الحديث عن التعاون مع موسكو في سياق القوة الرادعة السودانية لم يكن وليد زيارة الرئيس لحاضرة البحر الأحمر، وسبق للبشير أن تطرق لذات الموضوع عقب مباحثاته مع نظيره الروسي في نوفمبر الماضي بموسكو، وقال وقتها: اتفقنا مع وزير الدفاع الروسي على إطلاق برنامج كبير لإعادة تجهيز قواتنا المسلحة وتحديث قدراتها، وأضاف: يجب التذكير بأن السلاح الذي نمتلكه روسي الصنع، وهذا ينطبق على القوات البرية والجوية أيضا. ماذا يعني الردع؟ مستشار وزير الدفاع الخبير العسكري اللواء يونس عبد المحمود يذهب في حديثه ل(السوداني) أمس، إلى أن معنى كلمة الردع هو إجبار العدو على عدم الإقدام على أي خطوة خشية رد الفعل؛ قاطعا بأن الرئيس عندما يتحدث عن قوة رادعة فإنه يقصد تسليح وتدريب وتعبئة وتكتيك نوعي للجيش، وأضاف: بمعنى أن يدرب الجيش ويسلح نوعيا واستخدام القوات أي توجيه العمليات عبر استخدام تعبوي وتكتيكي صحيح. ويرى يونس أن كل ذلك يمكن أن يضاف إليه إنجاز روافد أو تحالفات وبروتوكولات عسكرية صديقة بما يسهل للجيش أن يجد المدد والإعانة الفنية التدريبية والتسليحية التي تخدم الأغراض التي يريدها. فيما يعرّف اللواء عمر عبد الماجد الردع في حديثه ل(السوداني) أمس، بأنه جعل العدو يفكر أكثر من مرة قبل أن يقدم على أي عملية أو مغامرة عسكرية في مواجهة السودان، وأضاف: خلق قوة رادعة للسودان تجعل من تهديد السودان أمرا عبثيا لجهة أن وجود تلك القوة الرادعة يعني قدرة السودان على تأمين نفسه من الضربة الاستباقية، أي أن رد الفعل عند الضربة الأولى لن يكون صفرياً. واعتبر الخبير العسكري والاستراتيجي أن المراهنة على برنامج سوداني روسي لأجل تحديث وتطوير القوات المسلحة، لم تكن عبثا، وأن الرئيس البشير تعمد تبني ذلك المشروع مع الروس لجهة أن موسكو لها بالفعل القدرة على ذلك بالإضافة إلى أن روسيا دولة ذات مثل وقيم مقارنة بواشنطون. وأضاف: كما أنها تتعامل بوضوح وبمصداقية في تعاملاتها والدليل على ذلك تسليمها لطائرات السوخوي 35 بمجرد الاتفاق مع الخرطوم، لتكون أول دولة في العالم العربي تمتلك هذه الطائرات. التحديث والتطوير وبرر عبد الماجد اتجاه السودان نحو روسيا في برنامجه العسكري التحديثي لجهة أن التسليح السوداني شرقي بالأصل، وأضاف: الرئيس نميري إبان عهده غير في نوعية التسليح السوداني من سلاح غربي سواء كان بريطانيا أو ألمانيا أو غيره إلى شرقي فظهرت الدوشكات والكلاشنكوفات. ملامح المشروع التحديثي والتطويري بدت أمرا سريا، بيد أن الرئيس البشير ألمح خلال مخاطبته احتفالات البلاد بأعياد الاستقلال إلى أن البرنامج دقيق ومرتب ووفقا لجدول زمني، ممسكا وقتها عن التفاصيل ربما بحكم الطبيعة السرية لمثل تلك المشاريع؛ إلا أن عبد الماجد يرى أن هذه المشاريع بالأساس تعتمد على رفع كفاءة ومستوى أداء المحاور الثلاثة الأساسية في: المشاة والبحرية والجوية، وأضاف: كلما ارتفعت مهارة الفرد في استخدام السلاح ارتفعت الكفاءة القتالية والتعامل مع هذا السلاح. وجود برنامج مشترك تحديثي للجيش مع دولة ما بدا استفهاما مكبوتا للكثيرين لجهة ما يعنيه ذلك من انكشاف السودان عسكريا أمام دولة أخرى، لكن اللواء يونس عبد المحمود أوضح أنه على المستوى العسكري هناك ما يعرف بالعدو المحتمل أي أن التفكير في أي دولة على أنها في يوم ما ستكون عدوا، وأضاف: بالتالي لا يمكن الاقتراب من مثل تلك الدولة بهذا المستوى الذي يتيح كشف الأوراق. واستدرك: لكن روسيا ليست عدوا محتملا لسببين: أولا لأن روسيا ليست جارة للسودان، كما أنها لا توجد منافسة بينها والخرطوم على أي مستوى، وتابع: لذا نستبعد أي نذر مواجهة بيننا على المدى الاستراتيجي لأنها ليست دولة جارة أو منافسة لها لا في نفوذ أو موارد أو أي شيء آخر. تفاصيل السوخوي قبيل مغادرة الرئيس البشير إلى موسكو في نوفمبر الماضي، رشح تسلم السودان للطائرة الروسية (سوخوي 35)، ووقتها لم تجد تلك المعلومات سندا رسميا أو تعزيزا مسؤولا في الحكومة أو الجهات المعنية في القوات المسلحة، بيد أن الموقع الرسمي للجيش الروسي باللغة العربية أعلن عن أن السودان تسلم السوخوي الطائرة القتالية الأحدث في العالم كأول دولة عربية وأن السعودية ستتعاقد عليها قريبا. موسكو بدت فخورة بطائرتها، وعرفتها بأنها طائرة مقاتلة متعددة المهام ذات قدرة فائقة على المناورة تنتمي إلى المقارب للجيل الخامس، ووصفتها بأنها طائرة تفوق جوي، كما أنها قادرة على ضرب أهداف أرضية. وطبقا لموقع الأمن والدفاع العربي وطالعته (السوداني) أمس، فإن طاقم الطائرة يتكون من فرد واحد، وأن وزن الطائرة لدى الإقلاع 34500 كيلوجرام، بينما تبلغ سرعتها 2125 كلم/ الساعة، ويصل مدى عملها القتالي إلى 1500 كلم. المفاجأة بخصوص الطائرة (سوخوي 35) تمثلت في أسلحتها، وتتكون من صواريخ موجهة (جو – جو) و(جو – أرض) بالإضافة إلى قنابل موجهة وغير موجهة، وتمتلك الطائرة مدفعا من عيار 30 مم، وراداراً من طراز (بارس – إر). ونقلت تقارير إعلامية عن نائب رئيس الوزراء الروسي قوله إن السوخوي 35 قادرة على كشف وتعقب ومهاجمة 8 أهداف في وقت واحد، ولديها جهاز تشويش يجعل الطائرة غير مرئية، الأمر الذي يجعلها كمقاتلة مماثلة للمقاتلات الأوروبية والأمريكية. وطبقا لذات لصفحة الجيش الروسي، فإن سعر الطائرة الروسية يبلغ نحو 35 مليون دولار. وبحسب المواقع الروسية، فإن انضمام المقاتلة للسودان سيشكل عامل ردع وذراع طويلة. ونقلت تقارير إعلامية عن قائد القوات الجوية السودانية صلاح الدين عبد الخالق سعيد، كشفه للاتفاق على الطائرة في مارس من العام الماضي، واعتبر حينها أن الطائرة ستُساهم في تعزيز دفاعات السودان وستوفر الحماية ضد أي تهديد. عموما برامج تطوير الجيش وتحديثه لم يكن مشروعا خفيا، بل ظل محل التركيز الرئاسي منذ فترة ليست بالقصيرة، ففي نوفمبر 2016م أعلن الرئيس البشير عن العمل سرا لتطوير قدرات الجيش السوداني وأن السودان استطاع امتلاك أسلحة ومصانع عسكرية حديثه، وأضاف وقتها: هدفنا النهائي أن نقاتل ليس عن ضعف، ولكن بوجود القوات المسلحة وبهيبتها لتحمي البلاد من غير قتال.