(1) اتفاقية سلام جوبا من إنتاج ثورة ديسمبر المجيدة وتضحيات شعبنا على مَدَى ثلاثين عاماً، ومن المُستحيل الوصول إلى مثل هذا الاتفاق دون ثورة ديسمبر. كما أنّ اتفاقية السلام هي أكبر إنجازات الفترة الانتقالية حتى الآن. إن ثورة ديسمبر قد وفّرت إرادة سياسية ومناخاً جديداً ملائماً للسلام، وضع أساساً للشراكة بين أطرافه. وأتى اتفاق سلام جوبا استجابةً لحناجر الشهداء التي ما ماتت وما ماتت فضائلها وهتافها الذي شق العنان (حرية، سلام وعدالة)، فالسلام ركنٌ من أركان الثورة والتغيير، وفرض عين لبناء الدولة المدنية التي لن يستوي عودها في ظل الحروب. (2) كان توقيع اتفاق السّلام بجوبا بطعم الشّهد والشّهداء، رائعاً تنظيماً وحضوراً لأكثر من 15 دولة ومنظمة إقليمية وعالمية، خاطبه موسى فكي رئيس الاتحاد الأفريقي الذي كان حاضراً، والأمين العام للأمم المتّحدة عبر تقنية الفيديو، وحضر الرؤساء من الصومال وإثيوبيا وجيبوتي ورئيس وزراء مصر ويوغندا ومبعوث كينيا وتمثيل عالٍ للسعودية والإمارات وقطر والبحرين وعُمان، وحضر البرهان وحمدوك وحميدتي، وكان حضور الرئيس إدريس ديبي ذا مذاق خاص، فهو من استضاف أكثر من 400 ألف من اللاجئين السودانيين في تشاد، وهو قريبنا برابطة الدّم والإخوة الشريفة، وتمكّن من الحفاظ على وحدة تشاد شمالها وجنوبها في ظل عواصف إقليمية ودولية، وسعى لإرضاء الجنوبالتشادي. أما وقائع السياسة الداخلية فى تشاد فأتركها للتشاديين أنفسهم. وأخطأ نظام المؤتمر الوطني في علاقته مع تشاد فهم من جيراننا الأقربين. هنالك رسالة فيديو من وزير خارجية الاتحاد الأوروبي ورئيس المجموعة البرلمانية البريطانية لم تَرَ النور لضيق الوقت، وخاطب المبعوث الأمريكي الاحتفال نيابة عن بلدان الترويكا وحضرت معظم البلدان الأوروبية ووقّعت لاحقاً الجامعة العربية. (3) لقد كانت جمهورية جنوب السُّودان رائعة، وضيافتها أروع، فشُكراً لشعب جنوب السُّودان، وشكراً للرئيس سلفا كير ميارديت وشُكراً للوساطة التي كانت أقرب للأجاويد بمنهج سوداني خالص في حل النّزاعات، ولد وترعرع ونما هذا المنهج وشرب من ثقافة وتقاليد وقيم بلدينا، عبر مئات السّنين ولأنّ الجنوبيين هم منّا ونحن منهم، وقد كابدوا نفس قضايا النّزاع؛ فقد كانت الوساطة في الجنوب حالة خاصّة ممزوجةً من خبرة التّفاوض الطويلة للجنوبيين ومنهج الأجاويد الذي ولد في تربة دولتي السُّودان وهو منهج أفريقي أصيل في حلّ النزاعات وإنساني كذلك، وهذا لا يعني أن المناهج التقليدية الأخرى لم تستخدم. ولكن التهديد وفرض العقوبات المُستخدم في المناهج الغربية لم يكن جُزءاً من فضّ النزاع في جوبا . لقد كانت الاتفاقية صناعة سودانية وهي تُشكِّل انطلاقة جديدة للعلاقات بين دولتي السودان، وتبشر بإمكانية قيام اتحاد سوداني بين دولتين مستقلتين ذوي سيادة، لقد كان اتفاق السلام بين فرقاء جنوب السودان في الخرطوم واتفاق سلام جوبا إضافة جديدة لتاريخ العلاقات بين دولتي السودان، يجب أن يُستثمر لمصلحة شعوب البلدين ولا سيما حزام التمازج الإنساني الذي يربط البلدين لإحياء العلاقات على نحو جديد في ظل عواصف إقليمية وعالمية يجب أن نواجهها سوياً. 10 أكتوبر 2020