب معه وظلت العربة تتجول بالمدينة، دارت العربة بوسط المدينة وحول السوق الشعبي وعدة أماكن وبعدها استلم المتهم المبلغ وأكد له بأنه سيتصل به ليخبره بالموقع الذي سيطلق فيه سراح أطفاله وفارقه. ظل الأب ينتظر المكالمة من جانب أفراد العصابة بفارغ الصبر بينما كان (صالح) يبحث عن وسيط في السوق لصرف تلك العملات، وبالفعل قام بصرف المبلغ وتحويل العملات إلى عملات سودانية ليصبح المبلغ (414) ألف جنيه (مليون بالقديم) ، ومقابل ذلك تلقى صالح مبلغ (11) ألف جنيه كعمولة له على المبلغ الذي قام بابداله، ومضت الأيام وبدأت المماطلة من جانب العصابة واستمرت المماطلة إلى أن طالبه أفراد العصابة بدفع مبلغ (25) ألف دولار مرة أخرى نظير إطلاق سراح الرهائن، كان المبلغ في هذه المرة أكبر خاصة بعد أن تيقن أفراد العصابة من أن الرجل قلق على أفراد عائلته وأن أقاربه في أوروبا سيسارعون بإرسال المبلغ . ابتزاز ومراوغة ... أصيب الرجل بخيبة أمل وبعد فترة من التفكير قرر إبلاغ الشرطة السودانية بعد أن سدت جميع النوافذ في وجهه، وبالفعل قام بإبلاغ الشرطة، وعلى الفور تم تشكيل غرفة للبحث والتحري وأدلى الشاكي ببيانات تتمثل في أرقام الهواتف التي كانت ترد إليه من أفراد العصابة، وعن طريقها تم التوصل لأول متهم وهو (صالح) إريتري الجنسية إلا أنه بتفتيشه عثر بحوزته على رقم وطني سوداني قام باستخراجه من الخرطوم بعد أن دفع مبلغ (300) جنيه حسب إفاداته، واتضح بأنه يعمل سائق تاكسي بكسلا وتبين أن عربة التاكسي التي يقودها (الأتوس) تعود ملكيتها له، حسب شهادة البحث، طالبته الشرطة بإحضار والدته، وعندما حضرت السيدة أكدت بأنهم إريتريين إلا أنهم حضروا من إريتريا بغرض الإقامة بالسودان حيث يقيمون بالضفة الغربية. تم تقسيم غرفة البحث والتحري إلى فرق وتولى المتحري (قيس) التحقيق في القضية وذلك نسبة لخبرته التي جعلته يعرف أساليب القوادين وتجار البشر. عقب تحديد أرقام الهواتف تم القبض على مجموعة من القوادين اتضح أن بينهم متهم مطلوب في بلاغات أخرى تتعلق بالاتجاربالبشر وفار من العدالة، وأثناء التحريات أرشد المتهم (صالح) على (سمسار) هو الذي اصطحبه إلى الصرافة وعن طريقه تمكن من صرف النقود وبالفعل تم استلام مبلغ (23) ألف دولار من الصرافة ووضع معروضات في البلاغ. تم تشكيل فريق لتمشيط منطقة (قلسا) الحدودية وتم تحديد منزل إلا أن الظلام كان حالكاً والمساكن جميعها مشيدة من القش بطريقة متشابهة، ولم يتمكن أفراد الشرطة من التعرف على المنزل المطلوب وكإجراء تحوطي عادت القوة أدراجها حتى لا تفسد العملية وعادت القوة صباحاً إلا أن القوة لم تكن لوحدها بل استعانت بقوات كبيرة من الطوارئ وتمت مداهمة منزل المتهم وبداخله عثرت الشرطة على كميات من الأسمنت ومياه الصحة التي تم رصها بعناية وكأن هنالك مناسبة وأثناء تفتيش المنزل عثر على الطفلة (ديبورا) كانت بداخل جوال داخل غرفة بالمنزل مستغلة كمطبخ وتم توقيف صاحبة المنزل التي حاولت مقاومة الشرطة في بادئ الأمر ومنعهم من الدخول، وأيضاً تم القبض على صاحب متجر اتضح أن الرهائن المختطفين تم إنزالهم بمنزله واستضافهم حتى غروب الشمس، وأكد بان الرهائن غادروا منزله مستقلين عربة، وفي حوالي الحادية عشرة مساءً تلقت الشرطة مكالمة هاتفية مجهولة أفاد محدثها بأن الضحايا سيطلق سراحهم خلال ساعات بمنطقة السوق الشعبي فسارعت الشرطة إلى منطقة السوق الشعبي وقامت بتمشيطها لتعثر على الضحايا الذين أنزلوا من سيارتين وبمجرد نزولهم فرت العربتان. تقول الزوجة المختطفة بعد تحريرها وتدعى (نجاة) إنها كانت تقصد مدينة كسلا اعتقاداً منها بأن زوجها أقام بمدينة كسلا، وعندما قررت التوجه لكسلا اصطحبت أطفالها الثمانية وخرجت فى أثر زوجها الذى يعمل سائق شاحنات، وتقول (نجاة) إن أسرتها تقيم بمدينة أسمرا إلا أنها عقب زواجها أقامت مع زوجها بمنزل بإقليم (حي كوتا) الواقع على مقربة من مدينة (تسني) الحدودية. وأضافت بأنها وأطفالها ظلوا يسيرون بأرجلهم لمدة (5) أيام قطعوا خلالها مسافة طويلة سيراً على الأقدام بغرض الوصول إلى الأراضي السودانية، وفى الشريط الحدودي استقلوا عربة (كارو) بغرض الوصول إلى الأراضي السودانية، وبالفعل وصلوا إلى داخل الحدود السودانية وهنالك قابلهم شاب وأكد لهم بأنه سيوصلهم إلى كسلا وهو من أقاربهم فاطمأنوا له وبالفعل أحضرهم إلى قرية حدودية وقام بإدخالهم منزلاً مكثوا فيه نهارهم، وعندما حل المساء وغربت الشمس قام الرجل باحضار سيارة وأدخلهم فيها، وقال لهم بأن السيارة ستوصلهم إلى كسلا، إلا أنه اتضح لهم فيما بعد أن الرجل الذي رافقهم من (حي كوتا) لم يكن سوى (قواد) وقام ببيعهم لصاحب السيارة الذي حملهم وأنه تلقى عمولته في العملية واختفى عن الأنظار. سارت بهم العربة ليلاً إلى أن أاوصلتهم إلى منطقة السوق الشعبي بكسلا وهنالك تم إنزالهم من السيارة ولاذوا بالفرار فعثرت عليهم الشرطة وأحضرتهم إلى دار الإيواء إلى حين اكتمال التحريات.