رسم الشارع الاقتصادي السوداني سيناريوهات عدة لشكل الموازنة العامة المقبلة مغايرة تماما لتلبية موازنة 2020م لمتطلباته وأحلامه في انتهاء الغلاء المعيشي وارتفاع اسعار السلع كافة والتي عانى منها الأمرين طيلة العقود الماضية، ولكن ابرز ما تضمنه برنامج الموازنة هو رفع الدعم عن المحروقات والذي يعتبر كارثيا خاصة على ذوي الدخل المحدود ونسف الفرح بالبشريات التي حملتها الموازنة بزيادة الأجور والمرتبات لنسبة (100)% ومجانية بعض الخدمات والوجبة المدرسية وزيادة كفالة الطلاب. تحرير كارثي: إعلان وزارة المالية عن إكمال تحرير أسعار المحروقات في موازنة 2020م بالبدء في تحرير البنزين في (مارس أبريل) المقبلين ويتبعها الجازولين في الربع الثالث من عمر الموازنة (أغسطس)، بخفض البند المخصص للجازولين لمبلغ (61,5) مليار جنيه في 2020م مقارنة ب(134) مليار جنيه في 2019م بنسبة (60)% من اجمالي الدعم، والبنزين إلى (5,5) مليارات جنيه مقارنة ب ( 22) مليار جنيه في 2019م بنسبة (10)% من اجمالي الدعم، مع ثبات الدعم في غاز الطبخ ل(56) مليار جنيه في كل من موازنة 2020 2019م قرار إكمال رفع الدعم عن المحروقات في هذا التوقيت بالذات يعتبر كارثيا لإسهامه في تفاقم الغلاء المعيشي للمواطنين و ارتفاع تكلفة ترحيل البضائع والسلع من مناطق الانتاج لمناطق الاستهلاك ( الأسواق) وغيرها، وارتفاع تعرفة المواصلات مما يعني المزيد من ارتفاع المعاناة للمواطنين ويهزم جهود الثورة الشعبية التي اشتعلت شرارتها الأولى بسبب الغلاء المعيشي و(معاش الناس ) ولذلك كان على حكومة عبد الله حمدوك التريث في رفع الدعم عن هذه السلع المهمة للمواطنين في العام المقبل لحين استعادة الاقتصاد السوداني لعافيته عقب تعرضه للانهيار طيلة العقود ال(3) الماضية في كافة مفاصله الحيوية . استقرار الاقتصاد: ركزت الموازنة الجديدة في اهدافها على تثبيت الاقتصاد الكلي وتحقيق استدامة الاستقرار الاقتصادي بضبط ومراجعة سعر الصرف والتضخم وتخفيف حدة الفقر وتحسين المستوى المعيشي وتقوية العلاقات الخارجية مع الدول كافة وبسط السلام الشامل وتحقيق الوحدة الوطنية وقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وحفظ التوازن البيئي المؤشرات الكلية: حددت الموازنة المقبلة الايرادات العامة ب (287) مليار جنيه بعجز يقدر بنسبة (2 و8)% مقارنة ب(3,7)% في 2019 ومعدل نمو (3,1)% واستهدفت تضخما بنسبة (28,7)%، أما الضرائب فقدر لها مبلغ (158,9) مليار جنيه، والايرادات العامة والمنح الأجنبية فقد رصد لها مبلغ (611,3) مليار جنيه مقارنة ب(164و8) مليار جنيه في 2019، الايرادات الأخرى (128,8) مليار جنيه، المنح الأجنبية (323,3) مليار جنيه، المشروعات التنموية النقدية (44,0) مليار جنيه مقارنة ب(9,4) مليارات جنيه في 2019 بمعدل تغير (3,33)%، المنح المتوقعة من أصدقاء السودان (279,3) مليار جنيه، المصروفات الجارية (626,6) مليار جنيه مقارنة ب(194,8) مليار جنيه في 2019، بمعدل تغير بالعملة يقدر ب(431,8) مليار جنيه وبالنسبة (221,6)%، وتعويضات العاملين (131,0) مليار جنيه مقارنة ب(48,8) مليار جنيه في 2019، سلع وخدمات (35,0) مليار جنيه مقارنة ب(21,1) مليار جنيه في 2019 بمعدل تغير (65,8) %، سلع وخدمات ممركزة (640) مليار جنيه مقارنة ب(124,9) مليار جنيه في 2019 بمعدل تغير (268.3)%. وتوقعت الموازنة أن يصل عرض النقود لمبلغ (1088,8) مليار جنيه بمعدل نمو بنسبة (59,0) % عن موازنة 2019م و المصروفات لنسبة (32,2) % من الناتج المحلي الاجمالي و نسبة (22,6)%مساهمة القطاع الزراعي من الناتج الاجمالي و(21,5) % مساهمة القطاع الصناعي من الناتج الاجمالي و(55,4)% نسبة مساهمة الخدمات في الناتج الاجمالي (9,0)% من الناتج الاجمالي للصادرات و(14,5)% الواردات، و(5,5)% من الناتج الاجمالي للميزان التجاري و(8,5)% من الناتج للميزان الكلي، و(5,0)% معدل نمو الاستثمار الكلي . وأشارت الموازنة المقبلة لانخفاض كلفة الدعم السلعي بما يقارب (90) مليار جنيه مقارنة ب(2019) من (223) مليار جنيه إلى (134) مليار جنيه بنسبة انخفاض (66,4)% عن اعتماد 2019 البالغ قدره (51) مليار جنيه، مؤكدة استناد كلفة الدعم السلعي في الموازنة الجديدة على الدعم المتدرج، وثبات البند المخصص للسلع الأخرى في (11) مليار جنيه في كل من الموازنة المقبلة وموازنة 2019. الإيرادات والمصروفات: حددت الموازنة المقبلة الايرادات العامة ب (287) مليار جنيه والمصروفات الجارية (626,6) مليار جنيه مقارنة ب(194,8) مليار جنيه في 2019، بمعدل تغير يقدر ب(431,8) مليار جنيه، وما يؤخذ على هذه الموازنة استمرار الأخطاء السابقة المصاحبة لإعداد الموازنات العامة في ارتفاع حجم المصروفات والإنفاق مقارنة بالايرادات المتوقعة، مما يعني المزيد من الفشل في التوجه نحو خفض الانفاق الحكومي المتوهل منذ أعوام طويلة وعدم توجيه صرف الايرادات نحو تمويل القطاعات الانتاجية الحقيقية تمويل الموازنة: تعتمد الحكومة الانتقالية في الموازنة المقبلة على القروض والمنح والدعم الخارجي في تمويل الصرف على بنودها وتوفير النقد الأجنبي بالاستفادة من علاقاتها الخارجية، وأشارت إلى أن المنح المتوقعة من أصدقاء وشركاء السودان في مجتمع التنمية الاقليمي والدولي (279,3) مليار جنيه فضلا عن تمويل (20) مشروعا في الموازنة، ومن الخطأ الاعتماد في غالب تمويل الموازنة على دعومات مجهولة المصير ورهن احتمال وصولها من عدمها مما يوقع وزارة المالية في مأزق تحديد بنود بلا موارد في الموازنة أو تؤخذ كما يقال (طاقية دا فى طاقية داك) والإدارة بالبركة كما كان سائدا في النظام البائد . وترتكز الموازنة كما اشارت المالية في برنامجها على التمويل عبر استرداد الأموال المنهوبة، وهي أيضا تقع في خانة احتمال أن تأتي أو لا تأتي، ولكننا نساندها بقوة في الجزئية التي أشارت اليها عرضا والخاصة بالاعتماد على تعبئة الموارد الذاتية وبناء شراكات فعالة مع المهجر السوداني والقطاع الخاص . تصاعد تضخمي استهدفت الموازنة المقبلة متوسط معدل تضخم بنسبة (28,7)% وخفضه تدريجيا وهي نسبة مرتفعة كذلك مقارنة بالرقم الأحادي المحدد عالميا ولم تشر وزارة المالية في موازنتها للسبل التي تتبعها لخفضه علما بأن ارتفاع متوسط معدل التضخم بدأ منذ نهاية 2017 ببلوغه نسبة (34)% واستمر في التصاعد ل (60,67)% في نوفمبر المنصرم وأتوقع أن يستمر في التصاعد ما لم تحل الأزمات الاقتصادية الراهنة خاصة الارتفاع الحاد المضطرد في أسعار كافة أسعار السلة الرئيسية التي يتم احتساب التضخم على أساسها واستمرار عدم التوازن بين معدل الانتاج ومعدل الاستهلاك للسلع نتيجة تغير النمط الاستهلاكي في أوساط المواطنين، فضلا عن ارتفاع تكاليف تمويل استيراد السلع الضرورية والتي ترفع من أسعار النقد الأجنبي بالسوق الموازي لحصول الموردين على الدولار منه لشحه في المصارف واستمرار تدهور سعر الصرف، واستمرار المضاربات في النقد والتي قفزت بأسعار الدولار إلى (88) جنيها بالسوق الموازي. ويحتم الوصول إلى موازنة مستقرة آمنة اتخاذ اجراءات صارمة لضبط انفلات التضخم أولا واستقرارسعر الصرف الرسمي والجمركي ثانيا، وقد عانى الاقتصاد السوداني ويعاني الأمرين من مشكلة تذبذب وعدم استقرار سعر الصرف والذي أحدث مشكلة الدولرة وتحول العملات الأجنبية خاصة الدولار إلى سلعة تباع وتشترى وتحتكر وولد كذلك ما يسمى باقتصاد الندرة خاصة في السلع المستوردة والمحلية التي يستورد خامها من الخارج . عرض النقود : توقعت الموازنة المقبلة ارتفاعا ليصل عرض النقود لمبلغ (1088,8) مليار جنيه بمعدل نمو بنسبة (59,0) % عن موازنة 2019، مما يتطلب المزيد الاجراءات لاستعادة ثقة الشعب في النظام المصرفي والذي تأزم بسبب الاجراءات السابقة التي اتخذها النظام البائد بتحجيم السيولة . (60) جنيها لدولار الموازنة: ومن المدهش استهداف الموازنة لسعر صرف أسمته توازنيا وواقعيا ومرنا في حدود (60) جنيه للدولار وهذا سعر كبير جدا حتى في حسابات السوق الموازي يسهم فورا في الارتفاع في السوق لمبلغ يتجاوز ال (100) جنيه للدولار ويزيد مستقبلا من نشاط الاتجار فيه وسيادة مضارباته . وينبغي على الحكومة الاهتمام بتحقيق استقرار سعر الصرف من خلال لجوئها بشكل جدي لاستقطاب الموارد الحقيقية تقليلا لاتساع الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي للدولار والذي أكدت بيانات رسمية استمرار اتساعها في ديسمبر 2014 إلى (48)%، وفي 2015 إلى (64)% وفي 2016 إلى (131 )%، وفي المتوسط في 2017 إلى (238)% .