[email protected] توزيع المنتجات علم قائم بذاته، تفرد له الشركات الكبرى أقساما تكون هذه مهمتها الأساسية، حيث تبدأ بالتحديد الجغرافي للمنطقة المستهدفة بالتوزيع، وتحصي بعد ذلك عدد السكان ومستواهم المادي وعاداتهم الاستهلاكية، وتحصي كذلك منافذ التوزيع المتاحة، أو التي يمكن تأسيسها أو تنشيطها، وتتابع بعد ذلك عمليات التوزيع من أجل عمل تقارير حول كفاءة التوزيع ومعالجة الأخطاء. وتصبح المهمة كبيرة جداً إذا ما كان الأمر متعلقاً بتوزيع المواد الاستهلاكية الرئيسية لبلد بحجم السودان، أو لولاية مثل الخرطوم عدد سكانها ثمانية ملايين أو يزيدون. البنزين والجازولين: كان من المدهش أن تحدد الحكومة ووزارة الطاقة تسعا فقط من محطات الخدمة لتوزيع المواد البترولية خلال فترة حظر التجول، تحت ظن أن الناس لن تتحرك وبالتالي سوف تقل الحاجة للمواد البترولية. ناسية أن بالخرطوم ما لا يقل عن 20 ألف ضابط نظامي لهم عربات خاصة. غير الكوادر الطبية، ومهندسي الكهرباء، والمياه، وغيرهم ممن تقتضي وظائفهم التحرك. طبعاً أهل وأصدقاء الضابط النظامي سوف يكلفونه بتعبئة سياراتهم بالوقود، بعد أن يعبئ سيارته الخاصة مستغلاً بطاقته المهنية، عليك أن تضرب الرقم 20 ألف في خمسة لتتخيل عدد العربات التي ستندفع نحو المحطات التسع. حدثت الفوضى بسبب خطأ الحكومة في التقدير. وأحسنت بتراجعها. الدقيق: كان مدهشاً كذلك إلغاء الحكومة، ممثلة في وزارة الصناعة والتجارة، لنظام الوكلاء القديم والراسخ. والتوجيه بأن يستلم موظفون تابعون للوزارة الدقيق، ويسلمونه للولايات لتوزيعه. وفي نفس الوقت تمنح الحكومة هؤلاء الموظفين إجازة بسبب كرونا! في ظل هذا الوضع كان من الطبيعي توقف عدد كبير من المخابز عن العمل وتمدد صفوف الخبز. غاز الطبخ: مَنعْ وكلاء الغاز من العمل، والتوجيه بأن يتم توزيع الغاز في الميادين العامة كان خطاً كارثياً كذلك، لسبب بسيط هو أن أسطوانات الغاز لدى الوكلاء، ولدى المواطنين، ولا تملك الشركات منها سوى النذر اليسير. فقدنا طاقة التعبئة الهائلة الموجودة لدى الوكلاء، فتفشت الأزمة. السكر: أحسنت وزارة الصناعة والتجارة الاتحادية بالحصول من شركات صناعة السكر على كمية من السكر بسعر معقول للتوزيع للمواطنين، وتوجيه الولايات بالاستلام والتوزيع. جاء الخطأ هذه المرة من الولايات، ومن لجان الخدمات التي شرعت في استلام المال قبل ضمان السلعة. أزمة الجازولين تسببت في عدم وصول السكر في الموعد، فتضرر الناس وتضجروا من التأخير. الدرس المستفاد: لا تلغي نظاماً قائماً قبل تحديد بديل وتجربة هذا البديل. من المؤكد أن الوكيل صاحب الخبرة هو الأقدر على التوزيع. ولأن له مصلحة مادية في التوزيع فهو الأقدر على تجاوز المعضلات مثل نقص الوقود أو نقص العمالة. وإذا وضع جنيهاً أو جنيهين فوق السعر الرسمي فلا بأس مقابل الوفرة. والوكيل يحل مشكلة التمويل أيضاً حيث يستلم كميات من السلعة ويوزعها لمن يحضر من المواطنين بماله ولا يستلم المال مقدماً من الناس. أعيدوا نظام الوكلاء، وحسنوه وراقبوه، لكن لا تلغوه. والله الموفق.