السبت الماضي، كان يوماً حزيناً للسودان والسودانيين، يستحق جعله يوماً للذكرى تنكس فيها الأعلام وتسود فيها الصحائف وتتوقف فيها الحياة،حيث لقى 60 مواطناً مصرعهم بقرية مستيري بولاية غرب دارفور، بواسطة ميليشيات لا تزال تسرح وتمرح رغم قيام الثورة التي ما جاءت إلا لوقف تلك الفوضى والعبث بأرواح الأبرياء سواء في دارفور أو في غيرها . بعد بيومين فقط من الحادثة الأليمة، وخلال تدشين شُحنة تصدير ذهب بمقر هيئة المواصفات والمقاييس، جاء نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول محمد حمدان دقلو"حميدتي" للمشاركة في حفل التدشين، وتوقعت مثل غيري، أن يستغل الرجل المناسبة التي حضرتها وسائل إعلام عالمية ومحلية ليترحم في بداية كلمته على الشهداء، والاعتذار لأسرهم عن التقصير الأمني، ويقر ويعترف بقصور السلطة الإنتقالية خاصة مكونها العسكري بالفشل في تحقيق الأمن، ليس في مستيري وحدها، لكن في كثير من مناطق دارفور التي ما زال الدم ينزف فيها حتى بعد ذهاب نظام المؤتمر الوطني، ووجب عليه التعهد والالتزام بملاحقة المتورطين وتوصيلهم لحبال المشنقة . وخيب حميدتي ظني، فعوضاً عن الوقوف عند الحادثة وتداعياتها، بدأ في توجيه نيرانه تجاه الحكومة المدنية، ووصمها بالفشل والتقصير، ويشتكي من تهميشهم كمكون عسكري في إدارة الملفات الاقتصادية، وكأنهم يملكون عصا موسى لتغيير الواقع الاقتصادي، وأعاد في ذات المناسبة اسطوانة الشكوى مما يتعرضون له من هجوم، رغم رغبتهم في مساعدة الحكومة، كما تضمنت الخطبة البكماء زوايا أخرى عديدة تستحق كل منها مقالا لوحده . حميدتي، وللأسف الشديد يسوق لنفسه على أنه المخلص للشعب السوداني، وأنه باستطاعته إدارة كل شيء، فهو الآن نائب رئيس مجلس السيادة والرجل الثاني في الدولة وقائد قوات الدعم السريع، ورئيس وفد التفاوض الحكومي في مفاوضات السلام الجارية في جوبا بين الحكومة والحركات المسلحة، ورئيس لجنة الطوارئ الاقتصادية، ويتحرك كيفما يشاء في ملف العلاقات الخارجية، وبعد كل ذلك يشتكي من التهميش وينزعج جداً من أي هجوم عليه وهو هجوم طبيعي يتعرض له أي شخص خرج للعمل العام. حميدتي، يهاجم الحكومة المدنية مجتمعة، ووزارة المالية ويرفض زيادة المرتبات، وينتقد الوضع الاقتصادي ويرسل سهامه نحو وزارة التجارة بطرف خفي ،ويتناسى في الوقت نفسه مهامه الأساسية التي تخصه وتخص من معه من المكون العسكري، وهي حفظ الأمن، كما يتناسى أن الوضع الاقتصادي الحالي هو نتاج خلل أمني في أحد جوانبه، وفيه يتباطأ المكون العسكري، في التعامل معها ومنها عمليات التهريب والتخرين للسلع الاستراتيجية والتجارة والمضاربة في سوق العملة ، ونشاط مافيا الذهب بكل أبعادها، أما الفشل الأكبر للمكون العسكري فهو الأمن وما أدراك ما الأمن ،وخير دليل على ذلك ما يحدث في دارفور من نشاط للميليشيات، ولو أن الرجل جاد فيما يقول لوجب عليه إن يتبنى تحقيق الأمن في الإقليم وان يترك خبز الاقتصاد والتجارة لخبازيه دون تدخل منه وحينما تحين لحظة الحساب فليقل ويفعل بعد ذلك ما يشاء .