رحلة البحث عن ذهب (المشرحة) (الحلقة الاولى) فلاشات: وجدان طلحة ينتابك شعور غريب ما ان تمر بمشرحة الخرطوم ..تسرع فى الخطى تحاول ان ترفع رأسك قليلا لتسرق النظرات خوفاً ولكن من ماذا..؟أنت لا تعرف .. وفى احيان أخرى تقع على اذنيك صرخات مثل الصاعقة من أناس فقدوا عزيز .. ينزف قلبك دماً رغم انهم لا يمتون لك بصلة ولا تعرف ما اذا كان المتوفى رجلا او إمرأة .. صغيرا ام كبيرا .. لكن رغم هذا تسيل الدموع فى لحظات مرورك بالمشرحة ربما للمعرفة المكتسبة من اجهزة الاعلام او من حديث قاله لك احد المعارف عن بعض الجثث الموجوده هناك. الطفل والكرتونة: كانت الساعة قد تجاوزت الثامنة بقليل حينها كنت فى بوابة المشرحة حرصاً منى فى مقابلة د. عقيل مدير المشرحة ..فى تلك الاثناء كانت دقات قلبى فى ازدياد كنت ممسكة بخطاب مروس ومختوم من الصحيفة سقط مني على الارض لا لشىء سوى ان يدي كانتا ترجفان , بينما عيناي تصولان وتجولان بإزعاج شديد فى باحة المشرحة التى كانت خالية من الموظفين .. ولان ابواب المكاتب (مظلله) كان سهل علي من هم بداخلها رؤيتى، فعندما نادى علىّ احدهم كاد قلبى ان يخرج من بين ضلوعى، فهى المرة الاولى التى تطأ فيها قدماي مشرحة واول مرة لا اقوى على رؤية الاطفال الذين هم زينة هذه الحياة وتحديداً ذلك الطفل حديث الولادة الذي كان جثة ملقاة داخل (كرتونة) محاطة بإثنين من رجال الشرطة بالاضافة الى اخرين.. وكان احد رجال الشرطة يقول حديثا فيما معناه ان هذه الحوادث اصبحت كثيرة وان للاجنبيات ضلعا فيها...ولان المنظر كان كفيلا بإنزال دموعي كفكفتها وفضلت الانتظار فى الخارج وانا اسأل عن اين مكتب د.عقيل الذى جئت ابحث عنه لكني لم اجده لاترك الخطاب واغادر المشرحة. شاى وقهوة: عندما خرجت من المشرحة دارت برأسي كثير من الاسئلة ضمنتها تلك التي كانت تحتاج لاجابة من مدير المشرحة , وعندما ذهبت للمرة الثانية باحثة عن اجابة لماذا تأخر الرد على خطابي ؟وجدت بعضهم يتناول وجبة الفطور وكعادت السودانيين (حنسونى) ولكن لم استجب (لتحنيسهم )...مكتب د.عقيل به السكرتيرة تستقبلك بإبتسامة تريحك قليلاَ قبل ان تعرض عليك عبارة (شاي واللا قهوة )... وترد عليها بذات الابتسامة بأنك قد تناولته قبل قليل .. ومن ثم تخوض معها فى بحر من الاسئلة من بينها (كيف الشغل ؟)... لترد بلسان يلهج بالحمد والشكر لله تعالى .. فهي استلمت عملها هذا قبل اشهر وكانت فى البداية قلقة بعض الشئ لان مكتبها يبعد خطوات عن ثلاجات الموتى , لكن اصبح الامر عاديا بالنسبة لها. إستفهامات واسئلة: فى فترة سابقة حظيت المشرحة بإهتمام اكثر من ذى قبل والسبب هو إختراع د. ياسر جاد المولى (المنصوري) اختصاصي واستشاري جراحة المخ والأعصاب جهاز لكشف المعادن النفيسة كالذهب وقد أشرف عليه نخبة من الخبراء من داخل وخارج السودان , كما انه عرض على لجان استشارية وبناء على ذلك تمّ منحه براءة الاختراع , والذى بواسطته تم اكتشاف كنز من الذهب يقبع في المكان الذي توجد به مشرحة الخرطوم، وقيل ان الكمية الموجودة تكفي السودان ل10سنوات , على الرغم من مرور فترة على هذا الموضوع الا ان كثيرا من الناس يتساءلون عن مصير (دهب المشرحة) ويقول احد العاملين بالقرب من المشرحة متى يتم تجفيف مستشفى الخرطوم الى الاطراف..؟ واضاف مشكلتنا اننا نتعامل بعواطفنا وليس بعقولنا فإذا كان الذهب موجودا وبكمية كبيرة فلماذا لا يتم نقل المشرحة الى اي مكان اخر اذا صعب على الجهات المختصة تجفيف المستشفى تماماً..؟ رائحة غريبة: اذا حاولت الحديث مع عدد من الاشخاص عن مشرحة الخرطوم فكل من هؤلاء سيتحدث اليك حديثا مختلفا عن الاخر , فمنهم من يحدثك عن كلام لا يصدقه قلب ولا عقل , واخر يحدثك حديث المختص , وآخرون عن اول مرة دخلوا فيها المشرحة ومن بينهم (سماح احمد) التى تخرجت حديثا من كلية الطب وكيف كان حالها فى المرة الاولى التى دخلت فيها الى المشرحة ورؤيتها للجثث .. واللحظة الى غابت فيها عن الوعي وإمتناعها عن الاكل والشرب لايام ودخولها فى خصام مع النوم , وبقاء صور الموتى فى ذاكرتها كلما حاولت الهروب من ذلك اليوم....لا اختلاف حول نظافة المشرحة لكن ماهو سر (الرائحة الغريبة) التى ليست هى حبيسة المشرحة ولكنها مسيطرة على الفضاء الخارجى لها والتى اصبحت سمة مميزة لتلك المنطقة...تصلك على الرغم من معرفتهم بأن خروج رائحة من الجثة امر طبيعى ولكن هذه الرائحة قالوا عنها انها تزكم الانوف وتعلق بثياب المارة. ما قنعنا يادكتور: كثير من الاسئلة التى تدور برؤوس الناس كان يمكن الاجابة عليها على لسان د.عقيل مدير المشرحة ولكن حاولت (فلاشات) مرارا وتكرارا الوصول اليه اذا كان بالاقدام او عبر عبر الاتصال ب(اسامة) الذى كان يرد علينا بأن د.عقيل اما مسافر داخل او خارج السودان رغم اننا ارهقناه بسؤالنا عنه الا انه كان يرد بكل سرور ويقول (لا مافي ازعاج) .. وهذه الكلمات عبارة عن رسالة فى بريد د.عقيل الذى بحثنا عنه لكننا لم نجده حتى الان. (نواصل الاسبوع القادم)