بدأت في اليومين الماضيين مشاهدات مهرجان أيام الخرطوم المسرحية في دورته الرابعة التنشيطية وتستمر المشاهدات حتى الحادي والعشرين من الشهر الجاري لاختيار العروض المشاركة في المهرجان، بينما تبدأ فعاليات المهرجان في الخامس من ينايرالمقبل وحتى السادس عشر منه وسوف يتم اختيار عشرة عروض منها للمشاركة في المهرجان. وتتزامن مع المهرجان مسابقة التأليف المسرحي التي بدأ التقديم لها منذ أغسطس الماضي وسوف يتم اختيار عشرة نصوص ويعلن الفائزون في مؤتمر صحفي ويكون التكريم ومنح الجوائز في اليوم الختامي للمهرجان، هذه واحدة أما الثانية فهي مهرجان أيام البقعة المسرحية الذي يتزامن دائماً مع الاحتفال باليوم العالمي للمسرح في السابع والعشرين من مارس، وقد أعلن الاتحاد العام للمهن الدرامية تخصيص احتفال هذا العام لمسرح الطفل. على ضوء ما تقدم يمكننا أن نسمي الفترة المقبلة والتي تمتد حتى مطلع شهر إبريل المقبل "أيام المسرح في السودان" وهي بمثابة عيد للمسرحيين، حيث ظلت تشهد أكبر تجمع للفعاليات المسرحية طوال العام ويمكن القول بأنها الفترة الوحيدة التي يتذكر الناس فيها المسرح ويحسون بوجوده في حياتهم، ومعلوم لكل الذين يعملون في هذا المجال أن المسرح في السودان يعاني من إشكالات عديدة بعضها مرتبط بمشاكل الثقافة عموماً وبعضها مشاكل خاصة به. المشكلة الرئيسية التي يعاني منها المسرح في السودان هي شح الإنتاج، ولهذا الشح أسباب، أبرزها غياب المؤسسية والاعتماد على الموسمية، وقد كان لنا موسم مسرحي منتظم حتى وقت قريب، ويشتكي أهل المسرح من ضعف وغياب الدعم والتمويل لهذا القطاع، والضرائب الباهظة التي تفرضها الدولة على العروض وارتفاع تكلفة الإنتاج عموماً وقلة عدد المسارح المناسبة للعرض، كما يشتكي كثيرون من ضيق هامش الحريات، إضافة للظروف الاقتصادية التي تمر بها معظم قطاعات المجتمع، وهذه الأخيرة تتسبب في عزوف الناس عن ارتياد المسارح وفشل العروض القليلة التي يتوفر لها الحد الأدنى من مقومات الإنتاج. ومعظم هذه الإشكاليات يمكن حلها وهي تقريباً موجودة في كثير من الدول التي تشبه واقعنا السياسي والاجتماعي و-بطبيعة الحال- الثقافي، والفرق بيننا وبينهم هو الجدية والإصرار والقدرة على كسر الجمود والصمود من أجل استمرارية العمل الثقافي، ووأهم من يظن أن هنالك حكومة في دول العالم الثالث تؤمن بأهمية الثقافة وضرورة المسرح للشعب، بل أن معظم هذه الحكومات تعرف أن المسرح يصنع الوعي وأن الوعي يعني الثورة ضد الغفلة، ولذلك فهي تعمل على إفراغ أي عمل ثقافي من مضامينه الجمالية ذات القيمة الفنية العالية وتحتفي مقابل ذلك بالهتاف والابتذال ،فهل يعي المسرحيون في بلادنا هذه المعادلة؟ إذن نحن أمام موسم مسرحي سوداني محكوم بميقات صارم جداً لارتباطه برزنامة محلية وعالمية، ويجب أن يستثمر الدراميون هذه التظاهرة من أجل كسر المزيد من الحواجز وتفعيل القوى الكامنة بداخلهم، لأن " البكا بحررو أهلو " أو كما يقول المثل السوداني، فهل أكمل اهل البكاء الجاهزية للعياط؟