أقر مشروع موازنة الحكومة للعام 2020م رفع الدعم تدريجياً عن الجازولين والبنزين، وإبقاءه على الخبز وغاز الطهي. مع معالجات اجتماعية تتضمن منح دعم اجتماعي لحوالى 900 ألف أسرة، وتوفير وجبة مجانية لتلاميذ المدارس، وزيادة عدد المكفولين صحياً، وزيادة الإنفاق على التعليم والصحة. لمناقشة الآثار المترتبة على هذه المقترحات لا بد إبتداءً من تثبيت حقيقتين. أولاهما: أن نسبة عدد سكان السودان تحت خط الفقر كبيرة فهي تتجاوز 60% وهذا يقتضي مد يد العون من الحكومة لهذه الفئة. وثانيهما: إن دعم السلعة، بمعنى تسليمها للمستهلك بغير ثمنها الحقيقي، فيه تشويه كبير للعملية الاقتصادية، حيث يترتب على هذا استفادة المقتدرين بصورة أكبر من الفقراء، كما يترتب عليه نشاط التهريب للدول المجاورة التي لا تدعم السلع. إنطلاقاً من هاتين الحقيقتين فإن الدعم الأمثل يجب أن يكون نقدياً، وأن يوجه بصورة حصرية للسكان تحت خط الفقر. الدعم النقدي يكون بإحدى صورتين: الأولى تعويض البائع نقداً عند تسليمه السلعة المعينة للمستهلك المستحق، وهذه هي الصورة المطبقة في مصر والأردن عن طريق بطاقة تموينية الكترونية. والصورة الثانية تسليم المستحق مبلغا نقديا كعلاوة أو مرتب يمكنه من شراء السلع التي سوف ترتفع أسعارها حتماً برفع الدعم، وهذا هو الأسلوب الذي أقرته فيما يبدو مقترحات موازنة الحكومة للعام م2020. في كلا الطريقتين فإن العنصر الأهم هو تحديد المستحقين للدعم بصورة دقيقة. وهذه في رأيي النقطة المركزية التي يترتب عليها نجاح أو فشل الموازنة عند تطبيقها وتحويلها لميزانية تمشي بين الناس، ذلك لأن تشتت الدعم النقدي وذهابه لغير المستحقين يترتب عليه زيادة حالات الفقر والغبن الاجتماعي ونشوب ثورة الجياع لا قدر الله. إن عدة هيئآت ومؤسسات في الدولة ينبغي تنسيق جهودها ومعلوماتها لتنفيذ عملية حصر المستحقين. هذه الجهات تشمل: الجهاز المركزي للإحصاء، السجل المدني، ديوان الزكاة، الولايات والمحليات والوحدات الإدارية، لجان التغيير والمراقبة. يجب تكوين لجنة عليا للحصر من كل هذه الجهات إضافة لخبراء ومستشارين، تحت إشراف رئيس مجلس الوزراء، والرئاسة الفعلية لوزير المالية والتخطيط الاقتصادي، على أن يكون مقرر اللجنة العليا مدير الجهاز المركزي للإحصاء. وأن تنفق عليها وزارة المالية بسخاء. يعتقد أن الحصر الدقيق يجب أن يتم عبر استمارات واستبيانات ورقية واليكترونية، تراجع معلوماتها بمرجعية السجل المدني، وتتضمن عملاً ميدانياً تقوم به لجان التغيير والمراقبة تحت الاشراف الفني للجهاز المركزي للإحصاء. على أن يتم كل ذلك خلال الفترة من يناير وحتى مارس 2020م. وينصح بألا يتم رفع الدعم بأي نسبة إلا بعد استكمال تحديد ال 900 ألف أسرة المستحقة للدعم وتخصيص المال للصرف لها.