أصدرت وزارة الصناعة والتجارة بياناً صحفياً، شددت فيه على دورها في خدمة الاقتصاد الوطني، بعد غيبة طويلة دامت منذ فبراير 1992، وأكدت الوزارة بأنها قامت بتنفيذ منشور بنك السودان الذي أصدره للبنوك التجارية مؤخراً، والخاص بضرورة الحصول على موافقة مسبقة من وزارة التجارة، بغرض فتح الاعتمادات للاستيراد، وهذا الإجراء يحدد من هو المستورد الحقيقي، بحيث يكون له سجل ساري المفعول وله فواتير حقيقية. وعليه أصدر وزير الصناعة والتجارة قراراً وزارياً بالرقم (7) لسنة 2020م، بإنشاء لجنة لمراجعة أولويات الاستيراد من الجهات ذات الصلة، تختص بإصدار ونشر ضوابط إجراءات الاستيراد، واستلام طلبات الاستيراد من كافة المستوردين وفحصها وتصنيفها، وفقاً لأولويات الاستيراد على أن ترفع توصياتها للوزير، ويكون له حق التصديق النهائي على طلبات الاستيراد. هذه عودة لنظام رخص الاستيراد الذي كان سائداً في فترات سابقة، وهو النظام الذي فتح باباً كبيراً للفساد، حيث كانت رخص استيراد السكر والعدس والكبريت وغيرها تباع في ظل شجرة كبيرة معلومة كائنة تحت وزارة التجارة الحالية. فهل العصر والزمان مناسبان للعودة لنظام رخص الاستيراد؟ وهل هذا النظام مفيد للاقتصاد؟ من الواضح أن وزارة التجارة تخلط ما بين دورها كراسم للسياسات التي ينبغي أن تنفذ في إطار تنظيم التجارة، واستيعاب مطلوبات اتفاقية الكوميسا واتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والاتفاقيات التجارية الثنائية. وما بين العمل التنفيذي اليومي المكلفة به هيئة الجمارك وهيئة المواصفات والبنوك التجارية وديوان الضرائب. إن تدخل وزارة الصناعة والتجارة بالصورة المذكورة في خطاب الوزير لن يؤدي إلا لتعقيد إجراءات الاستيراد، وتعطيلها بصورة غير مبررة. هل تعتقد وزارة التجارة أنها بفرض رخص الاستيراد أو الموافقات المسبقة على الاستيراد تساعد في الحفاظ على النقد الأجنبي وإعادة تخصيصه للضروريات بدل السلع الكمالية؟ إن هذا اعتقاد خاطئ تماماً، لسبب بسيط هو أن المال الذي يتم به الاستيراد حالياً ليس هو مال الدولة، وليس من احتياطات بنك السودان، إنه من أموال المغتربين التي يشتريها منهم المستوردون خارج السودان، أو من أموال المصدرين بعد وفائهم بعوائد الصادر حسب منشورات بنك السودان ووزارة الصناعة والتجارة نفسها. هؤلاء المستوردون إن وجدوا تعقيدات في إجراءات استيراد السلع للسودان فإنهم سوف يتجهون بمستورداتهم لدول أخرى مثل تشاد، أو دولة جنوب السودان. أو لاستثمارها في شراء الشقق بمصر. وبهذا يقل عرض السلع في السودان، فتحدث ندرة في بعض السلع المهمة مثل الأرز والعدس والشاي وغيرها، وفي نفس الوقت تفقد الدولة العائدات الضخمة من الرسوم الجمركية على بعض السلع الكمالية مثل سيارات الركوب الفارهة والتفاح الى آخره من السلع التي لها زبائن قادرون على شرائها. ندعو وزارة الصناعة والتجارة وبنك السودان للاهتمام والتركيز على السياسات الداعمة للصناعة والزراعة المحليتين، من تشجيع للاستثمار وتنفيذ للإعفاءات المتعلقة بهذين القطاعين، لأن هذا هو السبيل الأوحد لحفز تحويلات المهاجرين وعائدات الصادر جميعها للتدوير داخل السودان تجارة أو استثماراً. والله الموفق.