(1) معطيات البلد المعني هي التي تحدد احتمالات الفشل والنجاح السمة الرئيسية في البعثات الميدانية وجود قوات داخل التراب الوطني 1/ صدر هذا التقرير باسم الأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون وفاءً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السابعة والستين رقم 123/67GA Res والذي أجيز في 18 ديسمبر 2012 وطلبت فيه الجمعية العامة من الأمين العام: إعداد تقرير في السياسات الكلية التي تحكم البعثات السياسية الخاصة Special Political Missions بما في ذلك نشأتها وتطورها واتجاهاتها ودورها في جهود المنظمة الرامية لصيانة السلم والأمن الدولي وتقديم توصيات لتعزيز شفافيتها وفعاليتها. أحالت الجمعية العامة الموضوع إلى اللجنة الرابعة وهي واحدة من ست لجان رئيسية تتبع لها للتداول حوله بأدراجه في جدول أعمالها بطريقة راتبة. تختص اللجنة الرابعة بموضوعين أولهما تقرير المصير وإنهاء الاستعمار والثاني البعثات السياسية الخاصة.وكما سنشير في تعليقنا على التقرير فإن تحول البعثات السياسية الخاصة في مهامها وولايتها من موضوعها ألأوحد في فجر إنشاء المنظمة الدولية قبل ثلاثة أرباع القرن من إنهاء الإستعمار وتقرير المصير ينبئ عن التحولات السياسية الضخمة التي جرت خلال هذه العقود من صيانة السلم والأمن بين الدول إلي صيانتها داخل الدول لأسباب عملية وتوخياً لما هو ممكن ولما هو أيسر أيضاً.وقد استلزم ذلك إضفاء تفسيرات وتطبيقات حادثة لميثاق الأممالمتحدة نفسه وصرف النظر جزئياً عن الفقرة الثانية من المادة 7 بأن تحريم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأعضاء. ودون استرسال،فإن أعضاء مجلس الأمن في السنوات الأولي من عمر المنظمة بمن فيهم الأعضاء الدائمون كانوا يتحفظون بشدة على اعتبار النزاعات والحروب الداخلية أو الأهلية من مهددات السلم والأمن الدولي كما هو مفصل في الميثاق . 2/ بعد سقوط الكتلة الاشتراكية الشرقية بزعامة الاتحاد السوفيتي بنهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، انخفضت وتيرة النزاعات الدولية والحرب الباردة وتفاقمت في ذات الوقت النزاعات الأهلية داخل الدول الأعضاء في الأممالمتحدة وفي ذات الوقت أيضا وبفضل هذه التطورات علي الساحة الدولية حدثت درجة عالية من الانسجام وسط الدول الخمس دائمة العضوية التي تملك حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن مما جعل اتخاذ قرارات تحت الفصلين السادس والسابع من الميثاق – وكلاهما يتعلقان بالأمن والسلم الدولي – دون إبطالها بحق النقض الذي يمكن أن تستخدمه واحدة أو أكثر من هذه الدول ممكناً وميسوراً إلى حين . لذلك فإن تقرير الأمين العام الذي نحن بصدده أطلق على هذه الفترة – فترة نهاية الحرب الباردة – اسم فترة (إعادة الاستكشاف Rediscovery) وذلك فيما يتعلق بالبعثات السياسية الخاصة موضوع التقرير . والسمة الغالبة على هذه الفترة التي تمتد حتى اليوم هي توسع عدد البعثات السياسية الخاصة وتنوعها وتعدد ولاياتها أو مهامها وتركيزها على الدول النامية خاصة أفريقيا. يشير التقرير إلى أن مهام أو ولاية البعثة السياسية الخاصة الواحدة لم تكن تتعدى مهمتين اثنتين وتوسعت في الفترة الأخيرة التي اشرنا إليها حتى تشعبت وبلغت ست مهام (multidimensional). مع ملاحظة أن حكومة السودان طلبت في يناير وفبراير من هذا العام من المهام ما فاق ما قبلها من هذا العدد. هذه التطورات هي التي حدت بالجمعية العامة لطلب هذا التقرير من الأمين العام وهذا ما يكسبه أهمية استثنائية لأنه هو التقرير الأول من نوعه بعد حدوث هذا التوسع. 3/ يعرف التقرير البعثات السياسية بالاَتي :- "They are UN civilian missions that are deployed for a limited duration to support member states in good offices, conflict prevention, peace- making and peace-building." ((هي بعثات مدنية تتبع للأمم المتحدة يتم نشرها لفترة محددة بغرض تقديم الدعم للدول الأعضاء في مجالات المساعي الحميدة والوقاية من النزاعات وصنع السلام وبناء السلام )). يورد التقرير أن هذه البعثات تتشكل أما من (أ) المبعوثين الخاصين special envoys أو (ب) أفرقة العقوباتsanctions panels أو (ج) بعثات ميدانية Field based missions. نتوقف عند عبارة (صنع السلام ) والتي أشار إليها الأمين العام الأسبق د.بطرس غالي في تقريره الشهير عام 1992 بعنوان (أجندة السلام ) والذي نادى فيه بالتوسع في عمليات السلام وتمكين أفرادها من استعمال القوة فوق ما تتيحه القيود التقليدية من حظر استعمالها إلا في الدفاع عن النفس وبمقدار. ورغم أن بطرس غالي قد تراجع عن طموحه في تقريره اللاحق عام 1995 (ملحق لأجندة السلام ) إلا أن حفظ السلام احتفظ عملياً بذات المدلول الذي دعا إليه في عمليات السلام عامة وليس في عمليات حفظ السلام وحدها ولكل عبارة مدلول كما نعلم. 4/ يشير التقرير إلى الحالات التي لم تصب فيها البعثات السياسية بتشكيلاتها الثلاثة المذكورة النجاح المأمول مثل ما حدث في اليمن وليبيا وأفغانستان والعراقوغينيا بيساو إذ لم تطبق التسويات السياسية أو لم يتم الوصول لتسويات ذات معنى وقبول عام في الحالات الأربع الأولى وفي حالة غينيا بيساو لم تتمكن البعثة الخاصة من وقف الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات. وبالطبع هناك أمثلة أكثر للنجاح خلص منها التقرير إلى جدوى قيام البعثات السياسية الخاصة . وفي كل الأحوال فإن المعطيات والظروف والإمكانيات والاحتمالات في البلد المعنى هي التي تحدد اللجوء إلى هذه البعثات أولاً ووضع معاييرها عن طريق السلطات الوطنية ومدة بقائها وتحديد مهامها عدداً ونوعاً. فهذه العوامل هي التي تحدد احتمالات النجاح أو الفشل . 5/ البعثات السياسية الخاصة هي جزء من عمليات الأممالمتحدة للسلامPeace operations والتي شهدت تطورات كبيرة كما شهدت تحولات كبيرة منذ عام 1945. ومنذ عام 2000م أي بُعيد انتهاء الحرب الباردة، زاد عدد البعثات السياسية الخاصة زيادة كبيرة كما زاد حجمها. وتتعلق زيادة حجم هذه البعثات بزيادة اللجوء إلى البعثات الميدانية Field based missions. وبدورها فإن زيادة اللجوء للبعثات الميدانية قد أدت إلى تحول ثالث مهم هو زيادة مهام أو ولاية البعثة الواحدة زيادة كبيرة لأسباب عملية وسياسية بطريقة مُركبّة ومعقدة (complex) كما أشار إليها التقرير. وقد تم نشر بعثات تشتمل مهامها على مسائل حقوق الإنسان وحكم القانون والانتخابات والعنف الجنسي في النزاعات على سبيل المثال. هذا التعقيد لم يكن موجوداً في الطورين الأول والثاني لنشأة هذه البعثات حيث شهد الأول نشأة وتشكيل هذه البعثات مع نشأة الأممالمتحدة نفسها والثاني منذ منتصف الستينيات حتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي وهي فترة الخمول أو الجمود كما ذكر التقرير. وهناك تحول نوعي آخر بالنسبة لعمليات السلام بما فيها البعثات السياسية يتعلق بأطوار ومراحل كل عملية على حدة في بعض الحالات على الوجه الآتي كما أورد التقرير:- (أ) من حفظ السلام إلى بعثة سياسية خاصة (بورندى) . (ب) من بعثة سياسية خاصة إلى حفظ السلام (ليبريا) (ج) من حفظ السلام إلى الفريق القطري (تيمورلست) (د) من بعثة سياسية خاصة إلى الفريق القطري (نيبال). وفي هذا الصدد يخلص التقرير إلي:- "Ultimately the choice of the type of missions is based on the local demands and the needs of national authorities as well as an assessment by the mandating body. " ((وفي نهاية المطاف فإن اختيار نمط البعثة يعتمد على المطلوبات المحلية وعلى احتياجات السلطات الوطنية كما يعتمد على تقديرات الجهاز المنشئ للولاية )). 6/ على ضوء هذا التنوع والتوسع في عمليات السلام عامة وفي البعثات السياسية خاصة فإن التقرير عدد أنماط البعثات بنهاية عام2013 والتي بلغ مجموعها 37 بعثة توزعت كالآتي:- (أ) المجموعة الأولي خاصة بالمساعي الحميدة والوساطة وقد بلغ عددها 11 بعثة. (ب) المجموعة الثانية وتشمل لجان الجزاءات وقد بلغ عددها 11 بعثة. (ج) المجموعة الثالثة وتشمل البعثات السياسية الميدانية وقد بلغ عددها 15 بعثة(Field- based Special Missions). أكبر عدد من البعثات هي في المجموعة الثالثة وهي أكثر انتشاراً وحجماً وتأثيراً نظراً لتعدد مهامها وعمق تأثيرها.وأحجام هذه البعثات ليست متساوية بالطبع. فكما أورد التقرير فهناك بعثات صغيرة نسبياً مثل بعثة سيراليون سابقاً وبعثات كبيرة وهي في العراق وأفغانستان والصومال.والسمة الرئيسية الملحوظة في البعثات الكبيرة هي وجود قوات داخل تراب الوطن. وهناك ملاحظة أخرى وهي أنها لم تُصب ما كان مستهدفاً تحقيقه أي أن نجاحها لم يكن إلا نسبياً أو لم تنجح مطلقاً. (2) هل أصابت البعثات السياسية أهدافها ؟ ليبيا كأحد النماذج القريبة التذرع بالفصل السادس تبسيط مخل المصلحة تقتضي التركيز على التنمية وقيام مؤتمر المانحين. 7/ علي ضوء ما ورد في التقرير والذي حاولنا إيراد خطوطه الرئيسية والجوهرية، فإن المطلوب تحديده هو النظر إلى ما يحتاج إليه السودان وما يناسبه لتحقيق السلام المستدام في البلاد كأحد أهم الأولويات للوضع الانتقالي. هذا النظر لا يستبعد التحوط الكامل كما تفرضه المصلحة الوطنية من اختيار النمط المناسب الذي لا يتغول على السيادة الوطنية ولا يتغول على الوحدة الوطنية ولا يضعف من قدرة ورغبة وعزم الدولة على صيانة الأمن والسلام والنظام وفرض هيبتها على كامل ترابها الوطني وفق القانون الوطني والدولي ووفق المصلحة الوطنية الخالصة والجامعة. ولا شك في وجود توافق عام على أن فترة ما بعد الحرب الباردة والتي تستمر مستقبلاً إلى حين قد أضعفت من مبدأ السيادة أكثر وان هذا المبدأ لم يعد في الفعل والواقع يقوم على المساواة الكاملة بين الدول فهناك للأسف دول أكثر مساواة في السيادة More equal من دول أخرى. وهذا هو ما يشار إليه بتقاسم السيادة"shared Sovereignty" في أفضل الأحوال. بناء على ذلك وبحضور هذا الإدراك دائماً، ينبغي أن نتناول عمليات السلام بما في ذلك البعثات السياسية الخاصة. 8/ الفصلان السادس والسابع من ميثاق الأممالمتحدة يتعلقان كلاهما بصيانة السلم والأمن الدولي. وخلال الحرب الباردة وبعدها وحتى اليوم فإن الترتيبات العسكرية الواردة في الفصل السابع لصيانة السلم والأمن الدولي أو لاستعادته وقمع المعتدي، مثل تشكيل لجنة أركان الحرب لم تحدث ولما كان التدخل للحفاظ على السلم والأمن الدولي أو لاستعادته أمراً ضرورياً، فقد تم استحداث عمليات حفظ السلام ونشر قوات لحفظ السلام خارج نطاق الفصلين معاً من الناحية النظرية وترسخت هذه الممارسة.ويمكن لمجلس الأمن أن يتخذ تدابير تحت أي من الفصلين غير أن تدابير الإنفاذ القسرية تتخذ تحت الفصل السابع. لذلك فان التحول حسب تطور الأحداث في وضع ما أو حسب الاعتبارات السياسية المجردة إلى الفصل السابع يمكن أن يحدث في أي وقت وقد حدث بالفعل. فعلى سبيل المثال فان بعثة الأممالمتحدة في ليبيا "UNSMIL" قد نُشرت بطلب من الحكومة الليبية نفسها لمدة ثلاثة أشهر فقط جددت بعد ذالك وبطلب من الحكومة لفترات أخرى. هذه البعثة كانت هي المطية الإجرائية في مجلس الأمن للتدخل تحت الفصل السابع من الميثاق وفق قراره رقم 2040 لعام 2012م . لم يحقق قرار مجلس الأمن المذكور أياً من أغراضه حتى الآن ولم يؤد القرار حتى الآن إلي تسوية وطنية متفاوض عليها تقود في نهاية المطاف إلى إكمال الأممالمتحدة مهمتها بنجاح وتنفيذ استراتيجية الخروج ومتابعه المسائل المتبقية من خلال الفريق القطري للأمم المتحدة وقد كنا نحن في السودان قاب قوسين أو أدنى من ذلك في دارفور.وحسب الطلب الذي تقدم به السودان في يناير 2020م فإن أوجه التشابه بين الوضعين في ليبيا والسودان من حيث نشر البعثة السياسية الخاصة يمكن إجمالها في الآتي:- أ- أن البعثتين تقعان تحت الطائفة الثالثة من أنماط البعثات السياسية الخاصة وهي البعثات الميدانية. ب- أنهما كبيرتان من حيث الحجم "إذا حكمنا على ذلك فيما يتعلق بالسودان من تعدد المهام التي طلبتها الحكومة السودانية ". ج- أنهما تمتا بطلب من الحكومة القائمة. د- أن ولايتهما متعددة خاصة الولاية التي تتولاها البعثة في السودان. كما أن النطاق الجغرافي لكل منهما يشمل كامل تراب الدولة. الجدير بالذكر أن رئيس الوزراء الليبي السيد عبد الرحمن الكيب قد بادر بطلب توسيع البعثة من حيث الحجم والمهام والمدة في رسالة للامين العام للأمم المتحدة في 6 مارس 2012 وقد سارت الحكومة السودانية على ذات النهج مع بعض الفارق. لما ورد عن مصير الوضع في ليبيا عند الأخذ بخيار البعثة السياسية الخاصة ينبغي التحديد الدقيق لمهامها وولايتها ومدة بقائها وأن يتم ضمان المشاركة الكاملة للحكومة في ذلك. وقد أورد التقرير ما يمكن أن يعترى عمليات السلام من تحورات في أنماطها والالتزام بهذه (الموجهات) التي يمكن تفصيلها هو ترياق للاعتبارات السياسية واعتبارات المصلحة الخاصة للدول التى لا تغيب حتى في الأممالمتحدة. خلاصة الأمر أن التذرع بالفصل السادس إذا صح ذلك جدلاً كمانع للجوء للفصل السابع هو تبسيط مخل ليس لإمكان التحول عنه إلى تدابير الإنفاذ القسرية تحت الفصل السابع فحسب بل لأن المهام الموكلة للبعثة نفسها يمكن أن تكون في بعضها خصماً على المصلحة الوطنية نفسها وعلى السيادة الوطنية وان تتضمن بطريقة ضمنية تدابير ترقى لتدابير الإنفاذ القسرية. ولقد اشرنا في الفقرة (5) أعلاه إلى تعدد المهام للبعثة الواحدة في المرحلة الثالثة والأخيرة من مراحل تطور البعثات السياسية الخاصة. كما أن نشر هذه البعثة سيكون بمرور الوقت وتطور عملية السلام الجارية في جوبا والدوافع التي يمكن أن تحرك الحركات المسلحة المتفاوضة هناك والتعاطف الذي تجده خارجياً للأسف في كثير من الأحيان خاصة في الوضع الجيو سياسي للسودان سيكون عبئاً على الخيار الوطني الحر وعلى ما تتخذه الحكومة أو ينبغي أن تتخذه من مواقف وقرارات لدعم وتعزيز وترسيخ الوحدة الوطنية. 9/ فيما يتعلق بالوضع في السودان في إقليم دارفور فقد أصدر مجلس الأمن في عام 2017 قراره 2363 بتنفيذ إستراتيجية خروج " البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور UNAMID" وحدد وقتاً لاكتمال الخروج في يونيو من هذا العام 2020م. وجد هذا القرار مقاومة بعض أعضاء المجلس والتي تطالب بعدم التسرع في تنفيذ استراتيجية الخروج كما تطالب بتعاون السودان مع (لجنة بناء السلام PBC) وهي لجنة استحدثت في عام 2005 في إطار عملية إصلاح الأممالمتحدة التي دعا إليها الأمين العام الأسبق كوفي عنان. ترتبط لجنة بناء السلام وهي إحدى أجهزة الأمانة العامة للأمم المتحدة تحت إشراف وكيل الأمين العام للشئون السياسية ((يتولاها مواطن أمريكي في العادة في إطار تقسيم حصص الوظائف بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن والدول الأخرى ذات النفوذ المالي والسياسي )) -ترتبط هذه اللجنة بالبعثات السياسية الخاصة.ومن هنا كانت الدعوة للسودان في رأيي ومطالبته بالتعامل والتعاون مع لجنة بناء السلام "كشرط" لتنفيذ إستراتيجية الخروج . يقدم التقرير الذي نحن بصدده دليلاً على هذا الارتباط بأنه ومن ست دول تتعاطى مع لجنة بناء السلام في الفترة التي غطاها التقرير فان أربعا منها لديها بعثات سياسية خاصة وهي بورندي وإفريقيا الوسطى وغينيا وتشاد وسيراليون (كلها دول افريقية ). ونخلص من ذلك إلى أن مقتضى المصلحة السودانية يستوجب الاستفادة من لجنة بناء السلام في قيام مؤتمر المانحين لتمويل التنمية وإزالة أسباب النزاع في دارفور وفي القطر كله وضمان وفاء المانحين بتعهداتهم وذلك هو أهم واكبر واجبات لجنة بناء السلام حسب وظائف تأسيسه وحسب ممارساته وكان الأمثل هو أن يتم ذلك دون الارتباط ببعثة سياسية خاصة وهو أمر متاح.نلاحظ أن رسالة رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك للأمين العام للأمم المتحدة في27 يناير بصورة لرئيس مجلس الأمن والذي طلب فيها بنشر بعثة سياسية ميدانية يكون على رأسها ممثل خاص للأمين العام قد توسعت توسعاً غير مسبوق في صلاحيات هذه البعثة بحيث يكون تنفيذ ولايتها أصعب من تنفيذ ولاية البعثة الخاصة في ليبيا وذلك قد يعني جر البلاد في نهاية المطاف لتدابير الإنفاذ القسرية تحت الفصل السابع والعودة المؤلمة مره أخرى إلى عام 2007 الذي شهد التدخل الدولي. ذلك بدلاً من أن نعهد بالأمر إلي الفريق القطري للأمم المتحدة وتوجيه الجهد الدولي نحو هدف واحد هو التنمية . 10/إجمالاً فان أهم ما نخرج به من تجارب البعثات السياسية الميدانية ألخاصة :- (أ)- عدم التوسع في مهام أو ولاية البعثة. (ب)- الحرص علي ملكية الحكومة السودانية للعملية برمتها في مرحلتي التفاوض والتنفيذ علماً بأن هذه (الملكية) ينازعها عليه بطبيعة الحال (الجهاز المنشئ للولاية) كما تمت الإشارة في الفقرة الخامسة أعلاه، وينازعها عليه أعضاء مجلس الأمن بخلفياتهم المتباينة وهو أعلى جهاز (سياسي) في المنظمة وهو سيد نفسه وسيد إجراءاته كما يؤكد المجلس نفسه The master of its own procedure . (ج)- تحديد مدة بقاء البعثة بطريقة دقيقة بحيث تنتهي ولايتها بانتهاء المدة الأولى المحددة وأن يصدر التمديد بقرار جديد يتخذه مجلس الأمن بمعنى انتقال العبء في التمديد على مجلس الأمن بأغلبية الثلثين وتوافق الأعضاء الدائمين الخمسة. وفيما يتعلق بدارفور أيضاً فإن اتفاقية انجمينا في عام 2004 واتفاقية أبوجا في عام 2006 واتفاقية الدوحة في عام 2011 تمت بمساعدة وعون دول صديقة إلى جانب الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والأممالمتحدة ولم تتم تحت مظلة بعثة سياسية خاصة. وكذا فإن ذات النموذج أحرى بالتطبيق في المنطقتين. 11/ يؤكد التقرير في خاتمته على أن السبيل الوحيد لتجويد وتحسين أداء البعثات السياسية الخاصة وقيامها بما هو منوط بها يعتمد على الاستفادة من دروس النجاح والفشل في التجارب السابقة وان هذه الاستفادة تتطلب حسن إدارة ما تراكم من معرفة وعلم بطريقة مؤسسية .وانه من أهم ما تم استخلاصه هو إعطاء كامل الاعتبار لكل حالة ولكل وضع على حدة (case by case) ويفصل ذلك بالقول :- " Special political missions should be tailored to local contexts and needs and sufficiently flexible to evolve with those needs." (( البعثات السياسية الخاصة يجب أن تتناسب مع السياق المحلي في كل بلد ومع الاحتياجات المحلية وان تكون مرنة بما فيه الكفاية لتضطرد مع هذه الاحتياجات)). ذلك إذا أصبحنا أمام الأمر الواقع وأنه لا بد مما ليس منه بد. البعثات السياسية الخاصة ما زالت تنمو عن طريق التجارب واغلب التجارب تتم في دول القارة الأفريقية لذلك فإن على الحكومات أن تتوخى الحذر كل الحذر في التعامل والتعاون في مجال البعثات السياسية الخاصة موضوع هذا التقرير وعمليات السلام عامة مع التسليم بالبواعث الخيرة لعمل الأممالمتحدة في هذا المجال الحيوي. وعلى الدول المعنية أن تترجم مبدأ ملكية العملية التي لا تتم إلا بقبولها وأحياناً بمبادرتها ترجمة كاملة بحيث لا تُملى عليها الصيغ والشروط ولا تفرض عليها المهام والولايات نوعاً وكماً. وكما يمكن أن يلاحظ المهتمون فأن المهام المطلوبة من البعثات السياسية تكاد تكون متطابقة كما بادرت بوصفها الجهة المختصة في الأمانة العامة وعلى سبيل المثال فأن ما طلبه رئيس الوزراء الليبي كما سبق يتشابه مع ما طلبه رئيس الوزراء السوداني، علماً بأن الاختلاف الجذري للوضع السوداني عن كل الأوضاع التي تنشر فيها عمليات السلام هو أمر واضح. بالنسبة للسودان فإن مسار دارفور كان ينبغي أن ينتهي بتنفيذ إستراتيجية الخروج حسب قرارات مجلس الأمن المتتابعة في 2017 و 2018 وان تكون الخطوة التالية هي بناء السلام عن طريق التنمية الشاملة وعقد مؤتمر المانحين وضمان وفائهم بما يتعهدون به وان يقوم الفريق القطري بمساعدة لجنة بناء السلام وصندوق بناء السلام التابعة لها بتنفيذ خطط التنمية وإشراك برنامج الأممالمتحدة للتنمية. ختاماً:- فإَن خضوع هذه الملاحظات والآراء التي علقتُ بها على تقرير الأمين العام للتمحيص على أسس موضوعية صالحة هو أمرُ طبيعي ولازم ، غير أننا يجب أن نتنبه تماماً لحقيقةٍ جوهرية أكد عليها التقرير نفسه أكثر من مرة وهي أن البعثات السياسية الخاصة بطبيعتها وبمرجعية إنشائها وبالتغيير الذي لازمها كسمة حسبما أشار إليه التقرير، يجب أن تُدرس على ضوء الواقع السوداني وعلى ضوء أولوياته وإاحتياجاته. ولعلّ رسالتي رئيس الوزراء في 27 يناير و 27 فبراير 2020م وقبلهما رسالته في 22 أكتوبر 2019م وجميعها موجهة للأمين العام ومجلس الأمن، قد وجدت صداها كاملاً في التقرير المشترك للسيدين رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي والأمين العام للأم المتحدة بتاريخ 12 مارس 2020م وبيان السيدة وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشئون السياسية وشئون بناء السلام أمام مجلس الأمن يوم 24 أبريل 2020م. لذلك ينبغي أن يصوب المسئولون والمهتمون نظرهم على ما وجدته هذه الرسائل في الوثيقتين المذكورتين من رؤية للإعمال والإنفاذ والتطبيق إذ لم تخرج مواقف الأممالمتحدة واستجابتها عما ورد فيهما.