أولا أتضرع واتبتل إلى المولى عز وجل بأن يتقبل عبده الشيخ نورين محمد صديق ورفاقه،وأن يغمرهم بواسع رحمته وأن تغشاهم مغفرته وأن يسكنهم عليين في عالي الجنان مع زمرة النبيين والشهداء والصالحين..فقد كان الراحل قارئاً وحافظاً لكتاب الله،عرفه كافة السودانيين بتلاوته وصوته الشجي العذب الذي دخل قلوب السودانيين دون استئذان..ولقد بكاه كل السودانيين عند رحيله المفاجئ مع رفاقه في حادث سير أليم..ولعمري لم أر يوما واحدا مواقع التواصل الاجتماعي وكل التايم لاين في حالة حزن وأسى كما في رحيل نورين..ولكن ها هي سنة الحياة يأتي الموت دائما دون أن يطرق باب..وإذا حان الأجل لا يتقدم العمر ساعة ولا يتأخر..ولا نملك إلا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون. ولكن ما لاحظته بعد تشييع جثمان الراحل ورفاقه وموارات جثامينهم الثرى،انطلقت حملة سخط ولوم عارمة موجهة سهامها ضد الحكومة وقيادة الدولة، بحجة عدم حضور قيادات الدولة لتشييع ودفن جثامين الراحلين..نعم كان من الأولى أن يكون هنالك حضور وتمثيل من قيادة الحكومة، وأضعف الإيمان أن يكون تمثيل الحكومة بشخصية أو شخصيتين ولكن..ولكن عدم حضور شخصية من الحكومة،هذا لا يمكن أن يفسره البعض بعدم اهتمام الحكومة للشيوخ والشخصيات المشهورة، كما أشير في حملة اللوم على الحكومة..يجب ألا نتسرع في إصدار الأحكام، فلنبحث للحكومة العذر من عدم حضور مراسم الدفن،مشغوليات ومسؤولية رجال الدولة ليست بالأمر السهل، كما أن مراسم الدفن للراحلين كان في وقت مبكر..فلنبحث عن العذر للحكومة كما ذكرت، فهي بالطبع لم تكن مقصودة أو متعمدة..ولنمعن النظر في مقولتنا الشعبية عندها ندرك أنها لم تكن مقصودة والمقولة تقول:(اللوم بجي بالغفلات)..أحيانا الشخص منا يجد نفسه ملاما دون أن يعلم أن هذا التصرف أو الفعل الكذا يجلب عليه اللوم..والآن الحكومة اللوم جاءها ب(بالغفلات)دون أن تعلم أن عدم حضورها يجلب عليها اللوم..ونحن عرفنا بعاداتنا التي توارثناها واكتسبناها من مجتمعنا،ويمثل التواصل في المناسبات الاجتماعية (الأفراح والأتراح) حلقة الوصل بين بعضنا، وخاصة الأتراح،مجتمعنا لم يعذر فيها الكبير أو الصغير..وتجد منا الشخص يحاول جاهدا وبشق الأنفس أن يواسي أهله ومعارفه في متوفاهم،حتى لو لم يكن يملك قوت أسبوعه،كل ذلك ابتغاء الإعفاء من اللوم والملامة وخلو طرفه من ذلك..والذي لم يحضر أتراحنا ربما نخرجه من الملة!. وقصة اللوم في الأتراح تذكرني قصة سودانية ولا أعلم هل هي حقيقية أم لا، وتقول القصة ان هنالك شخصا توفي له جار في الحي الذي يقطنه،وكانت وفاة جاره في ليلة شتاء قارصة شديدة البرودة،ولكن الرجل تكاسل عن القيام في تلك الليلة ولم يحضر دفن جثمان جاره،وعندما حل الصباح ذهب إلى أهل الميت وحاملا معه (صبارة شاي)،ورد التحية لأبناء الميت ومصبحا عليهم،إيهاما لهم بأنه قد جاء البارحة، ولكن ما لم يكن يتوقعه من أسرة المتوفي،وردوا له بأنه( أصبحنا بخير لكن أبونا اتوفي فارفع لنا الفاتحة علي روحه)! كثير من الناس يريد من الحكومة أو الدولة مشاركتنا اجتماعياتنا في الأفراح والأتراح، وترى الشخص الذي يحضر مناسبة اجتماعية له-مسؤول حكومي-تراه منبسط السريرة متهلل الوجه، وترى الكثير من الحضور يتسابقون لأخذ صورة (سيلفي) معه، كي يفاخر ويضاهي بها وسط زملائه. نعم من الممكن أن تكون قيادات الدولة والحكومة قريبة من المواطنين وتتقاسم معهم وتشاركهم لحظات الفرح والكره.. لكن ليس بالضرورة القصوى أو كسر رقبة أن يكون المسؤولون حضورا في كل مناسباتنا الاجتماعية..واللوم الذي نتقاذفه ونرمي به بعضنا البعض في عدم الحضور، ليس من المنطق أن ينطبق تجاه الدولة وقيادتها..هؤلاء المسؤولون لديهم مشاغل ومسؤوليات وقضايا جسام،وهنالك أعمال لم تحتمل التأخير حتى لو دقيقة واحدة..فابحثوا العذر أولا قبل اللوم،فمن لم يحضر مراسم بلا شك سوف يذهب إلى سرادق العزاء في منزل الفقيد معزيا.. وللأسف حملة اللوم على الحكومة انطلقت في مواقع التواصل الاجتماعي معظم راكبي هذه الحملة شخصيات مشهورة فنانين،وإعلاميين وغيرهم، ومنهم من لام الحكومة بصورة عفوية دون غرض ومنهم من لديه أغراض معينة، وهنالك إعلامي مشهور دون في صفحته على الفيس بوك قائلا: (يا حليل البشير كان رجل الجنائز)!..ولكن أفتكر هذا ليس المكان المناسب ولا المناسبة(المناسبة)في التهكم على الحكومة والنيل منها..فلنلومها علي مهامها الأساسية التي أتت من أجلها هذا هو محل اللوم الحقيقي علي الحكومة..ونحن السودانيين نختلف في السياسة والرأي ولكن عند موت شخص تجد صيوان العزاء هو المكان الوحيد الذي يجمع كل السودانيين..فلنكف ولنعرض عن إثارة الكراهية ضد الحكومة،لأنه لا يجدي نفعا سوى بث الكره والتفرق،فلنكن ايجابيين لا سلبيين،في أقوالنا وأفعالنا وننشر المحبة والتسامح بيننا ونعفو عن بعضنا البعض.. فالذي أخذ نورين ورفاقه سوف يكون مصيرنا جميعا..اللهم أحسن خاتمتنا.