أصدر السيد وزير الصناعة والتجارة قراراً يقضي بإلغاء نظام توزيع الدقيق للمخابز عبر وكلاء المطاحن. وجه القرار باستلام الدقيق يومياً بواسطة المناديب المفوضين لوزارة الصناعة والتجارة، ومن بعد ذلك تسليمه للولايات عبر وكلاء تختارهم الولايات، وأن يتم التوزيع وتحديد حصص المخابز داخل كل ولاية عبر خطة تعدها الولاية، بالتعاون مع لجان التغيير والخدمات والرقابة الشعبية. يأتي القرار على خلفية أزمة الخبز وصفوف المواطنين المتطاولة أمام المخابز، وتهديد اتحاد المخابز بالإضراب عن العمل بسبب عدم التجاوب مع مذكرات الاتحاد المتعددة بخصوص معالجة المشكلة. ومن الواضح أن القرار وضع وكلاء الدقيق كمسبب رئيس للأزمة، وقرر إنهاء وجودهم بصورة كلية من منظومة توزيع الدقيق. إن التحليل الخاطئ للمشكلة يترتب عليه علاج خاطئ. وهو ما يحدث في هذه القضية. مشكلة رغيف الخبز وظهور الصفوف أمام المخابز تظهر وتتفاقم في حالتين: الأولى عندما تقل كمية الدقيق الموزعة من المنبع (المطاحن)، والثانية عندما تضعف الرقابة، فيتسرب الدقيق المدعوم من صناعة الخبز للصناعات الأخرى. صحيح أن نظام الوكلاء الحالي يحتاج لإصلاح لكنه ليس السبب الأساس في مشكلة الصفوف لا الآن ولا في الماضي. إلغاء نظام الوكلاء الحالي بصورة فجائية، ودون تجهيز البديل، سوف يمثل أزمة إضافية تنعكس بمزيد من الرهق على المواطنين. إصلاح نظام الوكلاء وإعادة تنظيمه مهمة شرعت فيها ولاية الخرطوم قبل شهور، ولكن أوقفها حل اللجنة العليا للدقيق والمحروقات بالولاية. وأيلولة أمر الدقيق والخبز للجنة أخرى كونها السيد وزير الصناعة والتجارة الاتحادي. ومن الواضح أن قرار الوزير الأخير سحب اختصاصات هذه اللجنة نفسها . لفت نظري في قرار الأخ وزير الصناعة والتجارة الاتحادي أن وزارة الصناعة والتجارة الاتحادية سوف تتسلم الدقيق من المطاحن وتسلمه للولايات. هل تملك وزارة الصناعة والتجارة الاتحادية القوة البشرية والمعينات التي تمكنها من هذه العملية الهائلة؟ هل يعلم السيد وزير الصناعة والتجارة الاتحادي ان توزيع 40 ألف جوال دقيق يومياً على حوالي 3500 مخبز بمحليات ولاية الخرطوم السبع يتطلب 400 شاحنة صغيرة (دفار)، وألف من القوى العاملة للرفع والتفريغ، ومئات آخرين للرقابة . وفوق ذلك يتطلب ترتيبات مالية لمبلغ لا يقل عن 20 مليون جنيه يومياً. وإذا تحدثنا عن السودان كله فسوف يحتاج الأمر لضعف الأرقام التي أوردتها. أنها عملية هائلة يومية أشك في مقدرة وزارة الصناعة والتجارة الاتحادية على القيام بها. أخشى أن يكون قرار السيد وزير الصناعة والتجارة قفزة في الظلام بسبب التحليل الخاطئ للمشكلة، ونوصي أن تفوض الوزارة المحترمة صلاحياتها في هذا الشأن للولايات، على أن تمدها الولايات بخطة التوزيع الضامنة لوصول الخبز للمواطنين، والمانعة لتسرب أو تهريب الدقيق خارج القنوات الرسمية. والله الموفق.