*خلال 30 سنة ماضية، تفنن نظام المعزول عمر البشير، في عقد المؤتمرات وورش العمل والندوات والسمنارات، بمناسبة ودون مناسبة، فتحول الأمر لمجرد عبث، وإهدار للأموال، ووسيلة للانتهازيين والنفعيين للحصول على فائض الصرف ومضاعفة التكلفة، وتوزيع الحوافز والساعات الإضافية. أما مصير توصيات تلك المؤتمرات، فهو أقرب سلة مهملات، لتفكر ذات الجهة في مؤتمر آخر. *أتحدى أي شخص أن يحصي عدد المؤتمرات وورش العمل والمنتديات والسمنارات، التي نظمت لمناقشة المشكلات الاقتصادية، أو يحصي عدد المؤتمرات حول السلام أو الهوية أو الوحدة الوطنية أو معالجة الفقر أو تحديات الألفية الجديدة أو مؤتمرات فرص الاستثمار في السودان، وإذا استطاع فعلاً أي شخص إحصاء ذلك فستكتشفون أن أزمتنا لم تكن فقط مجرد تنظير وفقر في الرؤى والتصورات للحلول، إنما مشكلتنا الأساسية هي كثرة التنظير دون التنفيذ والعمل، حتى ولو تحقق النزر اليسير من النتائج. *أكثر ما يُزعج في حكومة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، وخلفها تحالف قوى الحرية والتغيير، هو عدم الحساسية من تكرار التجربة البائسة للنظام السابق، وعدم الرغبة في تجنب أخطائها التي أوصلتها درك الهلاك.. مثلاً..!! *الوثيقة الدستورية، حددت مسبقاً بشكل واضح أولويات الفترة الانتقالية، وهي الأولويات التي ظل يكررها حمدوك في كل محفل لدرجة الملل، بداية من أولوية السلام مروراً بالإصلاح الاقتصادي ومعالجة معاش الناس، ثم إصلاح الخدمة المدنية..الخ. ورغم وضوح الرؤية تصر الحرية والتغيير على عقد مؤتمر حول الموضوع، والأغرب توقيت المؤتمر نفسه الذي جاء بعد ما يقارب 3 أشهر من تعيين حمدوك وحكومته، فلو كان الأمر بهذه الدرجة من الأهمية وعدم الإدراك، كان من الأجدى عقده قبل تشكيل الحكومة. *ليس هذا المؤتمر الأول الذي يستهلك فيه رئيس الوزراء ساعات قد يكون أحوج ما يكون إليها في موضوعات أخرى، فقد شارك في مؤتمر مماثل الأسبوع الماضي، وسبقه مؤتمر (تشاتام هاوس) بالخرطوم. ولو راجعنا خطابات حمدوك في كل تلك المؤتمرات لوجدناها خطابا واحدا تكرَّرت فيه الكلمات والعبارات. *يا أيها السادة والسيدات، أوقفوا هذا العبث، فقضايانا السياسية والاقتصادية، واضحة وضوح الشمس، وكذلك حلولها، ولو سألتم راعي الضأن في الخلاء فباستطاعته تقديم وصفات كاملة غير منقوصة، فبلادنا التي ورثت تركة ثقيلة من الفشل والانهيار الاقتصادي لا تحتاج لتفكير وتنظير، إنما في حاجة ماسة لعمل على رأس كل ساعة ودقيقة فلا داعي للمؤتمرات، وعبارات (أنا أعتقد وأنا أرى وأنا أقترح وهلمجرا). أخيراً قطع رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، خلال حديثه في مؤتمر الأمس، بأن الحكومة لن تقدم على رفع الدعم عن السلع، دون موافقة الشعب السوداني، ودون أي تردد من جانبي، أعلن باسم ذلك الشعب، رفض فكرة رفع الدعم جملة وتفصيلاً، ومنطقي في ذلك منطق مسطول راقب ذبابة دخلت من نافذة وخرجت من نافذة، فخاطبها بقوله (يعني عملتي شنو؟).