تسبب الغلاء المعيشي الطاحن والارتفاع المضطرد في أسعار السلع الضرورية والخدمات في القفز بمعدل قياس التضخم لأرقام عالية بتسجيله نسبة (136,36)% في يونيو المنصرم، مقارنة ب(114,23) في مايو بزيادة قدرها (22,13)%. الإحصاءات الرسمية الحكومية دفعت ب(4) مسببات للزيادة في التضخم شملت ارتفاع مكونات مجموعة الأغذية والمشروبات، وارتفاع مجموعة النقل، ومجموعة السكن، ومجموعة الترويح والثقافة . ودفع متحدثون ل(السوداني) من مصرفيين واقتصاديين وقيادات تجارية في تحليلهم للزيادة بجملة مقترحات لتلافي الآثار السالبة على الأسعار وتراجع قيمة العملة الوطنية وعلى الودائع المصرفية بالعملة المحلية أبرزها إيقاف التمويل المستمر لعجز لموازنة عبر بنك السودان المركزي والتدرج في زيادة الأجور وضبط الإنفاق العام . وبرر الجهاز المركزي للإحصاء في تقريره الشهري ليونيو المنصرم الزيادة لارتفاع أسعار كافة مكونات مجموعة الأغذية والمشروبات كأسعار الخبز، الحبوب، البقوليات، اللبن الطازج والبودرة، الجبن، البيض والبن، الشاي، فضلا عن ارتفاع مجموعة النقل وذلك لارتفاع أسعار الوقود والتي رفعت أسعار تذاكر المواصلات الداخلية ومجموعة السكن وارتفاع أسعار غاز الطهي، الفحم النباتي، حطب الوقود، وارتفاع مجموعة الترويح والثقافة لارتفاع أسعار المعدات السمعية والبصرية، ومعدات التصوير وتجهيز المعلومات كالحواسيب الشخصية. ورصدت (السوداني) حدوث زيادات مضطردة في أسعار السلع المذكورة بأسواق الخرطوم حيث قفز سعر الشاي زنة (450) جرام من (200 300) جنيه والبن من (160 200) جنيه، و اللبن الحليب من (15 45 50) جنيه، والجبن (170) جنيها، جوال الفحم النباتي من (2000 2,700) جنيه، غاز الطهي من (160 200 300) جنيه للإسطوانة الواحدة والوقود التجاري (البنزين) الى (126) جنيها للجالون الواحد مقارنة بالمدعوم (28) جنيها، كما قفزت أسعار تعرفة المواصلات بدرجات متفاوتة حسب المسافات من (10 50 150 200) جنيه للمركبات العامة والمركبات الأهلية العاملة في ترحيل المواطنين . وأشار رئيس شعبة تجار الجملة بسوق ام درمان فتح الله حبيب الله ل( السوداني ) لتسبب الارتفاع العام في أسعار السلع الاستهلاكية وانعدام السيولة بأيدي المواطنين في حدوث ركود في القوى الشرائية رغم وفرة السلع بالأسواق، مبينا ارتفاع أسعار كرتونة لبن البودرة زنة (3) أكياس ل(4) آلاف جنيه، وزيت الطعام زنة (36) رطلا من (3,750) الى(4) الآف جنيه. وقال المدير العام السابق لبنك المال المتحد بالخرطوم د. كمال الزبير ل(السوداني) إن السبب الأهم وراء ارتفاع نسبة التضخم هو انخفاض سعر العملة نتيجة لانخفاض الصادرات مقارنة بالطلب على العملات الأجنبية سواء للاستيراد او لأغراض أخرى. ودفع الزبير بمقترح للحكومة لتلافي أثر التضخم على الاقتصاد والعملة الوطنية بالعمل على تشجيع الصادرات ومحاربة تهريب سلع الصادر و زيادة الانتاج. وفيما يتصل بالودائع بالعملة المحلية أشار الى أن الأرباح المحققة منها أقل كثيرا من نسبة التضخم وهذا امر مقلق جدا و قد يقود كثيرا من المدخرين لتوظيف مدخراتهم بعيدا عن الايداع لدى البنوك حتى لا تتآكل قيمتها. وأشار المدير العام السابق للبنك السعودي السوداني، محمد أبوشورة لمساهمة ارتفاع التضخم لهذا النحو في تدني قيمة الجنيه السوداني مقابل السلع، ومقابل العملات الأجنبية، مطالبا الحكومة بضرورة إيقاف التمويل المستمر في عجز الموازنة بزيادة عرض النقود عبر بنك السودان المركزي لتسبب ذلك في الانخفاض الكبير في قيمة الجنيه السوداني . وقال أبوشورة إن ارتفاع التضخم ل(136)% يدفع بالكثير من المودعين لسحب ودائعهم بالعملة المحلية ولا يشجع على إيداع ودائع جديدة وتحول المودعين لشراء الذهب والدولار والعقارات لحفظ قيمة العملة التي يملكونها وحذر المحلل الاقتصادي د. مصطفى محمد عبدالله من أن يؤدي ارتفاع التضخم لتراجع الدخل الحقيقى والدخول في مرحلة تآكل القيمة الحقيقية لودائع العملاء مع مرور الوقت مما يضطر المتعاملين لسحب أرصدتهم والمضاربة في العملات الأجنبية والسيارات والعقارات والذهب وخلافه. وقال عبدالله أصبح من البديهى أن ترتفع معدلات التضخم وتنخفض قيمة العملة الوطنية بسبب السياسات التوسعية سواء في نمو الانفاق العام دون ارتفاع في الايرادات الحكومية الفعلية مما يؤدى الى زيادة العجز في الموازنة ويترتب على ذلك ارتفاع حجم الكتلة النقدية. وأشار الى أن أهم مؤشرات زيادة العجز هي زيادة الأجور و تفاقم العجز في الحساب الجاري نتيجة لتراجع عائدات الصادر وضمور تحويلات المغتربين وتدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر وتراجع عائدات رسوم عبور نفط الجنوب . ودعا لإعداد حزمة السياسات الاقتصادية الكلية policy package تعنى باستعادة الاستقرار الاقتصادي بالاستفادة من الظروف الحالية لجائحة كورونا بالتركيز على تقديم حزمة سياسات وإجراءات تعمل على تشجيع الانتاج الزراعي وكسر حلقة الاعتماد على الاستيراد وفتح الاسواق الخارجية للصادرات السودانية وإ عادة النظر في زيادة الأجور ومراجعة هيكل الأجور وفقا لأسس ومعايير جديدة من بينها التدرج في رفع الأجور وان تكون من موارد فعلية وتحجيم الانفاق العسكري والمدني للحدود الآمنة لتقليل عجز الموازنة العامة للدولة وتقييد التوسع النقدي لاحتواء التضخم عبر سياسات نقدية انكماشية و لاسراع في تطبيق سياسات تشجيع الذهب المعلنة والتأكيد على تحويل عائدات الصادر عبر النظام المصرفي و تسهيل استيراد الوقود والقمح عبر القطاع الخاص ( مع الالتزام بالدعم المقرر في الخبز ) والاعلان رسميا عن الوقود التجاري عبر القنوات الرسمية لفك الاختناقات وانقاذ الموسم الزراعى ومعالجة مشاكل الندرة التى تتسبب في بروز السوق الاسود ومراجعة تعريفة الكهرباء وتوفير مدخلات انتاج الكهرباء وتفعيل آليات الرقابة والمتابعة لأعمال الصيانة والمراجعة الدورية و الاعلان وبشكل رسمي عن سعر حر في البنوك للدولار يسمح به تحويل مدخرات المغتربين وان يكون هو سعر السوق نفسه ليكون مشجعا للتحويل وتسبقه حملة وطنية لتعبئة مدخرات المغتربين وتشجيع البنوك للاحتفاظ بأرصدة بالعملة الحرة للمغتربين وتسهيل حركة للتجويلات بدون قيود و مراجعة القوانين والتشريعات التى تنظم بيئة اداء الأعمال والاستثمار واتخاذ قرارات شجاعة تعمل على تشجيع تدفقات الاستثمار الاجنبى والتحرك الخارجي عاجلا للحصول على حوالى 3 مليارات دولار ( وديعة او قرض) لتعزيز ادارة سعر الصرف في ظل هذه التوجهات. وأشار الوزير الأسبق للتجارة الخارجية، المحلل الاقتصادي د. الكندي يوسف في وقت سابق ل(السوداني) الى أن البعض ينظر للتضخم من خلال قوة العملة الوطنية في مواجهة العملات الأجنبية وقيمتها الشرائية وهذا خط آخر تدخل فيه متغيرات الندرة في النقد الأجنبي نفسه حيث نجد أن هنالك ارتفاعا في الطلب عليه مقابل ندرة في المعروض منه خاصة في مواسم معينة ك(الحج والدراسة والعلاج ) مما يسهم في ارتفاع أسعاره بالسوق الموازي وبالتالي التأثير على مشتروات المدخلات الصناعية وزيادة أسعار المنتجات المُصنًع منها وشبه المُصنع وبالتالي ارتفاع التضخم، وقال : إن اجراء حصر شامل لكل السلع بالمستويات القياسية للأسعار يعطي مؤشرا صحيحا بمعدل التضخم كما هو الحال في قياس التضخم عالميا، بينما يتم داخليا التركيز فقط على السلع الاستهلاكية التي تؤثر في نفقات المعيشة في الحساب الشهري للتضخم وهذا في رأيي قياس غير دقيق ، مشيرا لضرورة احتساب التضخم على أساس فرق سعر الدولار في السوق الرسمي والسوق الموازي . ودعا بروفسير الكندي لمحاصرة التضخم المستورد لآثاره السالبة على التضخم داخليا من خلال ترشيد الاستيراد حيث أن غالبية موارد البلاد من النقد الأجنبي تهدر في سلع غير ضرورية ولا قيمة لها وكذلك ترشيد الطلب على الدولار والاهتمام بالقطاع الانتاجي وسلع الصادر والانتاج من أجل الصادر، مؤمنا على أهمية السعي للوصول لرقم أحادي للتضخم لنسبة (9)% فما دون .