التقلبات السياسية التي تظهر على المشهد السوداني، وبكل ما تحمله من سوء، أمرٌ معتاد لا يحمل غرابة، إلا أن التغيرات والتفلتات الاجتماعية التي تزايدت في الآونة الأخيرة، باتت شيئاً لا يمكن السكوت عليه.. تخيلوا أن تتعرض فنانة شعبية للتحرش من عدد من الرجال خلال حفل غنائي، ولا يحاول منع التحرش عنها إلا قلة من المواطنين المحيطين بها.. بحسب أحد الأفراد الذين تواجدوا في المنطقة أن ما رشح عن قبول الفنانة عشة الجبل لسيارة باترول من أحد أعضاء المجلس السيادي كان أحد أسباب سخط المواطنين عليها..! مقطع الفيديو المتداول أمس، يُظهر إعتداء مجموعة على الفنانة صاحبها ترديد عبارات وألفاظ خادشة للحياء، ليُطلق أحدهم بعد ذلك أعيرة نارية في الهواء لتفريق المتحرشين..! من قبل، تعرض أحد الشباب لعضو المجلس السيادي شمس الدين كباشي بعبارات عنصرية "قبيحة" اضطرت لجان المقاومة في المنطقة إلى إصدار بيان للاعتذار عنها وإعلان تبرئهم منها ومن قائلها، وأمس تعرضت عشة الجبل لإساءات "سخيفة وغريبة" لأنها جاءت بشكل جماعي، في مشهد لا يمت للرجولة والشهامة بصلة. هذه الاعتداءات التي لم تجد لها حتى الآن من رادع، ستزداد يوماً بعد آخر، وستتنوع أساليبها تحت مسميات الحرية و"الفتيل" وأخذ الحق باليد وليس القانون. الأزمة أيضاً أن هذا المظهر المتكرر، يعكس حالة التفلت العامة وفقدان هيبة الدولة وربما أمنها إن استمر الأمر كما هو عليه. لا أحد ينكر أنه من الأسلم معالجة المشكلة مجتمعياً عبر التوعية والاستنكار والإدانة الواسعة سياسياً واجتماعياً وشعبياً، لكن من الأفضل أيضاً أن يصاحب هذا الرفض إجراءات قانونية وشرطية تلقي القبض على المعتدين والمتحرشين خاصةً أنها تتم في أماكن عامة بل ويتم تصوريها "لايف" بالهواتف النقالة..! هذا التنمر الذي بات موجوداً في الميدان والشواع وأرض الواقع ما هو إلا إنعكاس لحالة التنمر العامة في وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يستحق الوقوف عنده مجتمعياً ومن الحاضنة السياسية الحاكمة "قوى الحرية والتغيير" إن كانت مازالت موجودة، وكذلك كل مؤسسات الدولة وأجهزتها.