التعاطي الاعلامي مع الزخم الذي أفرزته زيارة مدعي المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا للسودان كحدث تاريخي له مدلولاته السياسية أكبر من كونها قانونية، فقد سيطر صمت المسؤولين والقائمين على أمر الزيارة بشكل واضح، وذلك من خلال التصريحات المقتضبة والمتكررة لكل اللذين التقت بهم عقب وصولها الخرطوم في مهمة تناقش مثول المتهمين المطلوبين للعدالة بسبب ارتكابهم جرائم حرب وابادة جماعية وجرائم ضد الانسانية وعلى رأسهم المعزول عمر البشير واثنان من مساعديه، انتظر الاعلاميون بكافة وسائلهم المختلفة خروج المسؤولين والإعلان عن ما أفضت عنه تلك اللقاءات، علما بأن الهدف معلوم ولا يحتاج إلى تستر تلك الجهات وحجب المعلومات الاساسية التي ينتظرها الرأي العام 15 عاماً. معلومات مقتضبة منذ أن رشحت المعلومات بشأن زيارة رسمية لمدعي المحكمة الجنائية الدولية تهافت الاعلاميون صحفيين وقنوات فضائية من أجل تأكيد معلومة وصول بنسودا للخرطوم، ولكن دون جدوى و في المقابل واصل الاعلاميون اجتهاداتهم الفردية دون التكرم من الجهات الرسمية بتبني تصريحات توضح ماهية الزيارة واسبابها، ولعل ما يؤكد ذلك زمن وصول المدعية في وقت متأخر مساء أمس، دون توضيح رسمي من تلك الجهات يفيد بتوضيح برنامج الزيارة، قادت الاجتهادات الفردية للصحفيين بالحصول على معلومات تفيد أن بنسودا تقيم بفندوق كورنثيا بالخرطوم وستنخرط في لقاءات مع المسؤولين في الحكومة بجانب الاجهزة العدلية. لقاءات مكثفة عقب وصول مدعية المحكمة الجنائية الدولية للخرطوم، انخرطت بنسودا في لقاءات منفصلة واجتماعات مغلقة مع مسؤولين بمجلسي السيادة والوزراء ووزير العدل، وابتدرت بنسودا لقاءاتها بوزير العدل نصر الدين عبد الباري الذي استدعى اركان حربه بالوزارة وضم الاجتماع الذي التأم أمس كلا من وكيل وزارة العدل سهام عثمان ومدير إدارة حقوق الإنسان بالوزارة أسامة حميدة وبعض الخبراء بوزارة العدل والمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية والوفد المرافق لها، أعرب عبد الباري عن امله أن تكلل الزيارة بالتوفيق والنجاح. في اطار التنسيق بين المدعية وحكومة السودان بحثت بنسودا مثول المتهمين المطلوبين للعدالة بسبب ارتكابهم جرائم حرب وابادة جماعية وجرائم ضد الانسانية وعلى رأسهم البشير واثنان من مساعديه، واكد رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك، أن التزام السودان بتحقيق العدالة ليس من الالتزامات الدولية فحسب، وإنما استجابةً للمطالبات الشعبية بإقامة العدالة وتنفيذ شعارات الثورة المجيدة، بجانب التزام الحكومة بتحقيق العدالة احد شعارات ثورة ديسمبر المجيدة، وأشار د. حمدوك إلى أن زيارة وفد المحكمة الجنائية تُعتبر شهادة على التغيير الذي تُحدثه عمليات الإصلاح الشامل في السودان الجديد. أوضحت الزيارة التعاون المشترك بين بنسودا والحكومة الانتقالية ممثلا في أن الجهات العدلية ستناقش التفاصيل المتعلقة بكيفية سُبل التعاون بين المحكمة الجنائية والجهات المختصة في السودان. زيارة تاريخية والتقت بنسودا حسب زيارتها المعلنة بعضو مجلس السيادة الانتقالي محمد حسن التعايشي، ووصفت بنسودا زيارتها للسودان بالتاريخية، الغرض منها التباحث مع السلطات السودانية حول قضايا المحكمة الجنائية الدولية المتعلقة بدارفور، وقالت بنسودا في تصريحات صحفية إن اللقاء بحث سبل تعاون السلطات السودانية بشأن قضية المتهم علي عبد الرحمن والتي تنظر فيها المحكمة الآن وذلك للحصول على المزيد من المعلومات والأدلة في أقرب وقت ممكن، وتأتي زيارة وفد المحكمة الجنائية في إطار التنسيق والتعاون مع الحكومة السودانية بخصوص المتهمين الذين صدرت بحقهم أوامر قبض والتقدم الذي أحرزته في قضايا المواطنين السودانيين التي تنظرها المحكمة. استعداد وتعاون استعدادات تامة بغرض التعاون بين الحكومة والمدعية كشف عنها النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو حميدتي، واكد استعداد الحكومة الانتقالية للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، مع التشديد على استقلالية القضاء السوداني، الذي أكد أن الحكومة لا تتدخل مطلقاً في أعماله، كما أوضحت المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في تصريح صحفي أن الغرض الأساسي من الزيارة هو التنسيق و التعاون مع السلطات السودانية ومناقشة القضية التي تنظر المحكمة فيها الآن وأيضا التعاون بشأن أوامر التوقيف الأخرى التي أصدرتها المحكمة الجنائية فيما يتعلق بإقليم دارفور، وقالت بنسودا "اجتمعنا بالجهات ذات الصلة للحصول على الالتزام التام للدفع بهذه القضايا "، مؤكدة ضرورة تحقيق العدالة خاصة لضحايا إقليم دارفور. وبحسب الزيارة ستنخرط بنسودا اليوم في عدة لقاءات مع النائب العام ورئيسة القضاء لبحث امكانية مثول المتهمين وفقاً لما نص عليه نظام روما الاساسي، وبحث مزيد من الترتيبات التي تتعلق بتكوين محكمة مشتركة مقرها الخرطوم ومشكلة من قضاة افارقة وسودانيين.