* هذه الأطراف إما أن تتعلم أن تعيش مع بعض، وإما أن تتعلم أن تدمر بعضاً وتدمر الوطن * هناك تدخل خارجي في شؤون البلاد الداخلية وسنقاوم هذا التدخل فوق الساعة من الزمان؛ جلسنا مع نائب رئيس الحركة الشعبية ياسر عرمان.. حاولنا قدر المستطاع أن نطرح عليه أسئلة الشارع والراهن السياسي، فإجاباته مهمة جداً، فهو ضمن كتلة سياسية عسكرية لها وزنها؛ تستعد للدخول في الحكومة الجديدة؛ وإدارة الدولة. زميلتي شمائل النور وشخصي، كان لنا لقاءات عدة في الخرطوموجوبا مع القائد عرمان. وكل واحد منا كان يرغب في إجراء حوار معه في الفترة الماضية، إلا أنه كان يحبذ الصمت حيال ما يدور في الساحة، ووافق أخيراً على إجراء لقاء سياسي؛ مشترك لصحيفتينا. حزمة من التساؤلات وضعناها أمامه: "ما هي رؤيتهم للوضع الحالي، وكيفية الخروج منه والأزمات المتناسلة، وصراع العسكر والمدنيين، وإمكانية الانقلاب، وكيفية بناء جيش وطن موحد، ومراكز القوى المتعددة بالبلاد، وإمكانية إسقاط الحكومة"، كل هذا والمزيد من الأسئلة أجاب عليها عرمان، فمعاً إلى تفاصيل اللقاء. * حوار: عطاف محمد مختار وشمائل النور * لماذا هذا الانزواء والصمت رغم الحاجة الملحة للحديث؟ لأن هنالك سيولة في الأوضاع السياسية بالبلاد، وهذه السيولة خطِرة على السودان، وخطِرة على استكمال قضايا الثورة، وخطِرة على تنفيذ اتفاقية السلام. والسودان في وضع يجب أن يكون الحديث فيه بحساب، ولا يتم الحديث من أجل الحديث، وأن نحاول أن نقدم ما يمكن أن يُوصِل إلى الحلول، أكثر من ما يزيد النيران اشتعالاً. هذه البلد فيها ظواهر واضحة وقاطعة، أولاً: الجوع وتفشي الفقر وانهيار الخدمات ومستوى الحياة المعيشية، وهذا يضرب ملايين السودانيين الطامحين في التغيير والذين كونوا وشكلوا المشهد الحالي. ثانياً: هناك مراكز قوى متعددة في السلطة، وأي مركز كبر أو صغر، يعمل لوحده، وهذا يضر بالمصالح العليا للسودان. ثالثاً: هناك اتفاق سلام عالي الجودة، ويتناول قضايا مهمة، هذا لا يعني أن هنالك أشياء لا يرضى عنها البعض. هذا الاتفاق يومياً تتناقص الهمة وقوة الدفع لتنفيذه، ولابد من تنفيذه لإنقاذ الأوضاع الحالية، ولا يوجد حل غير الإصلاح واستكمال قضايا الثورة، وإسقاط النظام الحالي ليس هو الحل، وأي لعبة صفرية بأن تستولي قوة وحيدة من مراكز القوى السيطرة لتشكيل الوضع الحالي، لن تستطيع ولن تنجح، وستجد المقاومة من الآخرين. * هل هنالك قوة محددة تريد أن تستولي على السلطة بشكل منفرد؟ الفترة الانتقالية تحتاج لكتلة انتقالية من جميع هذه الفئات، وهذه الكتل فشلت حتى الآن في أن تضع إمكانياتها مع بعض، والكتل داخل وخارج السلطة تسعى إلى لعبة صفرية لحسم القضية، جزء من هذه الكتلة لا يرغب في دولة مدنية وتحول مدني ديمقراطي حقيقي، وجزء آخر يسعى لاستبعاد العسكريين. عدم الاستجابة لرغبات الشعب في تحول مدني ديمقراطي دونها خرط القتاد، ولن تنجح، واستبعاد العسكريين من المشهد السياسي لن ينجح؛ "كيف تأتي برابطة بين هذين المعسكرين؛ معسكر الرابطة المدنية ومعسكر العسكريين؟" هذه هي القضية رقم واحد في البلاد، والتي لم تُحل حتى الان، ولا تُوجد تسوية سياسية، الوثيقة الدستورية لم تنجح في إحداث التسوية السياسية، واتفاقية السلام لم تنجح في إحداث التسوية السياسية، التسوية السياسية هي مربط الفرس، هذه الأطراف إما أن تتعلم أن تعيش مع بعض، واما أن تتعلم أن تدمر بعضاً وتدمر الوطن. * تحديداً؛ من الذي يعيق تنفيذ اتفاقية السلام؟ عدة أطراف، هنالك تعمد لاستخدام أساليب النظام السابق. * من الذي يقوم باستخدام تلك الأساليب؟ تقوم بها أجهزة المخابرات والأمن، بشكل واضح، وهي أجهزة لازالت فاعلة وتستخدم نفس أساليب النظام القديم في تقسيم الحركات وتشويه صور قادتها، واستهدافهم بطرق تبدو كأنها من داخل الحركات. يجب أن يتم تغيير الأجهزة القديمة بأجهزة جديدة، تتواكب مع الوضع الحالي. أيضا هنالك قوى تريد أن تصل إلى لعبة صفرية باستبعاد الحركات وقوى الهامش وهي لا تستجيب بالكامل لمطالب الثورة في السلام، وتحاول أن تبخِّس ما تم من سلام، وتحاول أن تستأثر بالسلطة؛ وتعتقد أن الاستئثار بالسلطة باسم الثورة ممكن، واحتكار الوطنية ممكن، وهذا امر خاطئ. * من هي؟ ولماذا لا تسميها؟ اي شخص يستطيع أن يلبس (الطاقية)، عليه أن يلبس هذه (الطاقية)؛ فهي مُهداة له. * هذه اتهامات يستطيع أي شخص أن يقولها؟ ليس أي شخص، مَن مِن الحركات التي وقعت السلام أو غيرها؛ قال هذا الكلام. * تعني القوة المدنية داخل التحالف الحاكم مثلاً؟ القوة المدنية منها أطراف أيدت اتفاق السلام، وفيها أطراف رفضت اتفاق السلام، والأطراف الرافضة هي تعمل بالوصاية والاحتكار، وهذه الأطراف خطها السياسي غير سليم. والقوة العسكرية لازالت أيضا لديها أجهزة تعمل وتأتمر بطريقة النظام القديم، وما يحدث في دارفور ونهر النيل وكسلا؛ من أساليب النظام القديم. * هنالك اتهامات بأن هناك كتلاً سياسية وحركات ممولة من الخارج، وهناك محاور تدير الصراعات والأمور، ما هو رأيك؟ رأيي أن هناك تدخلاً في شؤون البلاد الداخلية، وهذا التدخل مرفوض، الحركة الوطنية السودانية حركة قديمة ستقاوم أي تدخل، نحن نريد علاقات مع كافة البلدان، بالذات بلدان الجوار الأقربين، لكن هم لن يستطيعوا أن يحددوا مستقبلنا، وهذا الشعب السوداني في أكثر فترات يأسه حدد مستقبله، سواء في الثورة المهدية أم في كافة الحركة الوطنية أم في ثورة 1924م، واستطاع أن يحدد موقفه بوضوح، نحن نريد علاقات حسن جوار وعلاقات إقليمية، نحن تربطنا علاقات بكافة هذه البلدان، لكن سنقاوم تدخلها في داخل بلادنا؛ وسيأخذ جهداً، ولكن في نهاية الأمر لابد أن نُحترم ونَحترم الآخرين، وعلى هذه البلاد أن تَحترم إرادتنا الوطنية. * هل تعتقد أن التدخل الخارجي في الشأن الداخلي وصل إلى مراحل مقلقة، أم أن الوضع لازال تحت السيطرة؟ أنا لا ألوم الخارج بل ألوم الداخل، نحن يجب أن نتحد ونتعاون ونجلس ونحترم بعضنا البعض، وأن لا يمرر أي أحد لعبة صفرية في هذا البلد، لأن الوضع في حالة سيولة، وتوازن القوة ليس في مصلحة أي طرف، لا يجب التغول على المدنيين، ولا يمكن استبعاد العسكريين، وهذه معادلة سحرية. * ما حدث في دارفور من قتل للمواطنين، وماحدث في نهر النيل وكسلا، ماهو تفسريكم له؟ التفسير أنه هناك قوى فاعلة لازالت تعمل بأساليب النظام القديم، أنا اقول إن الثورة لا زالت شعلتها قوية، ولا يمكن تجاوز الثورة كواقع، والعالم الخارجي تحدث فيه متغيرات مهمة، من ضمنها الانتخابات الأمريكية، والإدارة الامريكية الجديدة لديها رؤية مختلفة. والأوضاع الداخلية تحتاج إلى حوار وطني؛ بين القوى التي ترغب في التغيير والقوى التي تحرص على وحدة السودان. أيضا لابد من بناء جيش وطني واحد، جيش مهني لكافة السودانيين؛ وهذا هدف رئيسي، وهذه البلد دون مؤسسة عسكرية وطنية غير مسيسة؛ وبعقيدة عسكرية مهنية سينهار. * كيف ترى إمكانية بناء جيش وطني موحد في ظل وجود الدعم السريع بشكل مستقل اقتصادياً وعسكرياً؟ الدعم السريع لديه مخاوف، يجب دراسة هذه المخاوف بوضوح، ويجب أن نعطي التطمينات، لكن لابد من جيش سوداني واحد، والجيش الحالي حاربناه، وهذه الجيش له اكثر من 100 سنة، ومنذ ثورة 1924 شهد فاعلية من الوطنيين في داخله وحتى الآن، وأعتقد أن القيادة الحالية يجب أن تستغل اتفاق السلام، وأن نقدم تطمينات لقادة الجيش والدعم السريع؛ لكي نبني جيشا وطنيا لكل السودانيين. من المحال أن يستمر الحال بشكله السابق، البشير حاول تدمير القوات المسلحة السودانية؛ ولم يستطع تدميرها. لكن القوات المسلحة السودانية دخلت في حروب ضد شعوب وقوى مهمة جداً جداً. يجب أن تنتهي الحروب الداخلية، وأن نتجه لحماية الوطن وحماية أرضنا وشعبنا. * تطمينات من أي شكل تعني؟ المؤسسة العسكرية نتيجة ل(أدلجة) القطاع الأمني والعسكري؛ ونتيجة لدخولها في حروب داخلية طويلة؛ ونتيجة لمحاولة أن يضعها البشير في موضع معادٍ للشعب السوداني، هنالك تركة وإرث ثقيل، وهذه التركة والإرث هنالك الترتيبات الأمنية في اتفاقية السلام وهنالك الحوار الداخلي؛ يجب أن نصل للديمقراطية التي تشبهنا، وأن نقدم ضمانات وتطمينات لبعضنا البعض. المدنيون يخافون من العسكريين. وكلما أريد أن أضع رأسي على الوسادة أجد خبرا في وسائل التواصل الإجتماعي؛ أن الانقلاب قاب قوسين أو أدنى. وفي نفس الوقت عندما تجلس مع العسكريين يقولون "إننا لا نمتلك سلطة؛ وأننا قد تم استبعادنا، ويتم تشويه صورتنا"، بما في ذلك الدعم السريع والقوات المسلحة. هذا الأمر يوضح أن بلادنا في مأزق تحتاج إلى اتجاه جديد، فالاتجاه القديم غير ممكن، وقادة القوات المسلحة وقادة المجتمع المدني يجب أن يصلوا إلى تسوية حقيقية، ونحن ندعو إلى تسوية حقيقية، ودونها ستنهار هذه البلد. * هناك من يقول إن الحركات المسلحة التي انضوت تحت اتفاقية سلام جوبا، جزء منها حليف للجيش، والجزء الثاني حليف للدعم السريع، والآخر حليف لرئيس الوزراء والحرية والتغيير، وأنه إذا حدث انقلاب سيكون انقلاباً ناعماً؛ وليس بالصورة القديمة المعهودة! الانقلاب هو الانقلاب، والشعب السوداني يعرف رائحة الانقلاب ويذوق طعمه قبل الآخرين. في النهاية الثورة رفعت سقف الطموحات عند الشباب وعند قوى اجتماعية كبيرة جداً، وأعطت فرصا للسلام وللحلول؛ ويجب أن لا نهدر هذه الفرص بأي محاولات قصيرة القامة والسيقان. ونحن لدينا أكثر من 60 عاما في هذه المحاولات المستمرة؛ وعدم وضوح الرؤية وعدم وجود برنامج وطني شامل للنهضة الوطنية؛ وللاستنارة وللتوجه نحو بناء سودان جديد، الآن لدينا فرصة كاملة ويجب أن تتم. وأنا أقول هذا الحديث ولست خائفاً ولست طامعاً. وأنا أرى أن المصالح الفعلية لهذه البلد يجب أن تبتعد عن أي لعبة صفرية، والانقلاب لعبة صفرية، واستبعاد العسكريين لعبة صفرية، وكلاهما غير ناجح. * الآن بدأت دائرة السخط الشعبي تتسع، وأطراف من لجان المقاومة بدأت التصعيد فعلياً، ماذا سيحدث حال خرج الشارع وأسقط الحكومة؟ إسقاط الحكومة الانتقالية ليس هو الحل، ولجان المقاومة لجان ذكية، وستدرك في نهاية الامر أن إسقاط الحكومة يتطلب قوة داخل القوات النظامية؛ لكي تُحدِث لحظة التغيير الأخيرة، "ما هذه القوة؟"؛ أنا لا أرى غير الإسلاميين التابعين للنظام السابق، وهم القادرون على فعل ذلك، وهم غير مرغوبين من الشعب السوداني. والحركة الإسلامية يجب أن تنخرط في تجديد نفسها، فما "فات فات"؛ وما أصبح خلفهم لن يُعاد، ويجب أن يتصالحوا مع أنفسهم أولاً ثم يتصالحوا مع الشعب السوداني، للوصول إلى مرافئ جديدة، ودولة مدنية ديمقراطية. ولذلك أنا أعتقد أن الفئات التابعة للنظام السابق هي التي تريد إسقاط النظام الحالي. والنظام الحالي يجب إصلاحه، عبر عملية إصلاح متوازنة جادة يشارك فيها المدنيون والعسكريون، لتعبر بالسودانيين. والسودان ليس كأيٍّ من بلدان الربيع العربي؛ وربما يكون أقرب للحالة التونسية، لكنه بلد ذو خصائص خاصة. * أنت تتحدث عن أن كل من يدعو لإسقاط الحكومة هو من الإسلاميين، لكن من المعلوم أن بعض قوى الثورة الحية تقود الخط المناهض للحكومة، باعتبارها لم تحقق الحق الأدنى من مطالب الثورة! صحيح، لكن أنا أقول في النهاية؛ الخط الغالب للإسقاط سيمر عبر قناة الإسلاميين، ويجب أن نكون دقيقين، في عبارة الإسلاميين – فالتيار الإسلامي أهم وأكبر من المؤتمر الوطني – وأنا هنا أتحدث عن المؤتمر الوطني، والمؤتمر الوطني (زماتو فات؛ وغنايو مات) ولن يأتي مرة أخرى، والموجودون في السجن لن يقودوا حتى انفسهم؛ دعك أن يقودوا شعب مرة أخرى، وعليهم أن يكتفوا بسجنهم، ويتركوا التيار الإسلامي يجدد نفسه. ولذلك الأصوات الغاضبة من لجان المقاومة؛ أنا قلت إنها ذكية، ستصل في النهاية أنه يجب إصلاح الثورة وعدم تسليمها إلى الثورة المضادة. * لكن المواكب المطلبية لم تتوقف منذ سقوط البشير! أنا مع المواكب والحركة الجماهيرية؛ وعدم وقفها. "لكن المواكب من أجل ماذا؟"، المواكب يجب أن تطالب بتنفيذ اتفاق السلام، بإزالة التمكين، بمعالجة أهم قضية الآن في الساحة "كيف نعالج الوضع المعيشي؟"، ويجب أن يتم تفاكر حقيقي حول هذه القضية. ونحتاج لدراسة التجربة الحالية؛ فهنالك نجاحات وإخفاقات، النجاحات متمثلة في السلام، وفي إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. والإخفاق الكبير في الحالة المعيشية؛ وهذا مربوط بالتسوية السياسية، وهناك تضارب مراكز القرار في السلطة، وعدم وجود تسوية سياسية مَرْضيٍّ عنها من كل الفرق وهي التي تُحدث هذه الأزمة. ولذلك نحن نحتاج إلى أولويات واضحة، وإلى قيادة، وإلى برنامج، وإلى تجانس في داخل قوى الثورة التي ليس بينها حوار الآن، وقوى الثورة تستخدم أساليب الثورة المضادة مع بعضها البعض؛ في "التربص، والتخوين، وتصفية الحسابات"، وهي ذات أساليب النظام السابق، ولا يمكن لقوى الثورة أن تستخدم هذه الأساليب، ويجب أن تنتهي، وأن يسود حوار حقيقي لكيفية الوضع الحالي. أو سنخسر كلنا وسيخسر السودان، فنحن أضعنا ثورة أكتوبر وثورة أبريل ويجب أن لا نضيع هذه الفرصة الحالية.