الرجل الذي وصل إلى منصبه أواخر مارس الماضي لم يتوقع الحفاوة التي استقبل بها فخلف الرئيس البشير، فقد اصطف العديد من الوزراء والمسؤولين ورجالات السلك الدبلوماسي في الخرطوم. الحاضرون في المطار الرئاسي رفعوا حاجب الدهشة فرئيس الوزراء الأربعيني هبط على متن طائرة تجارية عادية، تاركا انطباعا حول ما ستكون عليه سياسته في مقبل الأيام تجاه المال العام. الرجل الذي يختلف البعض في تهجي اسمه لم يتوان عن إبداء ارتياحه للوهلة الأولى من عدم ضخامة الجالية الإثيوبية وطاقم السفارة الإثيوبية التي كانت حضارة لاستقباله ولقائه ربما لأول مرة. أحد أفراد طاقم السفارة ممن يجيدون اللغة العربية همس للواقف إلى جواره والتقطها (السوداني) بأن رئيس وزراء بلاده غير مولع بالحشود كثيرا.. أعضاء الوفد الإثيوبي الزائر بمعية رئيس الوزراء لم يبخلوا عن توزيع ابتسامتهم وتلويحهم لأعضاء جاليتهم في الخرطوم، وضم الوفد وزير الدفاع والخارجية والطاقة والمياه والاتصالات. بيد أن اللافت كان في استصحاب حكام الأقاليم المجاورة للسودان في مقدمتهم أمهرا والتقراي وبني شنقول. الدقائق الأولى وزير الخارجية الإثيوبي ورقيني قبيو الذي حل ضيفا لأكثر من مرة على الخرطوم، ربما بات يدرك حجم الفضول الذي يعتري اعلاميو الخرطوم، فباغت الجميع بتصريحات صحفية في المطار عقب الاستقبال، كاشفا عن أن رئيس الوزراء الإثيوبي سيجري مباحثات مع الرئيس البشير تتناول العلاقات الثنائية بين البلدين، معربا عن سعادته بالزيارة وامتنانه للعلاقات الوطيدة التي تجمع الشعبين، مشيرا إلى أن الوزراء المرافقين لرئيس الوزراء الإثيوبي سيعقدون مباحثات مع رصفائهم في السودان، ليصطف كل وزراء الجانب السوداني امام نظرائهم من الوفد الإثيوبي بما في ذلك وزير الخارجية "بالإنابة". دلالة الاختيار وزير الخارجية الإثيوبي أكد أن اختيار رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد الخرطوم أول محطة خارجية له تعني مباشرة أن العلاقة ما بين البلدين وصلت لمرحلة استراتيجية ومهمة، بالإضافة إلى أنها تظهر الاحترام المتبادل بين قادة البلدين والشعبين معا، قاطعا بأن البلدين سوف يستمران في تقوية هذه العلاقة والذهاب بها إلى الأمام. مهام اقتصادية ما كان لافتا في تشكيلة وفد أبي أحمد أن معظم وزرائه من القطاع الاقتصادي باستثناء وزير الدفاع، الأمر الذي أشار بوضوح إلى طبيعة المباحثات التي ستجري بين البلدين، بالإضافة إلى أن ذلك يدلل على أن الرجل يعي تماما المطلوبات في هذه المرحلة، خاصة أن الخرطوم التي تعاني وضعا اقتصاديا مأزوما تنتظر الكثير من شريك استراتيجي كأديس أبابا لجهة اتفاقهم في وقت سابق على تكامل أمني وسياسي وقبلهما اقتصادي. توقيت الزيارة ما كان لافتا أيضا في توقيت الزيارة أنها تستبق جولة المباحثات الجديدة بين الخرطوموالقاهرة وأديس أبابا تستضيفها إثيوبيا بعد غد 5 مايو بعد فشل الاجتماع التُّساعي الذي جمعهم بالخرطوم، الأمر الذي دفع المحللين لتوقع أن يكون ملف سد النهضة حاضرا بقوة في المباحثات التي ستجري مع الرئيس البشير مساء أمس. زاوية أخرى القاهرة كانت حاضرة في استقبال رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في أول زيارة له للخرطوم. السفير المصري بالخرطوم أسامة شلتوت كان حاضرا ضمن السفراء المعتمدين لدى السودان في استقبال الرجل مسجلا بذلك سبقا بأن يكون أول مسؤول مصري يلتقي رئيس وزراء إثيوبيا الجديد أو ربما الثاني بعد السفير المصري بإثيوبيا. نظرات شلتوت لم تفارق خطوات أبي المترعة بالثقة والأمل وهو يستعد لمباشرة مهامه الحقيقية على المستتوى الإقليمي من خلال الترتيب لأخطر الملفات وفقا لوجهة النظر المصرية ممثلا في سد النهضة. الرياض والدوحة مفارقة التقطتها (السوداني) أمس، لدى حضورها لتغطية استقبال رئيس الوزراء الإثيوبي، ففي المطار الرئاسي كانت طائرة للخطوط الجوية السعودية وأخرى للخطوط القطرية تقفان إلى جوار بعضهما البعض في انتظار أعمال المناولة اليدوية والإجراءات الأخرى الخاصة بهما. الحضور الذي رصد المشهد أبدى سعادته من هذا الجوار، واعتبر بعضهم أن ذلك فأل حسن إذ ربما تنجح الخرطوم التي استضافت قمة اللاءات الثلاث في أن تعيد الود المفقود بين الجارتين خاصة أنها تقف على الحياد من أزمة بلدان الخليج. البشير وأبي منذ السادسة مساء كان الإعلاميون ينتظرون على نار في انتظار مخرجات المباحثات التي جرت في القصر الرئاسي. الانتظار يطول وقاعة المركز الإعلامي المترعة بكل وسائل الراحة والتسهيلات المهنية أخذت تضيق من فرط الانتظار. الرئيس البشير ابتدر حديثه خلال المباحثات السودانية الإثيوبية بالقصر الجمهوري أمس، بضرورة الإسراع في ترسيم الحدود بين إثيوبيا والسودان على الأرض بما يضمن الحقوق ويجنب الخلاف في المستقبل، وقال: "لا خلافات بين البلدين في الخرائط والمرجعيات"، مشيرا إلى أهمية تذليل العوائق الأمنية والمضي في تشكيل القوة المشتركة على الحدود. الجنوب والنهضة ودعا البشير إلى استمرار التنسيق بين البلدين بشأن القضايا الإقليمية خاصة الوضع في جنوب السودان سواء عبر المسار الثنائي أو من خلال الإيقاد، مجددا موقف السودان الثابت فما يلي التمسك بإعلان المبادئ الخاص بسد النهضة. وأشار البشير إلى أهمية اللجان الثلاثية مع الشقيقة مصر وتابع: "نرجو أن نعبر بالتعاون في مجال الأمن المائي إلى الآفاق المرجوة، وتجاوز العقبات التي أدت لتوقف المسار الفني للتفاوض وتحقيق الفوائد المشتركة دون أن يضار أي طرف. علاقة البلدين البشير أعرب عن رضاه الكامل عن مستوى العلاقات بين البلدين، مشيرا إلى وشائج التواصل بين الشعبين الشقيقين في مختلف المستويات الاجتماعية والثقافية والحضارية، وحيا مواقف إثيوبيا تجاه قضايا السودان ومساندتها له بجانب الدور الذي تقوم به في الوساطة مع جنوب السودان ومواقفها المتطابقة مع توجهات القارة لتحقيق استقلالها الحقيقي، وقال البشير: "السودان يمضي بخطوات واثقة نحو إكمال مشروعات النهضة في كافة المجالات تحقيقا لمخرجات الحوار الوطني". البشير لم يتوان عن التذكير بدور السودان الذي وصفه بالإيجابي في فض النزاعات بالإقليم لتحقيق السلام والاستقرار مع جميع الأطراف والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية. وأعرب البشير عن تطلع الخرطوم لزيادة ومضاعفة التعاون الاقتصادي وتشجيع الاستثمارات المتبادلة بين البلدين، وأضاف: "اللجنة العليا المشتركة حققت نجاحات مقدرة في دعم وتطوير التعاون الثنائي"، داعيا إلى اجتماع اللجنة المشتركة على المستوى الرئاسي في أجل قريب لزيادة وتفعيل العمل المشترك لإكمال المشاريع الحيوية بين البلدين. كما دعا قادة القرن الإفريقي للالتقاء في الخرطوم للتفاكر حول أنجع السبل والآليات والأجهزة التي تفعل التعاون الاقتصادي في الإقليم عبر تجمع اقتصادي يخدم اقتصاديات المنطقة. من جهته دعا رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إلى أن تكون الحدود بين السودان وإثيوبيا لتبادل المنافع بين البلدين، مؤكدا التزام بلاده بتغذية وتطوير العلاقة بين البلدين، مجددا رغبة بلاده في استخدام أمثل لمياه النيل بما يحقق مصلحة جميع الأطراف. وقال: "علينا بناء علاقات استراتيجية أو مصير مشترك لنواجه التحديات التي تجابه القارة".