لم تكن معركة الشعب مع النظام السابق باليسيرة، فقد مهرت بالدماء الغالية، التي استمر نزيفها لأشهر، سقط القتلى قبل أن يسقط النظام.. ولم يكن يدري الخارجون على النظام بالمواكب السلمية للاحتجاج على ظروف معيشية أضحت فوق الاحتمال، أن يتم القمع بتلك الوحشية، وما كان يدري محمد عيسى الشهير ب(ماكور) الذي قتل أثناء مظاهرات احتجاجية بمدينة بربر- شمالي السودان، في ال20 من ديسمبر آخر عهده بالحياة، ليرتقي شهيدًا ويسجل في دفاتر أعظم الثورات السودانية بأنه أول من مهر الأرض بدمه ومات ليحيا وطنه. التستُر على الجرائم على الرغم من سقوط قتلى وجرحى منذ اليوم الأول للاحتجاجات في السودان إلا أن وزارة الصحة لم تكن تُعلن الوفيات، وتتستر على الأسباب الحقيقية للوفاة ما جعل عددا من الأسر تحتج على تقارير الوفاة التي قبل سقوط النظام لم يكن يُكتب فيها السبب الحقيقي، ووثقت وسائل إعلام عن أسرة الشهيد د. بابكر أنها رفضت التقرير لأنه جاء فيه أن سبب الوفاة مشاجرة، وليس طلقا ناريا. الجديد والحصري (السوداني) تحصلت على آخر تقرير أعدته لجنة أطباء السودان المركزية ولم يُنشر بعد، وجاء فيه أن عدد الإصابات في أحداث ما قبل اعتصام القيادة العامة في السادس من أبريل كانت 253 إصابة، وعدد الإصابات منذ السادس من أبريل إلى ما قبل فض الثاني من يونيو بلغ 400 إصابة، أما عدد الذين أُصيبوا بفض الاعتصام في الثالث من يونيو فقد وصل إلى 700 مواطن. تباينت الأرقام ظل حصر أعداد شهداء الثورة السودانية أمرا في غاية الصعوبة على الرغم من مرور أشهر على استقرار الأوضاع بالبلاد، إلا أن الجهات الرسمية والمنظمات التي تعمل في هذا الشأن لم تتفق على أرقام وإحصاءات واحدة، ابتداءً من وزارة الصحة التي ظلت تُقلل من أرقام الشهداء والمُصابين بصورة وُصفت بالبعيدة عن المنطق ولا تُصدق. ظروف غامضة وفيما يتعلق بالإجراء الذي كان يُتبع في حالات القتل إبان أيام الثورة الأولى وقبل سقوط النظام، قال مصدر مسؤول ل( السوداني): إن الحالة أولا تذهب للمستشفى للتأكد من الوفاة ومن ثم المشرحة، وفي المشرحة هنالك سجل يُدون فيه اسم المتوفى والشخص الذي قام بتسليمه للمشرحة، والنوع، إضافة لتاريخ الدخول، ورتبة الشرطي الذي وجد الجثة ورقم هاتفه، ورقم الدعوى أو البلاغ، وكذلك المستشفى الذي أثبت الوفاة والمادة، واطلعت (السوداني) على تقرير يونيو لمشرحة بشائر تكرر ورود المادة 51 في السجل بصورة كبيرة، وهي الوفاة في ظروف غامضة. ارتفاع أعداد الشهداء بحسب إحصاءات لجنة أطباء السودان المركزية التي تحصلت عليها (السوداني) فإن عدد الشهداء منذ ديسمبر وحتى الثاني من يونيو بلغ 101 شهيد، أما يوم فض الاعتصام في الثالث من يونيو قدَرت اللجنة وقتها الشهداء ب140، لكن بمرور الأيام ارتفع العدد إلى 200 شهيد منذ فض الاعتصام وحتى الأمس، لأنه وبحسب التقرير فإن هنالك عددا مُقدرا من المصابين استشهدوا، هذا فضلا عن مفقودين تم العثور على جثثهم فأُضيفوا لقائمة الشهداء. لكن بحسب تقرير اللجنة فإن ذلك الرقم – ال200 – يزيد ولا ينقص، وأن هنالك مسحا شاملا جاري العمل عليه للحصر الدقيق والتوصل لأرقام حقيقية مُثبتة يمكن الاستناد إليها. أما وزارة الصحة فكانت قد أحصت الشهداء بحسب وكيل الوزارة حينها سليمان عبد الجبار ل( السوداني) فقد كان عدد القتلى في يوم الثالث من يونيو 71 شهيداً، وارتفع بحسب آخر تحديث لأحداث الثالث من يونيو ووصل عدد القتلى ل97 شهيداً. المفقودون (السوداني) تحصلت على آخر تقرير أعدته مبادرة (مفقودين) التابعة للجنة الأطباء المركزية، وأوضح الحصر أن أعداد المفقودين من السادس من أبريل – أول أيام الاعتصام أمام القيادة العامة – بلغ 71 مفقودًا، عُثر على 52 منهم، فيهم 7 شهداء هم ( محمد محمود حمدي، زكي مجدي زكي، أحمد عدلان، عمار الدرديري، سراج عبد الرؤوف، قصي حمدتو، حسن عثمان أبو شنب)، وبحسب التقرير فقد عُثر على 26 من المفقودين أحياء منهم ست سيدات، فيما يظل 19 منهم مازالوا مفقودين يجري البحث عنهم، وهم ( آدم إسماعيل آدم، عبد الجليل إسحاق محمد، فضل أحمد جبورة، ناصر نصر الدين عمر، عبد الهادي حامد عبد الرحمن، نجمد الدين آدم بدوي، عمر أحمد محمد، إسماعيل التجاني الياس، محمد الطيب سليمان، المكاشفي مهدي علي، مصعب علي عبد الله، إسماعيل أحمد عبد المولى، أحمد محمد محمود، عبد الفتاح عبد القادر، سامي عبد الدائم عبد الرحيم، خالد آدم، محمدين عيسى إبراهيم، إضافة للطفل/ عبادي عثمان مهدي). تحقيق العدالة وأبدى تجمع أسر شهداء ثورة ديسمبر سخطهم من الحكومة الانتقالية، وقالت المتحدثة بإسم التجمع د. سعدية سيف الدين – شقيقة الشهيد عوض سيف الدين – ل(السوداني): إن قادة الحكومة جلسوا على كراسيهم فوق دماء الشهداء ونسوا قضيتهم فلم يعد القصاص أولوية بالنسبة لهم، وقالت إن أسر الشهداء مُحبطة جدًا من الوضع القائم وأن لديهم عددا كبيرا من الملاحظات أهمها الجانب القانوني الذي تسير به القضايا. وأضافت:أن قضايا الشهداء متوقفة بسبب عدم جدية الحكومة المدنية في الاقتصاص لهم الحكومة التي مهرت بدماء أبنائنا أصبحت قضيتهم بالنسبة لها ثانوية، مشيرةً إلى أن مشاكل السودان وأزماته لن تحل إلا بطي ملف شهداء الثورة وتحقيق العدالة. وأضافت: العالم لن يتسامح مع السودان ولن يزال اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب إلا بعد أن تطبق الحكومة عدالتها في مجزرة فض اعتصام القيادة وغيرها من الانتهاكات، مؤكدةً أن أسر الشهداء يشعرون بالخذلان من هذه الحكومة وأن دم أبناءئم قد ضاع هدرا، وقالت ( نحنا اتخذلنا) ولن نسمح بأن يضيع دم أبنائنا هدرا، وقالت: الوضع القائم يوضح أن المدنية التي ماتوا في سبيلها لم تتحقق وكذلك حق الإنسان السوداني في العدالة والعيش الكريم.