لمّا كان أبوالطيب المتنبي كثير الهجاء لفاتك بن أبي جهل الأسدي بمناسبة أو دون مناسبة أوغل ذلك الغريض في نفس فاتك كثيراً من الغل والغبن. خاصة وأن أبو الطيب كان كثيراً ما يهجوه لصالح بلاط الدولة العباسية فتربص فاتك بالمتنبي الدوائر. إلا أن سيف الدولة كان يمثل درعاً واقياً له. مما زاد من صلفه وكبريائه تجاه بني أسد .ولكن عندما اختلف المتنبي مع سيف الدولة وطالت الشقة بينهما حزم المتنبي أمتعته مغادراً الشام وفي معيته بعض الحراس وابنه محسد وبعض خدامه، فبلغ خبر خروجه مسامع فاتك الأسدي فجهز مجموعة من الفرسان والمقاتلين قوامها ستون فارساً أو تزيد. وباغت المتنبي على حين غرة في مضارب الشام .ولما كانت الغلبة والكثرة الفائقة لفاتك الأسدي وجد المتنبي فرصة للنجاة ببدنه هو وابنه وخادمه إلا أنهم عندما اختبأوا في أحد الكهوف قال له خادمه أما أنت القائل الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم؟ حينها استنكف المتنبي وأراد أن ينتصر لكبريائه دون أن يحسب حسابات المعركة بصورة موضوعية وإنسانية فكان السبب ليس في هلاك نفسه فحسب بل هلاك كل المجموعة التي كانت ترافقه. و(كورونا) ربما هي أكثر فتكاً وقتلاً من فرسان فاتك تجاه القلة القليلة المستضعفة للمتنبي الذي قتل نفسه ومن معه بسبب عدم أخذ الحيطة والدبارة فكان ماكان، وعدد كبير من أئمة مساجدنا يهتدون بهدي المتنبي في مواجهة الكوارث والصعاب، ترتفع يومياً أعداد الضحايا والموتى في بلادي ويرفع الأئمة النداء لإقامة الجماعة دون أن نفهم لمن يكون ذلك التحدي هل ل(الكورونا) نفسها التي أضحت لا تبقي ولا تذر ولا تفرق بين حكومة أو معارضة أو بين غني وفقير أم هو للحكومة التي اعترفت بعجزها وتواضع إمكاناتها تجاه تلك الجائحة مع انهيار النظام الصحي لكبرى دول العالم الأول التي توازي ميزانية الصحة فيها ميزانيات خمس دول مجتمعة من دول العالم الثالث، ماذا ستجني عزيزي الإمام إذا كنت تفقد كل يوم أحد المصلين خلفك بسبب تعنتك وعدم اتباعك للإرشادات الصحية التي تحفظ البلاد وأرواح العباد مع حزننا الكبير لإيقاف الجماعة والتراويح في الشهر الفضيل. إلا أن حزننا سيكون أكبر عندما نعرض أهلنا وأحباءنا للمرض والموت. عزيزي الإمام مواجهة (كورونا) تعني مواجهة الموت دون سلاح، حشدك للمصلين يعني توفيرك بيئة خصبة يتناقل فيها (الفيروس) ويمرح اسأل الحي الذي تقطنه كم فقدوا عزيزاً لديهم بسبب (الكورونا) وكان من رواد الصف الأول للمصلين، فهل أنت تريد أن تزيد عدد الموتى أم تحافظ على ما تبقى.المكايدات السياسية و(ركوب الرأس) ينبغي ألا يكون وقودهما المواطن المسكين، عندما أرى إمام مسجد يصِر على إقامة الجماعة وسط تلك الكارثة حينها يحضرني المثل القائل "عدو عاقل خير من صديق جاهل" ، وبمزيد من الحزن والأسى تلقينا أمس خبر وفاة أحد أئمة المساجد بالريف الشمالي ب (الكورونا) وكان دائماً يقيم الجماعة، ونسأل الله السلامة للبقية، فإذا كان للأرقام التي لا تكذب ولا تتجمل حضوراً فإن المركز المصرفي للصين وبحسب موقع (سكاي نيوز) فإنه قد رصد ميزانية طوارئ إضافية لمواجهة ذلك الداء بحوالي 1،2 ترليون يوان صيني أي ما يعادل حوالي (173) مليار دولار أمريكي لخدمة مواطنيه وخدمة الإنسانية ورقم يقارب ذاك الرقم أيضاً من حكومة الرئيس الامريكي ترامب تجاه تلك الجائحة فماذا أعددت أنت عزيزي إمام المسجد لذلك الداء من أجل المصلين معك، كل اتحادات ونقابات البلاد والنقابات الدولية في العالم أدلت بدلوها الإيجابي للحد من جائحة (كورونا)، ولكن أين دور أئمة المساجد بصورة أوضح وهنا أنا لا أشملهم فقد التزم جزء منهم بذلك الحظر حفاظاً على أرواح العباد، أين المسجد الذي كنا ننتظر منه النصرة والمساعدة لا المعارضة، فللمساجد دور أقوى من دور الحكومة نفسها، فقد كان في زمن النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم تعقد في المساجد المحاضرات والندوات وتجهز منها القوافل وتنتظم منها الجيوش لنصرة الحق والفضيلة، لم تجمع مساجدهم يوماً أناساً ليصابوا بداءٍ أعلنت خطورته في جميع أنحاء الدنيا، فغداً ترجع المساجد بمصليها وجماعتها ولا يرجع من فقدناه بسبب إهمالنا. عدد من السياسيين يختبئون خلف محاريب المساجد ومآذنها لأغراض أيديولوجية حتى يجروا الحكومة للمخاشنة معهم ويتفرغوا لشعارات منع الحكومة الصلاة وقمعها للمصلين ومحاربة الدين. و هذا النوع من الهراء لا تزال الحكومة تمارس ضبط النفس تجاهه وتعمل على تفويت الفرصة تلو الأخرى عليهم، يجب أن يكون هنالك لقاء جامع لكافة أئمة المساجد بالعاصمة من قبل وزارة الشؤون الدينية والأوقاف لرسم الخطوط الحمراء الرادعة لكل من تسول له نفسه تعريض أرواح المواطنين للهلاك باسم الدين . صورة للاستفهام عزيزي الإمام ماذا أنت قائل لنفسك ولربك إذا تناقل المصلون العدوى بسبب جمعك لهم. صورة للتأمل نفس الجماعات الإسلامية التي كانت تُحرّم الخروج على الحاكم السابق الآن ينقلبون على أنفسهم ويخرجون على هذا الحاكم، ويقيمون الجماعات في تل الكارثة.