كانت هناك مباراة حامية وصراع عنيف ما بين د. إبراهيم البدوي وزير المالية السابق، واللجنة الاقتصادية لقوى إعلان الحرية والتغيير. انتهت المباراة بذهاب البدوي كما هو معلوم، غير ان الانتصار الشكلي للجنة الاقتصادية لقوى إعلان الحرية والتغيير لا يعني أن الاقتصاد في طريقه للاستقرار، بالعكس هو موعود باضطراب عظيم. برنامج د. البدوي كان صحيحاً في جانبه النظري لأنه بُني على أساسيات علم الاقتصاد التي لا خلاف حولها، وليس مجرد امتثال لتعليمات صندوق النقد الدولي كما يشاع. غير أن التطبيق تم في بيئة غير ملائمة على الإطلاق من الناحيتين السياسية والاقتصادية. البرنامج الذي ارتكز على إعادة توجيه الدعم من دعم الاستهلاك السلعي إلى دعم الدخل الأساسي للأسر على نحو واسع، وإلى السعي نحو زيادة الإيرادات العامة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من حوالي 8% إلى حوالي 20%، وإلى تحسين أداء الخدمة المدنية بزيادة مرتبات العاملين بنسبة 528%، لم يجد دعماً من الحاضنة السياسية التي لم تصمم وتنفذ برامج تحث الناس على الإنتاج، وعلى دفع الضرائب. ولم يجد برنامج البدوي كذلك دعماً من المجتمع الدولي إذ كانت حصيلة مؤتمر برلين لدعم السودان بئيسة للغاية. الجانب الذي حقق انتصاراً وقتياً في المباراة وهو جانب اللجنة الاقتصادية لقوى إعلان الحرية والتغيير لا يملك في الحقيقة غير برنامج (حالم) كما سماه بحق الإمام الصادق المهدي. تناصر اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير إعادة الدعم السلعي، وهو للعجب في صالح أصحاب الدخول العالية لأنهم يستهلكون أكثر. كما أن إعادة الدعم السلعي يشجع على تهريب السلع المدعومة لدول الجوار. كما تناصر اللجنة تغيير العملة بهدف معرفة أصحاب الثروات من مناصري النظام السابق، وهذا هدف أمني من مسئولية الأجهزة الأمنية المختصة، أما اقتصادياً فإن تكلفة التغيير باهظة (أكثر من 100 مليون يورو للطباعة)، فضلاً عن أن الاتجاه العالمي الآن، حتى في البلدان النامية، هو النقود الإلكترونية أو استخدام وسائل الاتصالات في التبادلات المالية. بالنسبة للشعب السوداني فإن النتيجة للمباراة التي جرت هي زيادة معاناته بصورة هائلة، حيث بلغ التضخم لشهر يونيو 136% وهذا تضخم جامح له أثر سالب على كل القطاعات، مثلاً كل السلع الاستهلاكية زادت أسعارها ما بين 200% إلى 500% خلال ثلاثة أشهر. فيما تدنت قيمة العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية حيث فقدت حوالي 70% من قيمتها خلال نفس الفترة. الوضع الاقتصادي الحالي يحتاج لمعالجات غير تقليدية (خارج الصندوق). وهو ما سوف نتناوله غداً بإذن الله تعالى.