يبدو أن القرار الأخير يتسق مع جملة إجراءات عديدة اتخذها البنك المركزي مؤخرًا في محاولة اعتبرها مختصون أنها تأتي بغرض ضبط وإدارة أسعار الصرف، إلى جانب الرقابة على النقد الأجنبي وتوجيه موارده لاستيراد مدخلات الإنتاج والسلع الرأسمالية والأدوية، وذلك بحسب العضو السابق بأمانة المستشارين بمجلس الوزراء والخبير الاقتصادي هيثم فتحي في حديثه ل(السوداني) أمس، وأضاف: كما أن تلك الإجراءات تأتي لمحاربة تجارة العملة خارج القنوات الرسمية واستقطاب تحاويل المغتربين للسماح بضخ مواردهم عبر القنوات الرسمية وبالسعر المعلن بواسطة بنك السودان المركزي. من جانبه اعتبر الخبير الاقتصادي د.محمد الناير أن الإجراءات التي اتبعها بنك السودان مؤخرًا ربما تكون فاقت الحد، وذلك للسيطرة على سعر الصرف، وتوقع الناير أن تكون تلك الإجراءات مؤقتة بحيث يمكن لبنك السودان الرجوع عنها. فوائد القرار وفيما يتعلق بحظر المصارف من الاستيراد إلا بإذن من المركزي، يرى الناير في حديثه ل(السوداني) أمس، أن الوضع الحالي لا يستدعي اللجوء لمثل هذه القرارات، وأضاف: أما إن كان المركزي يرى أن هذا الوضع يستدعي الموافقة على عمليات الاستيراد منه فليسهل الإجراءات ولتتم الموافقة بصورة فورية عبر التقنية المصرفية، أي إذا استوفى طلب المصرف الشروط فلتتم الموافقة وقتيًا. واعتبر الناير أن هذه الإجراءات مؤقتة إلى حين تحسن الأوضاع واستقرار سعر الصرف، لافتًا إلى أنه في حال الاستقرار ينبغي أن يعيد بنك السودان النظر في هذه الإجراءات. توفير النقد بالمقابل رهنت غرفة المستوردين نجاح قرار البنك المركزي بحظر استلام أيّ مبالغ من النقد الأجنبي للمستوردين من خارج القطاع المصرفي، بتوفر النقد الأجنبي للبنك المركزي لتبيلة حاجة الاستيراد كافة بالبلاد، موضحين أن نجاح القرار يمثل مكافحة لتجارة العملة، واعتبر مستوردون في حديث سابق ل(السوداني) أن هذا القرار يعني سد منفذ السوق الموازي أمام الموردين، راهنين نجاحهُ بعوامل توفير موارد نقد أجنبي داخل البنوك، أما في حالة عدم توفرها فإن هذه القرارات ليست سوى تقييد وتحجيم وإيقاف للاستيراد. وحول فوائد هذه الإجراءات يرى المستوردون أن لها إيجابيات كثيرة في مكافحة تجارة العملة وإجبارهم على عدم بيع عملاتهم الحرة إلا في المصارف، ووصفوها بال(خطوة الجيدة) التي ستؤدي إلى إلزام التجار بتوريد النقد الأجنبي للبنوك، وأن نجاح هذه القرارات في زيادة العرض وتلبية طلبات احتياجات الاستيراد تمثل الخطوات المطلوبة لفائدة الاقتصاد الوطني. تحديات وصعوبات أما التحديات التي يمكن أن تشكل عقبة أمام مثل هذه السياسات، فتبرز بحسب المورد قاسم صديق في محدودية موارد البنك المركزي للعملات الأجنبية في عائدات الذهب وحصائل الصادر وتحويلات المغتربين في نطاق محدود، ويذهب صديق في حديث سابق ل(السوداني)، إلى أن تغطية الاحتياجات للبنك ستكون حسب الأولويات، كالقمح والدواء والجازولين والغاز ومدخلات الإنتاج والتنمية، وأضاف: في حالة تمويل هذه القطاعات يكون من الصعب على البنك توفير احتياجات أخرى من الاستيراد. واعتبر قاسم أنهُ يظل من الصعب تجاوز هذه التحديات إلا عبر قروض سلعية أو ودائع لفترات طويلة الأجل، بما يتيح إصلاح حال الاقتصاد إلى جانب عدم قدرة البنك في الإيفاء بهذا الالتزام للموردين، مما يجعل من الصعب نجاح هذه القرارات، متوقعًا ألا تجد قطاعات واسعة من الاستيراد موارد تمويلها في الفترة المقبلة. فيما يعتبر هيثم فتحي أن للقرار تبعات وتأثيرات أخرى على جوانب كثيرة، ويرى أنه في المدى المتوسط والطويل يمكن أن تحدث ندرة في كثير من السلع المستورة، داعيًا إلى ضرورة أن ترافق الإجراءات المالية والنقدية إجراءات غير مالية احترازية. ندرة السلع في المقابل توقع خبراء اقتصاديون أن يوقف غالبية تجار العملة نشاطهم حيث كان المضاربون يستغلون الطلب الكبير على الدولار، داعيًا إلى تسعير عادل لسعر صرف الدولار في البنوك حتى لا يكون هناك أيّ مجال للمضاربات وتحقيق مكاسب سريعة من خلال سوق الصرف، واعتبر فتحي أنهُ في ظل هيمنة السياسة المالية على السياسة النقدية وخاصة سياسة ضخ النقود لصالح البنك المركزى على باقي السياسات الاقتصادية وإدارة الحكومة في تبني إجراءات وعقوبات قانونية للمتعاملين في سوق النقد الأجنبي، يمكن لكل ذلك أن يثبت عمليا أنها تجربة أقل فاعلية في تحقيق الهدف. ويرى فتحي أنهُ في ظل المشهد والمنهج الاقتصادي المتسم بالارتباك والغموض وغياب الرؤية المستقبلية الاستراتيجية وهيمنة سياسية اقتصادية لا بد من وضع برنامج واضح ومحدد المعالم والظواهر والآثار.