ليلة السبت الماضي، شاهدت ثلاثة برامج تلفزيونية، في قنوات فضائية سودانية، وكلها تناقش الوضع الراهن في البلد، كان آخرها البيان الذي تلاه السفير عمر مانيس، وزير رئاسة الجمهورية، وبحضور المهندس صديق يوسف ممثل قحت، وبحضور سعادة الفريق ياسر العطا، من مجلس السيادة، بمناسبة مرور سنة على إسقاط الإنقاذ. وكان هناك لقاء مع المهندس عمر الدقير في قناة السودانية 24، ولقاء على قناة النيل الأزرق مع الدكتور حيدر إبراهيم. المهندس عمر الدقير، اتسم حديثه بالشفافية والنقد البنّاء، فقد وضع النقاط على الحروف، ووضع يده ومبضعه السياسي على مواقع الخلل في أداء حكومة قحت، مع أن حزبه أحد مكوناتها، ولكنه كسياسي يعرف من أين تؤكل الكتف، فأقل ما يقال عنه إنه "نتف ريش" قحت، وعرّاها تماماً، ليس من منطلق الشماتة والتشفي، ولكن كما يبدو لي أن الرجل إنما أراد أن يلفت انتباه الجهاز التنفيذي، لعله يصلح من "عوجة رقبته". الدقير أوضح أن بعض القرارات التي اتخذتها حكومة قحط تفتقر للسند القانوني المعقول أو الوجيه، وهي بالتالي يجب أن تتصف بالبطلان؛ تحقيقاً لمبدأ العدالة الذي تنادي به قحت، ورفعته كأحد شعارات ثورتها! ويكفي في هذا المقام، إشارته الذكية لشركة الفاخر، التي اختارتها وزارة المالية بطريقة غير واضحة لتسند إليها مهام غاية في الحساسية، بدون توضيح أسس الاختيار؛ وحتى بعد أن حامت الشبهات حول هذه الشركة، لا تزال وزارة المالية تلوذ بالصمت المخجل تماماً، وكأن وراء الأكمة ما وراءها؛ ولذلك فإن الأمر يحتاج توضيح حتى يكون الشعب على بينة. كما ذكر الدقير في معرض حديثه أن الفشل أصبح سمة ملازمة للحكومة في جميع جوانب الأداء. وكفى بهذه من شهادة عن حكومة قحت، ولا أقول حكومة حمدوك؛ لأن الرجل قد ثبت، بما لا يدع مجالاً للشك، أنه مجرد "درقة" لقوى الحرية والتغيير، فهي التي جاءت به، ليتولى العمل التنفيذي، ويتحمل كامل المسؤولية وعواقب الفشل المحتوم، بينما قوى اليسار تستمر في تنفيذ مخططها الخفي، الذي لا علاقة له بمعاش الناس وصحتهم، وأمن وسلامة البلد، وتحقيق العدالة. أما الدكتور حيدر إبراهيم فقد تحدث عن مفاهيم الديمقراطية والاشتراكية، وعلاقة ذلك بالإسلام، من منطلق أكاديمي، ولكنه لم يستطع الفكاك من خلفيته الشيوعية! وما فهمته من حديث الدكتور حيدر، وهو مؤلف لعدد من الكتب في المحاور المذكورة آنفاً، أن كافة الأحزاب، غير اليسارية، التي حكمت السودان، بما في ذلك حزب الأمة، والحزب الاتحادي، والإخوان المسلمون، وكلها أحزاب ذات مرجعية دينية، لم تكن لديها رؤية واضحة حول التنمية، وإدارة التنوع العرقي والثقافي، ووصف سلوك بعض المجتمعات السودانية بأنه غير إسلامي. ونقد التجربة السودانية التي سعت لفرض الدستور الإسلامي بدون تقديم مقترح أو تصور واضح لذلك الدستور. ووصف الدكتور ثورة قحت بأنها شبيهة بالثورة الفرنسية، التي مهدت الطريق لتقدم الممارسة السياسية في الغرب بأكمله، وليس فقط فرنسا لوحدها، مشيداً بما يسمى بلجان المقاومة، التي قال إنها تشبه، لحد كبير، مجموعات السوفيات في روسيا البلشفية! وكأني بالدكتور يقول للشعب السوداني ألا مخرج لكم من الأزمات المتكررة إلا أذا ابتعدتم عن الإسلام السياسي ولجأتم للبديل اليساري! ولكنه لم يقدم أنموذجاً واحداً لنجاح الفكر الشيوعي، في كل منطقتنا، يمكن اتخاذه سابقة لبناء دولة على أساس الاشتراكية. إن ممارسة الحزب الشيوعي السوداني ارتبطت بتشريد الناس، والإقصاء والتآمر، ويكفي دليلاً على ذلك تجربة المرحلة الأولى لمايو والوضع الراهن. من جانب آخر، استوقفني ذلك البيان الهزيل الذي صدر، بعد الاجتماع المشترك بين قحت ومجلس السيادة ومجلس الوزراء. فقد جاء فيه: "ناقش الاجتماع بكل شفافية وتجرد ما تحقق خلال الفترة الماضية وما لم ينجز من مهام الثورة، واتفقت الأطراف الثلاثة على ضرورة تعزيز الثقة بين مكونات السلطة الانتقالية وعملها بشكل جماعي؛ من أجل استكمال مهام الثورة، ووقف الاجتماع على الأزمات التي تضرب البلاد والمهددات التي تواجهها، وأمنية، واقتصادية، وصحية وسياسية، وخرج الاجتماع بصياغة وإجازة مصفوفة ملزمة للأطراف الثلاثة فصلت المسؤوليات ووضعت المواقيت لتنفيذ مهام عاجلة في سبعة محاور هي الشراكة والسلام والأزمة الاقتصادية وتفكيك التمكين وإصلاح الأجهزة العسكرية والأمنية والعدالة والعلاقات الخارجية، وخرج بقرارات مهمة للإسراع باستكمال بناء هياكل السلطة الانتقالية وتكوين لجنة طوارئ اقتصادية للتعامل مع الأزمة المعيشية ومواجهة فلول النظام البائد والتعامل الحازم لإنفاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة وباء كورونا، كما حدد الاجتماع آليات مشتركة لمتابعة تنفيذ المصفوفة ومراقبتها وتقييمها وضمان إنفاذ المهام العاجلة والتي تعثرت من مهام المرحلة الانتقالي". كنا نتوقع أن تقدم قحت كشفاً بإنجازاتها، خلال سنة، منذ تسلمها مقاليد الحكم في البلاد، أو على أقل تقدير توضح للناس رؤيتها وخططها لإخراج السودان من الضائقة المعيشية، التي أشار إليها الدقير، أو تشرح للشعب خطط التنمية التي ذكرها الدكتور حيدر إبراهيم، ولكنها أصدرت شهادة وفاتها ممهورة بتوقيع مكوناتها المدنية والعسكرية، دون خجل أو مواربة.