نواصل ما انقطع من حديث عن الشاعر الضخم والمغني البلبل الجاغريو. ختمنا حديثنا امس باغاني الفخر والحماسة ولكن أغانيه كلها سلسلة متشابكة من الدرر والجواهر كل واحدة تفوق الأخرى حسنا وبهاء فكما تغنى الجاغريو للقبيلة التي خرج منها كذلك تغنى للقبيلة الأكبر وهي الوطن فقال: للميدان مارقين سوا هوي ياليلا شافن العدو انكوى يوم الدفاس والدودوا المسقى في الهامات عوى ماضلو ما بعرفو الجوى وعدوهم يشرب ما روى هوي ياليلى ثم قال في قصيدة أخرى في حب الوطن: نحن صغيرنا عندو حياتو ما هميه وفي زمن الحروب الواحد يزن الميه نحن أرواحنا يفدن ناس سعاد وصفيه ونحن اللى وطننا وعودنا ديمه وفيه وقبل أن نغادر هذه المحطة يجب أن نذكر محبة الجاغريو بجانب القبيلة والوطن للزعيم اسماعيل الازهري بطل استقلال السودان فقد تغنى له قائلا: انت أخونا انت نبعنا انت سبعنا وين فايتنا يا الهوا الفيك ما شبعنا واللى ينكسر المرق بعد ما طلعنا والزارعنا غير الله الليجي يقلعنا وهنالك ايضا الأغنية التي جادله فيها الناس كثيرا وهي التي يقول فيها: اسمر لونو لادن جسمو يزدري بالقلوب فار بسمو …حتى يقول: أمات البنات يتلمو بقو يلدوا عليهو ويسمو فقد اعتبرها الناس اغنية غزل ولكنه اعتبرها اغنية في حب الازهري فحاجج الناس قائلا: (منو الكان الأمات بسمو عليه غير ازهري؟) فأفحم بهذا الرد الجميع. وقريبا من هذا الضرب من الغناء غنى لفقدان هدايا من الحبيب فقد نعى هدية الحبيب (المنديل) الذي ضاع منه وكذلك الطاقية وقصتها انه كان في طريقه لإحياء حفل زواج احد أصدقائه من أبناء العيلفون الذين يقيمون في (حلفاية الملوك) وفي الطريق هطلت أمطار غزيرة مصحوبة بعواصف فطارت الطاقية من رأسه ولم يكن من الممكن الرجوع للبحث عنها فقد أرخى الليل سدوله وعم الظلام والطريق موحل. كانت هذه الطاقية هدية من شخص عزيز عليه وهي فتاة من منطقة الخرطوم ثلاثة امتازت بالجمال الفائق والحسن البديع فبدا يترنم بالاغنية وعندما وصل الحلفاية كانت الأغنية قد اكتملت فاستهل بها الحفل وفيها يقول : ذكرى المطره شاعت يوم الاربعاء أريت أرواحنا ضاعت حليل المسبوكه ضاعت ثم يواصل: يبكيك معاكي عبدو هو العارف حقيقتك ومن خوف الحوادث ما اتفاول شقيقتك البيروتي يبهت ما بتبهت عقيقتك فراقك حار على بالسنين دقيقتك إلى أن يصرح علانية باسم المحبوبة وهي من المرات القليلة التي يفعل فيها ذلك وربما لأن الفتاة كانت شخصية معروفة ويقال انها كانت (داية) فيقول: يا الروضة والتاية يالرخا قولي ووب وأصبح ليل شتاي وتحفظ ايد (منينه) يا ماحي الخطايا وهنا ذكر (اسم الدلع) لمحبوبته ونكتفي بهذا القدر حتى نلتقي في حلقة أخرى وسلامتكم. القاهرة / العيلفون