الرغبة الأمريكية في إبعاد سلفا ومشار لم تبرز بتاتاً على السطح، وإن حملت تسريبات بين الفينة والفينة أن ثمة رغبة تعتمل داخل الإدارة لصالح كبح جماح الحرب نهائياً. ولعل بدايات الرغبة الأمريكية في إقصاء أحد قيادات الجنوب عبَّرت عنها أواخر فترة إدارة أوباما، إذ حرصت على إقصاء رياك مشار من المشهد طبقاً لما تراه المعارضة الجنوبية في محاولة لإضعاف وتفكيك الحركة. ويذهب مدير الإعلام والعلاقات العامة بحركة مشار، ايزن بوث، في حديثه ل(السوداني) أمس، إلى أن تلك المحاولات لم تتوقف فتارة عبر الاغتيال والمطاردة والصمت عليها، وأخرى عبر الإقامة الجبرية وتقييد الانتقال، بالإضافة إلى إبعاد الكثير من عضوية الحركة إلى جوبا بما يتيح لجوبا تصفيتهم. وأضاف: وزير الخارجية السابق جون كيري والنظام في الجنوب بينهما تقاطعات مصلحية تتمثل في أطماع اقتصادية في جنوب السودان. تحليلات أخرى ترى أن سيناريو إبعاد أو تنحي الرئيس سلفا كير لم يرد في مخيلة الإدارة الأمريكية إلا في عهد الإدارة الحالية لجهة ما جرته عليه الأحداث والتصفيات والانتهاكات من تأنيب ضمير بسبب دعمها في السابق لقيام الدولة الجنوبية المستقلة، بالإضافة إلى تزايد الجبهات المعارضة لحكومة الرئيس سلفا كير ميارديت. عموما لا يبدو أن أمر استبعاد سلفاكير أو مشار اكتسب الطابع الرسمي في ظل انشغالات الإدارة الأمريكية حالياً، بقدر ما أنه يمثل الشغل الشاغل للمجموعات الجنوبية في مواجهة بعضها البعض، ففي الوقت الذي حرصت فيه الحكومة في جنوب السودان على إبعاد مشار، كانت مجموعات المعارضة تعلن بصوت عالٍ ضرورة تنحي الرئيس سلفاكير باعتباره جزءاً من الأزمة إن لم يكن مسببا لها، قبل أن تمارس مجموعة الرئيس نفسها ذات السيناريو على مجموعة ال10 وتحديدا رئيس المجموعة وزير الخارجية دينق ألور ومطالبته بالاستقالة ليعلن هو بدوره رفضه الاستقالة على الرغم من سحب معظم ملفات الخارجية من تحت يديه وتحويلها إلى مستشار الرئيس للشؤون الخارجية نيال دينق نيال ومدير مكتب الرئيس مييك ايي. مبررات الإبعاد كثيرون يرون أن الإبعاد حال كان مفروضاً كصيغة حل للأزمة الجنوبية فإنه يجب أن يشمل الرئيس سلفاكير ميارديت. ويرى القيادي بالحركة الوطنية التي يتزعمها كاستيلو قرنق، وأمين عام الهيئة القومية لدعم سلام الجنوب استيفن لوال في حديثه ل(السوداني) أمس، أن الموقف الأمريكي تجاه سلفاكير ينبني على عدم وفاء الرئيس سلفاكير بتعهداته للرئيس أوباما بعدم الترشح في انتخابات 2015م، وأضاف: كما التزم بعدم خوض أي انتخابات بعد الفترة الانتقالية وفقا لما تم الاتفاق عليه في أغسطس 2015م. ويرى لوال أن عدم التزام الاطراف الجنوبية جعل واشنطن تتخذ قرارات بحظر بيع الأسلحة، بالإضافة إلى ضبط الدول التي يأتي منها السلاح أو تعمل كوسيط مثل (أوغندا)، ويذهب الرجل إلى أن المواقف الأمريكية كانت مرنة سابقا أما الآن بعد استفحال الأزمة فإنها أصبحت حادة جدا ووصلت مرحلة عدم التعاون مع أي مجموعة تضع الحرب أولوية، وأضاف: بالتالي ما قالته مندوبة أمريكا في مجلس الأمن امتداد للموقف الأمريكي بعد اختراق اتفاقية 2015م، وسيتطور إلى تنحي سلفاكير لتجنب البلاد مزيد الحرب. بينما يذهب ايزن بوث إلى أن حركته لن تعلق على أي حديث عن إبعاد مشار طالما لم يصدر من المؤسسات الأمريكية الرسمية، وأضاف: حينها سيكون ردنا بليغا. رافضا الإفصاح عما يعنيه ذلك؛ مؤكدا أن الحكومة هي التي يجب أن يتم إبعادها طالما هي من تسببت في قتل الديمقراطية داخل الحركة الشعبية كحزب حاكم في 2013م وارتكبت على خلفية ذلك المجازر والتصفيات التي جعلت شعب الجنوب إما نازحا في المعسكرات أو لاجئا في دول الجوار. قصة دينق ألور وزير خارجية الجنوب عاد بقوة للأضواء على خلفية مطالبات حكومية له بالاستقالة، ويذهب وكيل وزارة إعلام الجنوب السابق مصطفى بيونق في حديثه ل(السوداني) أمس، إلى أن حكومة سلفاكير أقرت بطلبها من دينق ألور تقديم استقالته، وأنه رفض، معلنة أنها لا تستطيع إقالته لجهة أن دينق ألور جاء عبر اتفاقية 2015م للسلام في جنوب السودان ممثلا لمجموعة ال10 وضمن حصصها. فيما كشف بوث أن محاولة إبعاد دينق ألور عن حقيبته كوزير خارجية لجنوب السودان، جاءت عقب توقيعه على وثيقة إعلان المبادئ التي وقعت عليها جميع فصائل المعارضة؛ ورفضت الحكومة التوقيع عليها ما أدى إلى أنهيار المنتدى. ويرى ايزن أن جوبا الرسمية ترى أنها جاءت للتحاور مع المعارضة في أديس أبابا ككتلة واحدة، بالتالي فهي تعتبر دينق ألور خائنا لجهة أنها رفضت التوقيع فيما قام هو بالتوقيع، وأضاف: ذلك ما قاد لمحاولة إجباره على الاستقالة. ويذهب الرجل إلى أن ما تحاول الحكومة القيام به مع دينق ألور هو ذات ما فعلته في 8 يوليو عندما حاولت أن تغتال د.رياك مشار وتبدله بتعبان دينق. من جانبه أكد بيونق أن الرئيس سلفاكير استدعى دينق ألور لاجتماع، إلا أن الأخير اعتذر بظروف أسرية، تتمثل في رغبته نقل والد زوجته إلى المستشفى، الأمر الذي ترتب عليه إرسال العديدين من قبل سلفاكير لتقريب وجهات النظر بينهما، وأضاف: سلفاكير شعر أن ما يحدث قاد إلى مشاكل كبيرة. فيما توقع مصدر مقرب لوزير خارجية الجنوب بأنه ربما غادر إثيوبيا إلى كينيا، لجهة أن الرئيس سلفاكير سيقوم بزيارة إلى نيروبي وهناك ربما يجتمعان. من البديل؟ رغبة الإدارة الأمريكية غير الرسمية تجاه مشار، وهو ما كشفه المبعوث الأمريكي السابق للسودان والجنوب بريستون ليمان ل(السوداني) في وقت سابق، وقال: الجهود كانت مبذولة لإنجاح اتفاق سلام 2015م التي تعتمد على تعاون الزعيمين كير ومشار، وبعد فشل الاتفاق في صيف 2016، كان الشعور بأن مشار لن يتعاون في عملية السلام حال عودته لجوبا، لا سيما إن استمر في الدفاع عن العمل المسلح ضد الحكومة. وبغض النظر عن الرغبة الأمريكية أو المجتمع الدولي في إقصاء قيادات جنوبية بعينها، إلا أن استمرار سيناريو المطالبات بين الفصائل الجنوبية والمجموعات بإقصاء (فلان أو علان) من المشهد السياسي في جنوب السودان يفرض الإجابة على سؤال البديل. ويرى بوث أن السلام الحقيقي المبني على ما يتفق عليه شعب الجنوب عبر أحزابه وحركاته وقواه الحية هو البديل، قاطعا بأن المعارضة الجنوبية هي ذلك البديل لجهة ما تحمله رؤاها من مستقبل لجنوب السودان، وأضاف: عموما إبعاد مشار لا يساعد على أية عملية سلمية. بينما يرى لوال أنه ليست هناك بدائل لأن الدول الغربية واضحة بقولها بأن هناك جرائم ضد الإنسانية، بالتالي فالبديل هو اتفاقية يمكن التوصل لها عبر الإيقاد، وأضاف: المهم حماية الشعب من قيادات تجعل الحرب وسيلة للتعبير عن أهدافهم السياسة.