وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    الامارات .. الشينة منكورة    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    شركة توزيع الكهرباء تعتذر عن القطوعات وتناشد بالترشيد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حميدتي – إعادة تشريح الدعم السريع للسياسي المعاصر والمثقف العضوي .. بقلم: د. عيسي حمودة
نشر في سودانيل يوم 21 - 04 - 2020

طرح صديقي حسن أدم - المهندس و رجل الأعمال - سؤالا في قروب واتسابي صفوي يجمع جيل من القيادات الطلابية السابقة بجامعة الخرطوم (في شتي الإهتمامات) - عن من يفكر للسيد محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي. أثار سؤاله تفكيري ثم عدت أفكر في مسألة الشراكة وتعقيداتها التي صارت أكثر تعقيدا بعد جريمة فض الإعتصام. وصار من بعدها الحديث عن الدعم السريع أو قائده تابوه , لايقربه الثوار والساسة والمثقفين. لكن لابد أن يأتي يوما للحديث عن هذا الأمر. التوتر داخل الشراكة أعاد الحديث هذه الأيام عن الدعم السريع ودوره كشريك في تحقيق الثورة و تأمين الحكومة الإنتقالية – ولكنه حديث محصور داخل الوسائط , وبخوف و بعض من التبرير. كما أن التقدم في ملف السلام وما يتطلبه من حوار حول قومية الأجهزة العسكرية ( جيش و شرطة ) ومعالجة القوات المسلحة الأخري ( حركات مسلحة ومليشيات), سيعيد الناس لتناول الدعم السريع ومصيره.
هذه محاولة لتسهيل تلك المهمة؛ الحديث عن الدعم السريع, من خلال تقديم (إعادة) تشريح للجسم و تحليل أفعال قائده منذ بدايات التكوين وإلي الآن. وهو مقال تشريحي وتحليلي , وليس إفادات أو معلومات مؤكدة. قد يساعد هذا التشريح في التعامل مع الدعم "كقوة حكومية مسلحة ذات وضع إستثنائي" - من غير الحوجة ألي تبرير أكثر من ذلك. أصبحت هذه القوات جزء من مكونات الحكومة والدولة بسبب عدة تطورات وملابسات أتناولها لاحقا. قبل أن أذهب إلي التشريح , أعود لما أجبت به علي سؤال المهندس حسن أدم , من ما هو متداول في المدينة , وقلت "يفكر له أقرباءه داخل السودان وفي الخارج بمن فيهم في غرب أوربا و أمريكا, وربما بيوت خبرة أجنبية". ثم قلت له يبدو لي أحيانا أن تفكير حميدتي مماثل لتفكير الزعمات السودانية التاريخية -مع إختلاف الزمان وشروطه. كانت المقاربة مع الزعمات التقليدية في أن الأخيرة وجهت طاقات "جيش" من المريدين للعمل بالزراعة والاستثمارات الأخري. في المقابل , إستثمر حميدتي النفوذ القبلي لبناء جيش مسلح من المريدين والمنتسبين - في زمن تقنين عمل شركات التنجيد و المليشيات المسحلة ( بلاك ووترز وأمثالها من الشركات الأمنية العالمية). وتوسع حميدتي , من بعد , في توجيه طاقة مريديه و جيشه إلي إستثمارات تجارية. هناك مقاربة أخري وهي سعي الإثنين لبناء نفوذ و تأثير كبير , ليس في مجال السياسة وحدها , وهو الدافع الأكبر إن لم يكن الأول , ولكن في شتي المجالات. إهتمام الإثنين بالدعوة ( بناء المساجد والخلاوي) وإنفاقهم علي الاعمال الخيرية خاصة رعاية المتعلمين والمثقفين ولو من مجموعات مناهضة ومعارضة. واضح إهتمام حميدتي بالتعليم والمتعلمين ( أظهرت الصور حميدتي وهو يبدو منصتا لطبيب في مركز العزل الصحي الحديث الذي شيدته قواته). هناك أيضا تشابه في إرتباط وتواصل الإثنين مع زعماء وشيوخ القبائل. أوجه عدم التشابه كثيرة , أشرت له علي أهمها وهو أن ليس لحميدتي أرتباط ظاهر بحزب سياسي كما كان حال الزعماء التقليدين – مثل إرتباط الإمام عبدالرحمن بحزب الأمة و السيد علي الميرغني بالحزب الاتحادي.
هذا المقال التشريح التحليلي حول ملابسات نشأة الدعم السريع ومراحل تطور شخصية حميدتي وواقعهما الآن , ينطلق من زواية الصراعات في السودان. وهي صراعات مركبة , حول الموارد والسلطة وحتي الغلبة الثقافية superiority , والأخيرة ظاهرة تنامت مع المشروع الإستعماري الذي يقسم الثقافة والبشر الي مراتب وطبقات. و علي ذلك أسس المستعمر وأقام مشروعه علي التدخل (الإنساني , الرحيم) لإنقاذ مجتمعات هذه الثقافات من أنفسهم والإرتقاء بهم! ولا يزال الشعور بالسمو والعمل علي نشر وسيادة ثقافة ما سائدا.
من تلك الزاوية فإن الدعم السريع يمكن , ببساطة , النظر إليه كحركة دارفورية مسلحة. ملابسات النشاة تؤكد هذه النظرة. من غير التفصيل حول أطراف الحرب المتشعبة والمتشابكة في دارفور , يمكن تحليل الواقع حينها وفق مرحلتين مهمتين مر بهما الصراع: مع بداية الإنقاذ و حتي قبل المفاصلة ما بين الإسلاميين , وما بعد المفاصلة. في بدايات الإنقاذ عمل مثقفي الإسلاميين , مستهديين بجهاز معلومات ملم بخارطة مراكز القوي المحلية والقبلية , علي إتباع سياسة فرق – تسد divide and concur . لعبت النخب الإسلامية علي علي هشاشة الأوضاع والصراعات بين إثنيات الإقليم وعملت علي محاباة وتمويل و إطلاق يد منسوبيها من أبناء الإقليم من بعض الإثنيات في مقابل تهميش وقمع لآخرين من أبناء وإثنيات ومجتمعات الإقليم. تم هذا تارة مع من سمي بالزرقة وتارة أخري مع من سمي بالمكون العربي – وهي تقسيمات إثنية وإجتماعية غير دقيقة. كان إستخدام الزرقة في بدايات الإنقاذ حيث مكنت الإنقاذ مثقفي الإقليم من إثنيات الفور والزغاوة ومجتمعاتهم و تم تصويرهم علي إنهم قواعد الثور وحماة الشريعة – بإختصار أعطتهم الأحساس بأنهم الحاضنة الشعبية للثورة. في المقابل , تم التعامل مع مثقفي وقواعد المجموعات العربية علي أنهم قواعد الطائفية ومعارضين , وبالتالي هم أعداء الثورة والدين. بعد المفاصلة وما تلاها من إستقطاب وسط االقيادات والقواعد بين معسكري الاسلاميين ( المنشية /الشعبي ؛ القصر /الوطني ) , حدث العكس تماما وهو تقريب القيادات من القبائل العربية وتمويلها و إطلاق يد منسوبيها. وعند توسع نطاق الحرب, ذهب النظام بعيدا في سياساته الإجرامية , شملت توسعه في تسليح القبائل و تكوين المليشيات المسلحة. حولت تلك السياسات الحمقاء الإقليم الي واقع أشبه بأفلام حرب العصابات وزعمائها الذين يعجب بها المشاهدون و ربما شجعوا ووققوا مع البطل - أحد زعماء حرب العصابات. وهو بطل من صنيعة المخرج , كما الخائن من صنيعة المخرج أيضا. وبكل أسف إن مسرح الحرب في دارفور لم يكن فيلما.
في ذلك المسرح العبثي والشرير , كان حميدتي يبحث عن السلاح لتحقيق أهداف حركته المسلحة (للدفاع عن المكون العربي) ووجد مخرجا ماكرا وأحمق. فلنتوفق هنا ونعود الي تناول تكوين هذه الحركة المسلحة التي لا يتطابق تطورها ووضعها اللاحق دورة حياة الحركات المسلحة في دارفو ويقية أجزاء السودان. هناك عدة "حميدتي" او مراحل من دورة حياة قوات الدعم السريع:
1. حميدتي إبن القبيلة والتاجر من الهامش الذي ولد في داخل الدولة السودانية المتصارعة. شاء قدره أن يتواجد في مسرح الصراع في ذلك الوقت الموصوف أعلاه من دورات الصراع في دارفور , مع معارضة شعبية قوية للنظام في الوسط و حصار دولي متزايد. كان هم حميدتي هوحماية نفسه وتجارته, ومع تزايد الحرب وإتساع رقعتها, تبين له أن ذلك لا يتحقق من غير الدفاع عن القبيلة أو المكون الإثني كله. تحول حميدتي هنا إلي مرحلة جديدة من التكوين و الطموح.
2. حميدتي المتمرد: أدرك حميدتي , كغيره , ضعف الدولة وكونهم ضحية بين أطراف متصارعة و لكن يدفعون ثمن أنهم مع الحكومة ( إثنيا و بتماهي المثقفين من أهله ومشاركتهم في المليشيات الحكومية).هنا أدرك أن عليه أن يقود هو بنفسه التمرد علي الدولة وعدم الإعتماد عليها لحمايتهم. عليه حمل السلاح ضد أي من يهدد وجوده – وجود أهله/ قبيلته.هذه نقطة فارقة في تاريخ حميدتي. كان يمكن أن يكون خياره التحالف مع الحركات المسلحة. ولكنه أختار الحكومة. ربما تم ذلك بسبب إغراء ابن عمه الشيخ موسي هلال , أوالمثقفين من أهله، أو عن وعي وإدراك منه وفق حساباته الخاصة، أو بسبب كل ذلك. رأي الشخصي أن ذلك كان خيارا نابعا من تفكير حميدتي شخصيا. كانت النظرة ولا تزال أن الدعم "أداة" صنعها الكيزان بتدبير من قيادتهم وجنرالات الجيش السوداني من النظام البائد. في هذه الفترة بدأ لحميدتي وكأن هذا التحالف والدعم حقق أهداف حركته, ولكن تفتحت عينيه ليجد أنه يخدم أجندة من مده بالسلاح. ويتضح في هذه المرحلة أن حميدتي صاحب مشروع وطموح متنامي ومتجدد أكثر من كونه متمرد أو مجرد أداة , وأن مثل الدور بإتقان.
3. حميدتي صاحب الطموح للعب دور محوري في السياسة والإقتصاد في مركز السودان: هذه مرحلة مهمة وظهرت للسطح مبكرا عندما رفض أن يكون مليشيا كبقية مليشيات الجيش - من دفاع شعبي، مجاهدين، حرس حدود. ساوم النظام بأن تكون الكلمة النهائية له - كان ذلك في التجنيد, وضع الخطط العسكرية, إختيار مكان العمليات العسكرية أو ادارة تمويل عملياته. لم ترضي السلطة البائدة ذات مرة, فخرج عليها وتمرد. في ظل حيرتها وضعفها وبعد أن رأت مقدرته في تحقيق إنتصارات كانت السلطة البائدة في حوجة ماسة إليها حتي تقلل من ضغط المعارضة في الوسط والأطراف، قبلت بشروط حميدتي وعاد.
4. حميدتي رجل الدولة الخفي في النظام البائد: هذه مرحلة إستدعاء حميدتي للخرطوم وبقائه بها لأول مرة. ساعد إدراج حميدتي في قيادة جهاز الأمن والمخابرات في تطور فهمه وصار مدركا أكثر مما قبل بخبايا صراعات الإسلاميين الداخلية علي السلطة. جهاز الأمن والمخابرات ظل علي الدوام تحت سيطرة قيادات الإسلاميين المنافسين للرئيس علي السلطة – تارة تؤول الغلبة فيه لأحد القيادات وترة أخري تدنو لقيادي آخر. الرئيس المخلوع من جهة أخري وبإجتهاد منه و من أجهزته الأمنية الخاصة, نجح في أن يظل حميدتي إلي جانبه. صار حميدتي جزء من صراعات الإسلاميين. ولكن وضح له إنه هو صانع الملوك king maker - وصانع الملوك يعرف انه لن يكون ملكًا ولكن بدون دعمه لن يتوج شخص آخر كملك أيضا. وأختار حميدتي أن يتوج البشير. ماذا كان سيحدث لو إختار حميدتي الطرف الآخر من الصراع – قيادات الإسلاميين؟ كان يمكن أن يظل كما هو - يستمر في توسيع قواته و تمدد إستثمارآته. ولكن ذلك لن يحقق طموحه - طموح التحول إلي رجل دولة بمعني الكلمة - بدل أن يظل صانع الملوك فقط. ربما وضح له إن إختياره للبشير سيساعده في القضاء علي التنظيم الإسلامي -الحاضنة الشعبية لقيادات الاسلاميين. الرئيس المخلوع فقد تلك الحاضنة الشعبية – بإختياره – و إكتفي بمن حوله من شلة فاسدة من قيادات المؤتمر الوطني وقيادات أحزاب التوالي والرأسمالية الطفيلية. ساعد إنحياز حميدتي وولائه الظاهر للبشير , الأخير في التخلص من سطوة التنظيم الإسلامي. وبهذا مهد حميدتي لنفسه أن لا تكون له معارضة قوية عندما يتقدم للتويج – تقلد موقع رجل الدولة. سخر الله لحميدتي في طريق توسيع طموحه طه الحسين وآخرين. رغم ثراء حميدتي وسيطرته علي قواته وإنتهاء الحرب بصورتها الشاسعة في دارفور، كان مصرًا علي الترقي في سلم القيادة العسكرية وهو ليس في حوجة لها , بل هو من يصرف عليها وعلي الدولة نفسها. ولكن هذه رموز وطقوس (تعبيد) ضرورية للظهور و للترقي كرجل دولة. ألم يعمل كل الرؤساء علي ترقية أنفسهم وتقليد صدور بزاتهم العسكرية بالنياشين؟ بل حتي حتي الالتحاق بالدراسات العليا؟ في هذه المرحلة بدأ حميدتي في توسيع عمله وسط المواطنين خاصة في الوسط والشمال - مثل تقديم خدمات المياه والتعليم والصحة وتشييد المساجد والخلاوي. كل هذه من أعمال رجال الدولة و السياسيين , أو الرأسمالية التي تقوم بهذه الأدوار لكسب دعم رجال الدولة وللحصول منهم علي مزيدا من فرص العطاءات والإعفاءات والتمويل من البنوك. أفاد طه الحسين حميدتي أيضا بتقديمه للعالم. قدمه لحكومات الخليج ومن بعد دخل حميدي مسرح السياسة الدولي وأحلافها. وجد حميدتي حلف الناتو في حروب سياسية وإقتصادية وعسكرية مع حلف الصين وروسيا وأيران. كانت تدور أحد تلك الحروب في مسرح اليمن , تغذيها خلافات محليه دينية بين الشيعة والسنة. أظنها بدت لحميدتي شبيهة بحروب دافور بين العرب والزرقة, التي هي أيضا حروب لجهة أخري تغذيها خلافات محلية.
5. حميدتي رجل الدولة الحقيقي والذي نعرفه الآن: هذه مرحلة جديدة بدأت متزامنة مع إشتعال ثورة ديسمبر المجيدة. كانت الحاضنة السياسية لدولة الإسلاميين قد إنتهت, وأدرك حميدتي أن الملك ظهره مكشوف. أختار حميدتي الجماهير الثائرة.ألم اقل لكم إنه يريد أن يكون رجل دولة في المركز؟ لن يتحقق ذلك بإنقلاب لإبن القبيلة والتاجر من الهامش. والا لقام بذلك مع طه الحسين الذي جاء من موطنه الجديد و أقام في فندق ليس ببعيد من ميدان الإعتصام وشاع حينها في المدينة إنه أغري حميدتي بذلك. ولكن حميدتي يريد أن يكون رجل دولة حقيقي مثله مثل حسني مبارك وحافظ الأسد وحتي عبد الفتاح السيسي. لذا فهو يحتاج الي حاضنة سياسية شعبية. فوضد إختياره للثوار الذين وضح له إنهم منثصرون لامحالة.
هذه معضلتنا نحن الثوار والساسة المعاصرين والمثقفين الوطنيين الآن: وهي أن حميدتي شريك في صناعة الثورة (بغض النظر عن مقدار المساهمة التي قدمها) و من ثم صار حميدتي رجل دولة بصورة دستورية (عبر وثيقة دستورية – وضعتها قوي الثورة). أي أن حميدتي الآن (النسخة الخامسة) من صنيعتنا. وكان ذلك ولا يزال بسبب أننا نحتاج من يحمي ظهرنا. أثبتت الأيام ذلك. كما تظل حوجتنا إلي "صانع ملوك" يساعدنا في الوصول إلي صندوق الإنتخابات قائمة. ولكن ماذا إذا كان لايزال حميدتي يعمل ليصبح هو الملك نفسه؟ كيف نتعامل مع هذا؟
أعود إلي ما ذكرت إبتداء, وهو التعامل مع حميدتي عبر بوابة إنهاء صراعات الدولة السودانية الممتدة - عبر عملية السلام التي جاءت في مثياق الثوار (مثياق قوي الحرية والتغيير) ومن بعد ضمنت في الوثيقة الدستورية. ولكن حميدتي نفسه يشرف علي ملف السلام ويري تعسره , ونري نحن تصاعد الإتهمات المتبادلة بين حلفاء الأمس من الجبهة الثورية وقوي الحرية والتغيير , هل يقبل الإعتراف به فقط كزعيم حركة مسلحة وأن تعالج أوضاعه مثل بقية الحركات ويتحول الدعم ألي جنود أفراد وضباط في داخل جيش قومي؟ أو تسريح الدعم السريع و تحوله إلي حزب سياسي وتشجيعه الدخول في تحالف سياسي قوي الحرية والتغيير , أو مع واحد أو أكثر من القوي المكونة له؟
ليس من المرجح أن يقبل حميدتي بكل ذلك. ربما المدخل من خلال بند إصلاح المؤسسة العسكرية والأمنية , كما هو مضمن في الوثيقة الدستورية أيضا. مسالة دمج الدعم السريع أو جيوش الحركات المسلحة الأخري في القوات المسلحة في ظل عقيدتها و تركيبتها التاريخية لن يحقق السلام ولن تحقق بند إصلاح القطاع الأمني. كما أن وجود الدعم السريع وبوضعه الحالي لن يحقق ذلك أيضا.
لا زالت الثورة حية والجماهير صامدة. ولكن وارد حدوث توترات تقلب ما يشبه "توازن القوي" الآن. أي إختلال في توازن القوي هذا, سيغري المغامرين بمحاولة الإنقلاب علي حكومة الثورة. إختلال القوي لغير صالح الثورة يأتي من ضعف الحاضنة السياسية والشعبية للثورة, بسبب تعثر عملية السلام, و من تشتت سند الثورة في الأطراف والوسط بسبب الإحباط من إحداث تقدم في أمر المعيشة والإقتصاد. وقتها تطفو الصراعات ثم الإنقسامات وسط قيادات قوي الحرية والتغيير ويتبعها إستقطاب الجماهير علي هذه المحاور الجديدة. قبل حدوث ذلك , نحتاج الي هذا الحوار المفتوح حول الدعم السريع وربما التسليم بأهمية وضرورة التعاون معه كشريك حقيقي - شراكة وطنية مربحة تحقق التحول الديمقراطي وتساعد علي إستدامته. لا يلغي كل ذلك مسالة العدالة. نجاح الشراكة مرهون بالتحقيق في كل المجازر في الخرطوم وفي خارج الخرطوم وتحقيق العدالة لكل ضحاياها عبر شتي السبل والأليات. هذا موضوع سأتناوله في مقال لاحق.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.