بعد رفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب أصبح متاحاً القيام بالتحويلات من وإلى السودان بالنقد الأجنبي من خلال النظام المصرفي العالمي دون قيود. في الفترة السابقة كانت أغلب تحويلات المهاجرين لأهلهم بالسودان لا تمر عبر النظام المصرفي الرسمي، لهذا كانت لا تحتسب في ميزان المدفوعات، ولا تظهر في حسابات بنك السودان المركزي ولا حسابات البنوك التجارية، ففقدت هذه الحسابات ميزة الائتمان بالنقد الاجنبي. أما احتفاظ المهاجرين بمدخراتهم في شكل حسابات ادخار أو حسابات جارية أو ودائع استثمارية فكانت تتم في بنوك خارج السودان في الامارات أو البحرين أو مصر أو تركيا أو ماليزيا وغيرها، وذلك لسهولة التعامل مع هذه البنوك في الإيداع والسحب والتحويل، ولتقديم هذه البنوك لعوائد مجزية مقابل الودائع الاستثمارية. من المؤكد أن تحويلات وودائع المهاجرين لا تنساب تلقائياً للسودان لمجرد رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ذلك لأن هناك شروطاً أساسية لا بد من الوفاء بها قبل أن نحلم بمثل هذا الانسياب. تشتمل شروط الانسياب على شقين: الأول متعلق بالاقتصاد الكلي وهو التحرير الكامل لسعر الصرف وتوحيد هذا السعر. والثاني متعلق بالنظام المصرفي وهو وجود منتجات مصرفية متميزة تدفع المهاجرين للتعامل مع النظام المصرفي السوداني. فيما يتعلق بالشق الأول فمن الضروري أن ترسّخ موازنة الحكومة للعام 2021 للتحرير الكامل لسعر الصرف، وإلغاء سياسة الدعم السلعي بصورة نهائية، القرار قاس جداً، ويلزم أن تصاحبه معالجات اجتماعية فعالة عن طريق بطاقات تموينية الكترونية للفئات الضعيفة، وتنشيط دعم الفقراء عبر ديوان الزكاة، وغيرها من المعالجات الاجتماعية الضرورية. أما فيما يلي النظام المصرفي فلا بد من حزمة من المغريات والمحفزات تشمل: تمويل المهاجرين بأقساط مريحة لشراء ارض أو مسكن أو تشييد او اكمال مبنى، الاعفاء من جمارك السيارات كل خمسة أعوام مقابل مبلغ محدد من التحويلات عبر النظام المصرفي، تمويل شراء السيارات من الداخل، تشجيع تأسيس شركات مساهمة عامة للمغتربين للعمل في مجال السلع الاستراتيجية، وفي مجال المباني بمشاركة مصانع الأسمنت والحديد الوطنية مقابل مدفوعات دولارية لهذه المصانع، تنفيذ النافذة الاستثمارية الموحدة في جهاز المغتربين، استغلال زكاة المغتربين في حل مشاكلهم فقط، تعميم البطاقة الذكية والتي تشمل عددا كبيرا من الخدمات المصرفية والإدارية. متوقع مقابل هذه الامتيازات والمحفزات انسياب ما لا يقل عن ثلاثة مليارات دولار سنوياً للسودان في شكل تحويلات واستثمارات من المهاجرين. وعليه مطلوب من وزارة المالية وبنك السودان المركزي الإسراع في إصدار القوانين والمنشورات المختلفة التي تعمل على تطبيق هذه الحزمة بدقة وكفاءة وسرعة، بهدف استعادة ثقة المغتربين في الاقتصاد الوطني، وبالتالي انسياب التحويلات والاستثمارات للسودان بدلاً عن تحريكها لدول أخرى. والله الموفق