أهمية عنوان الندوة ونوعية المتحدثين، كانت المبرر الموضوعي لكثافة الحضور والمشاركين الذين ضاقت بهم قاعة المركز، فكان الحضور النوعي لعدد من الخبراء والمختصين في الشؤون الأمنية والدفاعية والاقتصادية والعلمية، وشاغلي المناصب الدستورية يتقدمهم مساعد رئيس الجمهورية اللواء عبد الرحمن الصادق، ووزير الداخلية الفريق شرطة حامد منان، بجانب وزراء سابقين وممثلين للمنظمات الإقليمية والدولية وقادة القوى السياسية وأهل الصحافة الإعلام. عدوي يتقدم في أول ظهور إعلامي له منذ مغادرته منصبه قبيل نحو الأسابيع الثلاثة، كان رئيس هيئة الأركان السابق الفريق أول ركن عماد عدوي، محل احتفاء الحضور. كثيرون انتبهوا إلى حديثه لكونه المتحدث الرئيسي في الندوة.. ورغم حرص عدوي على إعداد ورقة مكتوبة للمشاركة في الندو،ة إلا أن ذلك لم يمنع التفاعل الكبير الذي تُرجم في المداخلات العديدة من قبل الخبراء والمشاركين. عدوي طبق عمليا قاعدة (الطبع يغلب التطبع) فتعامل مع الإفادات والمداخلات بحس (استخباراتي) فلم ينحها جانبا بالتجاهل أو يقذف عليها بالنسيان.. بيد أنه أيضا لم يخفِ قلقا تفلَّت من بين كلماته على ملفات استراتيجية كان حتى وقت قريب أحد أبرز مهندسيها. وابتدر عماد حديثه بأن الأمن الوطني السوداني ما يزال بخير، وأن هناك فرصا كبيرة متاحة أمام البلاد ومخاطر أخرى بحاجة لدراسة. وعدد عدوى الفرص المتاحة بالتركيز على الجغرافيا السياسية للسودان التى جعلت من موقعه دولة معبر للهجرة غير الشرعية وعمليات الاتجار بالبشر، وهو ما جعل السودان لاعبا أساسيا، الأمر الذي فرض الحاجة للتركيز على كيفية الاستفادة من ذلك بالإضافة إلى الحملة العالمية على (الإرهاب) والدور الذي يمكن للسودان أن يؤديه، وكذلك التنافس الروسي الأمريكي الصيني على موارد القارة الإفريقية الذي أتاح فرصة تخلق للسودان دورا في المشهد. موقع البلاد الإقليمي لم يغب عن ذهن رجل المؤسسة العسكرية، مشيرا إلى أنه محاط بأربع دول حديثة: اثيوبيا وجنوب السودان وإفريقيا الوسطى وتشاد، بالإضافة إلى وجود السودان في التحالف العربي لاستعادة الشرعية بقوات نوعية ذات خبرة واسعة، كل ذلك اعتبره عماد فرصة للاستفادة بتحسين علاقته بدول الخليج لأداء دور في رفع اسم البلاد من قائمة الإرهاب، موجها التركيز إلى ضرورة التفكير في إنشاء منظمة تعنى بالتكامل الاقتصادي لدول القرن الإفريقي (السودان، أريتريا، وجيبوتي، والصومال). محددات دقيقة الفريق أول عدوي يرى أن هناك عوامل مؤثرة على الأمن الوطني السوداني على رأسها "الكتلة الحيوية" التي تعني الأرض والمساحة والموارد الطبيعية المتوفرة وعدد السكان وتوزيعها وعوامل التعدد العرقي، باعتبار أن ذلك ما قاد أمريكا لتتسيد القوة العسكرية والسياسية وما تبعها من هيمنة عالمية. ودعا عدوي إلى أن تكون هناك محددات تتركز حول ضرورة تحقيق الأمن المائي والغذائي وسياسة خارجية متوازنة مع القوة الفاعلة في النظام العالمي الجديد وسياسة خارجية جيدة مع دول الجوار، والسلام العادل داخل الوطن ومع دول الجوار في المنازعات المختلفة، بالإضافة إلى المشاركة في التكتلات الاقتصادية لخدمة المصالح وتقوية الجيش للدفاع عن الوطن، وتحقيق التوازن بين الحماية الذاتية والدفاع عن الوطن والانتشار الإقليمي وتحقيق العدالة داخل الدولة بين الجماعات العرقية للتماسك الوطني ودعم تحقيق السلام الدولي والإقليمي. نطاقات الأمن الوطني وبمثلما قدم محددات دقيقة، مضى الفريق أول عدوي للتأكيد بأن ثمة نطاقات مهمة للأمن الوطني السوداني تتمثل في الأمن الداخلي وقواه المؤثرة، والأمن المباشر الذي يشمل دول الجوار الإقليمي ودول المصالح الاستراتيجية ك(حوض النيل الذي يقصد به مصر وجنوب السودان والدول المرتبطة به) والبحر الأحمر، والأمن الإقليمي للدول الإقليمية والإسلامية، ودوائر النشاط الدبلوماسي في المؤسسات الإقليمية والدولية. متغيرات آنية ما بين المتغيرات الإقليمية والدولية والنظام السياسي وعقيدته، اعتبر مدير إدارة المخابرات الأسبق الفريق أمن حنفي عبد الله، أن الأمن القومي للبلاد يشهد آنياً متغيرات كبيرة نسبة للمتغيرات الإقليمية والدولية وتوجهات النظام السياسي وعقيدته واتساع نطاق الأمن القومي السوداني مع إفرازات العولمة المتلاحقة وتغير البيئات الإقليمية والدولية والأزمات الداخلية وتأثيرها على الأمن ودارفور والجنوب والمنطقتين. فساد المصارف ويمضي الفريق حنفي للقول بأن التطورات الدولية والإقليمية وأوضاع السودان الداخلية وخصائصه المتمثلة في موقعه وقواه الطبيعية البشرية والمادية جعلت من السودان مثار اهتمام دولي وأطماع الدول الاستعمارية القديمة والحديثة، وطبعا عناصر البيئة الاستراتيجية في الحرب الباردة أحدثت إفرازات سالبة للأمن القومي السوداني وزادت الإفرازات عقب أحداث سبتمبر وتعقدت عقب تبني أمريكا استراتيجية الضربة الاستباقية بدلا من عملية سياسة الاحتواء في محاولة لكسر شوكة الإرهاب والدولة المارقة. ويعتقد أن هذا الواقع انعكس في تدخل أمريكا وإسرائيل في الشأن الداخلي السوداني بسياسة شد الأطراف وتوسيع دائرة حرب الجنوب حتى تم الانفصال وأثر ذلك اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا وتعقد الوضع في دارفور وجهود الدولة في ترتيب السلام وتعكير خطوات السلام والحصار الاقتصادي وتداعياته المستمرة. والمعوق الأساسي هو بلورة الهوية السودانية وما تتضمنه من معتقدات وتاريخ وإرث معروف، كل ذلك أحدث شرخا في النسيج السوداني وأصبح مقرونا بسلبيات الحكم الاتحادي الذي به ثغرات ما زالت إلى تحتاج لمعالجات.