قبل أن يتثاءب ليل الأمس ويغط في نوم عميق دلف صاحبنا لاهثا مسرعا الى مقر إقامته بأحد فنادق جوبا المنمقة المموسقة متوكئا على عصا الرهق والذبول بعد يوم شاق مرهق، وساقته قدماه المثقلتان بهموم الوطن، ليرتمي في أحضان مضجعه المصدوم ،متوسدا التفاؤل الباذخ optimisim وأمل الوطن الأخضر: السلام الوضيء . peace. ولكن قبل أن يداهم رسول السلام الفريق اول جمال عمر وزير الدفاع نعاس فاتر لعين ، ،تسللت أصابع مصيبة الموت فجأة دون استئذان لتخترق نافذة قلبه المرهق فتوصدها، وتنقبض انفاس "جمال"، ويسلم الروح لبارئها. وتلفت الوطن يمنة ويسرة مكذبا الخبر لولا أن نعاه الناعي. ووقف الوطن ثاكلا:"وليس النائحة كالثاكلة"، يجهر في همس جهير : اليوم أنعي نفسي،فقدت اليوم أغلى، أعز وأنبل رجالي، وغابت اليوم عنا نادرة من نوادر قواتنا المسلحة، كان مخلصا لمهنته، ومخلصا لمسقط رأسه "حجر العسل" ومخلصا لوطنه الذي ضحى بروحه من أجل ان يراه صاعدا الى قمة هرم المجد والشموخ. يقول عنه رفقاء دربه وأصدقاؤه: كان "جمال" الجليس الذي لا يطريك، والرفيق الذي لا يملك، والجاد الذي لا يستبطنك.فقدنا لطفه، وكرم خلقه، نأى به طبعه الرقيق، ولسانه العف عن لجاجة المخاصمة، وفتنة الغرور، ولا ينطلق لسانه إلا بالقول المعروف. ويشهد أهله وبنو جلدته، بسخاء يده، وندى راحته. تعلقت روحه تعلق وفاء وعمق انتماء بوطنه الكبير"السودان". وينطبق عليه تعبير دكتور منصور خالد "كان رجالا في رجل". سهر "جمال" الليالي من أجل بناء جيش واحد موحد للوطن. نادى مخلصا في آخر خطاب له بوحدة الصف والكلمة، ونبذ الخلاف والاختلاف والفرقة من أجل بناء وطن العدالة والحرية والديمقراطية. قال عنه الدكتور عبد الله حمدوك رئيس مجلس الوزراء ناعيا رصيفه: لقد فقدت بلادنا رجلا ودودا مخلصا، أمينا محبا لتراب وطنه. وقد كان جسرا للتواصل بين التوأمين: المجلس السيادي ورصيفه المجلس التنفيذي.عطر الله مرقده. برحيلك "ياجمال" طويت صفحة وضيئة من تأريخ الوطن الحبيب.وبرحيلك "يا جمال" ذابت الكلمة الطيبة، وغابت البسمة العذبة. وبرحيلك "يا جمال"وئدت الطرفة النادرة. ان جرح أحبابك فيك لغائر ،ومكانك بينهم لشاغر…..تفتقدك اليوم "يا جمال" أسرتك المكلومة: زوجك المصون، وفلذات كبدك وأهلك وعشيرتك وأحبابك . يفتقدك اليوم "ياجمال"رفقاء السلاح ، وكنت الربان الماهر لسفينتهم. يفتقدك اليوم "يا جمال" وطنك الصغير"حجر العسل" ولم تبخل فقد مددت يدك البيضاء لكل من عبست الأيام في وجهه.وطبعت البسمة الندية على الثغور الظامئة. يفتقدك اليوم "يا جمال" الوطن" الكبير الذي يكفي ان فديته بروحك الغالية…..يا إلهنا قد جاءك الخاشع، الخاضع الزاهد" جمال عمر" يبتغي رحمتك ،عفوك ورضاءك. فأغدق عليه من فيض رحمتك،عفوك ورضاءك. "ووسده الباردة". وأدخله الجنة مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا. واجعل البركة في أفراد اسرته وأحبابه… إنا لله وإنا إليه راجعون.