وصلتُ إلى صالة الوصول بمطار الخرطوم، وقبل أن تهدأ أنفاسي سألتني امرأة مُتقدِّمة في السن: (يا ولدي، عايزة أسألك.. بتِّي وأولادها جايين من السعودية الطيارة بتصل متين؟)، قلتُ لها بكل أسف لا أعرف (لكن ممكن تسألي في مكتب الاستعلامات).. هُنا ردَّت عليَّ (وصّفوه لي ومشيت لكن ما لقيت فيه زول). هُنا تداخل معنا في الحديث رجُل عرَّف اسمه ب"محمد جمال" ثم قال: شاءت الأقدار أن نجوب معظم مطارات العالم ومن البديهيات أنه في صالتي الوصول والمغادرة توجد (شاشتان)؛ داخلية للقادمين أو المُغادرين، وخارجية للمُستقبلين، كلا هاتين الشاشتين تزوِّدان الجمهور بكل كبيرة وصغيرة عن السفريات، وبالتالي فوجودها في صالات المطارات لا يقل أهمية عن وجود الكادر البشري مهما علا شأنه، لأنه في غياب هذه الشاشات، سيسأل المُستقبلون بعضهم ولن يجد الكثيرون إجابة عن أبسط الأسئلة. الجواب عند الواتساب!! عاصم شرف الدين، كان في انتظار قادم من الخارج، ذهب إلى صالة الوصول بعد المغرب، قال ل(السوداني): "دلفتُ إلى الصالة التي كانت تتراص بها كراسي المُستقبلين، لكن وجدتها خاوية على عروشها حتى من (بنبر) أستريح عليه ريثما يصل (قريبي) القادم من الخارج، وطال انتظاري لعدم وصول الطائرة في الموعد المحدد، فساعات الانتظار مهما طالت فلا خيار أمام المُستَقبِل سوى أن يقضيها (واقفاً) على رجليه أو في الكافتيريا بالطابق العلوي لأنَّ (الكراسي) قد تمَّت (لملمتها)، لماذا؟ لا أحد من القادمين أو المُستقبلين يعرف".. ويقول شرف الدين "ولأنه لا توجد (شاشة) استعلامات تملِّك الناس الحقائق، ذهبتُ إلى مكتب الاستقبال (العادي) لكيما أستفسر عن وصول الطائرة المقصودة، لكن خاب ظني حيث وجدتهم لا يعرفون شيئاً عن سبب تأخرها، وبعد جهد جهيد تواصلتُ مع (قريبي) عبر (الواتساب) من داخل الطائرة فأخبرني بأن طائرتهم تأخرت ساعة من الزمان وعليَّ أن أنتظر". (بِرش الصلاة) ساعة كاملة قضيتُها – أنا المُحرِّر- بصالة الوصول أمس الأربعاء، وعندما حان وقت صلاة الظهر خرجتُ أبحثُ عن مُصلَّى فهالني منظر المُستقبلين والعاملين بالصالة وهم يفترشون (برش) أخضر اللون في ظلٍّ ليس بظليل أتى من مبنى متواضع ب(الحوش الفسيح) بصالة الوصول، أمَّا (الحمامات) الخارجية فلا يدخلها إلا (مزنوق!!). بكلِّ صدق فالصالة تفتقرُ لكل شيء من أمور الدنيا والآخرة، ولذا قال عاصم شرف الدين: أنا جئت في المساء وعندما حان موعد صلاة العشاء خرجنا – مجموعة من المستقبلين - وصولاً إلى (مواقف السيارات) حيث وجدنا (بِرشاً) مفروشاً في الهواء الطلق، وأدَّينا فيه الفريضة، أثناء مرور العربات وحركة الناس. وأضاف بقوله: المُحيِّر في الأمر أن هنالك مكاتب متراصة خارج الصالة وكلها مُغلقة؛ فإذا لم تتم الاستفادة منها لماذا لا يتم تحويلها إلى مصلَّى يؤدي فيه الناس صلاتهم بخشوع؟ سؤال بسيط (الحمَّامات) التي تحدثتُ عنها آنفاً موجودة خارج الصالة، أما الحمامات الداخلية فيصفها "أمين أحمد" بأنها غاية في السوء لدرجة تجعل استخدامها أشبه بالمستحيل مهما كانت حاجة المرء لها، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ناهيك عن القادمين والمستقبِلين؛ أين يقضي العاملون بالمطار أنفسهم، حاجتهم؟ هل في هذه الحمامات وبشكلها الحالي، أم في مكانٍ آخر وأين هو؟. من ضمن (البلاوي) التي كانت تواجه كل من تطأ أقدامه صالة وصول مطار الخرطوم (الدولي)، رحلة البحث عن (تُرلِّي) – عربة حمل الأمتعة- ففي موسم قدوم المغتربين يضطر القادمون إلى الخروج حتى مواقف السيارات للظفر ب(تُرلي) بثلاثة أرجل في أحسن الأحوال، الآن وللأمانة فالعربات متوفرة بكثرة لكن الكثيرين يفضِّلون حمل أمتعتهم على أياديهم بدلاً من هذه (العربات) التي هي نفسها في أمسِّ الحاجة لمن يحملها وذلك لسوء حالها الذي جعل أحد القادمين يقول (دي شكلها عملوها في المنطقة الصناعية بحري..!!). الجهاز السحري القادمون أيضاً يشكّون لطوب الأرض من وصول أمتعتهم رغم وجود أربعة خطوط ل(سير العفش)، تبقى المُعضلة كلها في جهاز الفحص؛ فالجهات المختصة -الجمارك- تفحص كل هذه الأمتعة عبر جهاز واحد، وبالتالي إذا وصلت طائرة تحمل (500) شنطة، فكلها تقف في طابور طويل أمام هذا الجهاز (السحري)، السؤال الذي يردده كل من تمَّت (مرمطته) بصالة الوصول هو: ما المانع من توفير أربعة أجهزة بحيث يكون مع كل خط ناقل للأمتعة جهاز فحص، يُريح العباد من هذا الانتظار الممل. سهير مصطفى - إحدى القادمات – قالت ل(السوداني): "أنا قادمة إلى الخرطوم عبر طيران (فلاي دبي) وهو طيران حسب شروط التذكرة لا يُقدِّم أي خدمة، حيث يصل المسافر وهو في أشدِّ الحاجة إلى ماء يشربه وطعام يسد به جوعه لكنه يُفاجأ بأن الصالة خاوية من كافتيريا توفِّر أبسط الخدمات. وما يزيد الطين بلة الانتظار الذي يطول بسبب انتظار (العفش)"، ومضت سهير لتقول "من الملاحظات الواضحة جداً أن شركات الطيران الكُبرى مثل القطرية، الاتحاد وما شاكلهما يتم استخلاص الأمتعة للقادمين عبرهما بسرعة رغم إجراءات (السير) البطيئة، أما عندما يأتي الدور على شركات الطيران (التعبانة) هنا تحصل (التلتلة)"، واختتمت بسؤال: "هل هذه التفرقة مقصودة ولماذا؟". لا يرقى ل(الدولية)..!! ويقول حسن مكي الصوفي، مدير المراجعة الداخلية، المدير المُناوب لمطار الخرطوم (الأسبق) ل(السوداني): "شيء مؤسف أن تصل الأمور في صالة الوصول إلى هذا التدهور المُريع الذي يجعلك تتمنَّى ألا تحتاج إلى أبسط الخدمات بالصالة، رغم أن هنالك رسوماً تفرضها الدولة على المُغادرين – رسوم مغادرة -، والمُستقبلين – تذاكر العربات- هذا خلاف أن المطار هو واجهة البلد وبالتالي يُفترض أن تصرف عليه الدولة كل ما تملك من مال، ناهيك أن تضنَّ عليه حتى برسوم خدماته. ومضى الصوفي بقوله: حتى إجراءات (الترانسيت) المتوفرة في كل مطارات العالم لا تتوفر بشكل مُريح في صالة الوصول بمطار الخرطوم ما يجعل المُلزمين بها للخارج ثم العودة لتكملة الإجراءات بطريقة عقيمة لا تحدث إلا عندنا. ونوَّه إلى أن مطارنا لا يرقى لمستوى (الدولية) التي تتطلب شروطاً أبسطها تقديم الخدمات مثل (شاشات) التنويه، الكفتيريات، وسلاسة إجراءات الترانسيت هذه، وغيرهما من معايير لا تنطبق بكل أسف على مطار الخرطوم. واختتم بقوله كل الإخفاقات التي تشهدها صالة الوصول بمطار الخرطوم تعود أسبابها مباشرة لعدم وجود الإدارة الفاعلة المنضبطة، التي تمارس رقابة صارمة على كل كبيرة وصغيرة تحدث بالمطار، مع العلم أن هذا المرفق الاستراتيجي قد تم تقسيمه مثل (المرارة) إلى شركات، وهذا وضع مُختل لا يوجد في مطارات الدنيا، وتم الاستغناء عن كفاءات إدارية مُدرَّبة ذهبت إلى الرصيف بسبب الإحالات بأنواعها المختلفة، لنصل في خاتمة المطاف إلى هذه النتيجة المزرية. كراسي المطار (السوداني) تحدَّثت مع أحد العاملين بصالة الوصول فقال – مُشدِّداً على حجب اسمه- إن كراسي الجلوس قد تمت إزالتها قبل حوالي شهر أما لماذا؟ ومتى تأتي؟ فعلمي علمكم، وأشار إلى أنه يتعاطف مع القادمين والمستقبلين في سوء الخدمات كلها لكنهم – كعاملين بالمطار- لا حول لهم ولا قوة. (ما عارف..!!) أخيراً ولوضع كل هذه الاستفهامات أمام الجهات المختصة سعيتُ بكل ما أملكُ من جهد إلى مقابلة مدير المطار؛ سألتُ موظفي الاستقبال بالصالة فقالوا إنَّ مكتب المدير بصالة المغادرة وليس هنا، ذهبتُ إلى هناك وسألتُ أيضاً موظفي الاستقبال فأشاروا لي بمكاتب كثيرة تقع جنوب الصالة وأكدوا لي أنه وعبر أولئك سأصل إلى المدير، ذهبت إليهم وطلبتُ من أول من قابلني أن يدلني على مكتب الرجل، لكن أجاب بأنه لا يعلم، ثم طلب من زميل له أن يخبرني؛ لكن هو الآخر قال إنه لا يعرف مكتب مدير المطار، وأشار إلينا بمكتب ثالث وجدتُ فيه عدداً من الموظفين ومعهم مواطنين يتناقشون بصوتٍ حاد، سألتُ أحد الموظفين عن مكتب المدير، فردَّ على سؤال بسؤال: المدير منو؟ قلتُ له، مدير المطار.. فأجابني: (ما عارف). أعفوني من الحديث!! حاولتُ الوصول إلى مدير المطار بالهاتف لكن لم أصل، فسعينا للحديث مع مسئول يجيب عن أسئلتنا واستفسارات الجمهور، اتصلنا على مدير إدارة المطارات الولائية فقال باقتضاب: هذا ليس من اختصاصي، وعندما حاولنا أن يمدنا بأي تصريح اكتفى بعبارة: (أعفوني من الحديث). أيضاً اعتذر عن الحديث إلينا الناطق الرسمي باسم شركات الطيران المدني عبد الحافظ عبد الرحيم قائلاً إن إدارته غير مُخوَّل لها الحديث باسم المطار.