بذرة الصدق والالتزام بقضايا المجتمع هي التي تؤكد عمق انتماء الفنان لوطنه وأهله وما يبثه هذا الفنان من إبداع ومدى تطابقه مع الحقائق في الأرض هو الذي يجعل الفن من ادوات النهضة الاجتماعية والفكرية ويؤكد ضرورته في ترقية الذوق العام وخلق مشاعر ووشائج جديدة وآصرة وجدانية وشوق مستمر ومتجدد بين الانسان والمكان، والفن بضروبه المختلفة والمتنوعة هو صاحب القدرة السحرية في التعبير وايجاد مشتركات انسانية جديدة وآفاق من المعاني المترعة بالحب وخلق دوافع ايجابية للعطاء الإنساني المتجاوز لإطار الذات لسوح التضحيات وبذل المهج والأرواح، هذه هي المعاني التي جسدها المخرج المصري الجريء خالد يوسف الذي اقترب ثم اقتحم الأبواب الخلفية المحكمة القفل بالضبة والمفتاح في المجتمع المصري وانتزع صورة من المأساة بالنبش بقوة في كل الجدران الصامتة التي تنوء بأحمال ثقيلة من الهموم والأحزان وحكاوى وتفاصيل من المآسي التي يتحاشى الناس سردها والإفصاح عنها، نبش كل الخبايا التي ترعرعت ونمت في (غياب العدل) وانتظمت في (عشوائيات) سرعان ما تطورت الى أوكار وبيئة وحاضنة للجريمة والتفلت بمختلف أساليبه وصوره المخيفة وانسحب اليها كل العاطلين رغبة ورهبة والذين استهوتهم الحياة في هذه العشوائيات التي توافق ميولهم وأمزجتهم ونزعاتهم الشريرة ليصبحوا نهباً لأفكار الارهاب والانتقام ضد مجتمع الذوات المنعّم الذي لفظهم رافضاً الاعتراف بحقوقهم في الحياة كمواطنين، جسد كل أحلام الشباب وطموحاتهم المؤجلة في تلك العشوائيات (لحين ميسرة) وهذا هو عنوان الفيلم الذي تعاطى ببناء درامي محكم وجاذب مع مبررات السلوك العدواني في السعي والبحث عن لقمة العيش ومحاولات القفز فوق دوائر الفقر والمسغبة . والعدالة رغم انها من نواميس الفطرة الإنساية السليمة فان إشاعتها في المجتمع واحساس الناس بها واقعاً معاشاً تبقى قضية جوهرية تنسحب على كل أحوال المجتمع (أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) لذلك وقف رسول كسرى مشدوهاً لمّا قيل له ان أميرنا هو ذلك النائم تحت شجرة ظليلة لا تحرسه إلا عين الله التي لا تنام، وكان ذلك المشهد البسيط في مظهره والعظيم في معناه مدعاة لرسول كسرى ان يقرأ ويطلع على ما يخفيه المنظر من دروس وعبر فكانت عبارته التي اخترقت أسماع العرب والعجم (حكمت فعدلت فنمت نوم قرير العين) وبهذا الفهم وان كانت العدالة كقيمة ملزم بها الفرد والمجتمع فإن الاولى بها من يتولون أمور الناس والشأن العام ان أرادوا الطمأنينة والاستقرار لمجتمعاتهم، ومن هنا تجاوزت نظرة ابن الخطاب المحسوس والمرئ القريب وانتقلت الى تلك البغلة التي يمكن ان تتعثر في العراق وتلحقه المساءلة الكبرى يوم لا ينفع مال ولا بنون، ومن هنا كانت أزمة العدالة التي تمثلت في هذا السفه من خلال رويبضات لا يأخذون الوظيفة العامة بحقها ولا يعرفون ما يحيط بها من محاذير وضوابط، ولعل شاعر البطانة كان اقرب وصفاً لهذه الرويبضات وهو يحكي ابعاد صديقه للصالح العام ايام الإنقاذ وتعيين آخر من الرويبضات بديلاً عن صديقه فقال: انقلع الموتد بيت العز فِقر ود الاضينة القبيل اصلو مو متبوع واتود المقلوع شبعن بيوت الجوع نتحدث معاهو حتى حديثنا مو مسموع